الخطاب الديني ليس توجيهات وتعليمات للخطباء والوعاظ في صلاة الجمعة وإنما في الفكرة التي تبنى عليها الخطبة ونوعية وثقافة وفكر الخطيب، الجمعة الماضية كان العنوان الرئيسي للخطبة الموزعة على المساجد هي «حماية الأوطان في زمن الأحداث الجسام» وهذا ليس العنوان بالضبط ولكن مضمونه.. ومن حسن حظي متابعة الخطاب في المسجد المجاور لمنزلي وأعتاد أداء كل الصلوات فيه بفضل الله.. وربما كانت الكلمات متشابهة أو نفس المضمون إذا ذهبت لمسجد آخر، لكن الله حبانا بشاب موهوب ومثقف وعاشق لمهنته الأخلاقية بالدرجة الأولى باعتباره صاحب فكرة يفترض أن تصل إلى جموع المصلين.. ولعلمى أن هذا المسجد غير منضم للأوقاف فقد تصورت أن الخطيب اجتهد فى اختيار الموضوع ودرس جميع جوانبه واطلع على المعلومات التي تعينه على وصول الفكرة كاملة غير منقوصة حتى أن الجميع سعدوا بها وبعضهم توجه إلى الشيخ علاء صلاح لتهنئته لأنه استطاع إقناعهم بالرسالة التى حملها على عاتقه رغم أن العنوان قد لا يجذب البعض فى ظل ضعف الحس الوطنى عند بعض الأجيال الجديدة التى شكلت الغالبية من المصلين، لكن الرجل اجتهد وأبدع فى الإقناع بما يملكه من قدرات خاصة فى فن الخطابة وامتلاك أدواتها ومع هذا حققت الفكرة أهدافها بالانضباط ثم الحوارات الجانبية التى دارت بين المصلين بعد انتهاء الجمعة.. كنت من بين المهنئين للشيخ وأطريت على العنوان الذى رأيت أنه جاء فى وقته تمامًا في ظل الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد منذ أحداث السابع من أكتوبر عام 2023 وما حدث فى غزة ومازال من دمار وقتل وتجويع وتشريد لأكثر من مليونى مواطن غزاوى يستحقون التحية لصمودهم فى ظل الهجمة الصهيونية البربرية عليهم وقتل أكثر من 65 ألف مواطن برىء بينهم أطفال ونساء وشيوخ ولم يكتفوا بالقتل فقط وإنما سقوهم كل صنوف وألوان العذاب خاصة التهجير قسرًا من منطقة إلى أخرى وتدمير المبانى على رءوس ساكنيها حتى جاءت لحظة الحسم مساء الجمعة الماضى بموافقة حركة حماس على مقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بوقف الحرب مقابل الإفراج عن الرهائن.. وكان قرارًا فى منتهى العقلانية من جانب الحركة التى أحاطت بها المصائب من كل جانب وأن رفضها المقترح يعنى الإجهاز على كل الشعب الغزاوى حتى آخر فرد وهذا ما كان يتمناه نتنياهو لأن الرفض كان يعني منحه قبلة الحياة السياسية من جديد.. صحيح أن المقترح فيه الكثير من الغموض والحاجة للمناقشة وتحديد واضح لبنوده خاصة ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلى ومسألة نزع سلاح المقاومة وغيرهما من بنود الغموض التي أطلقت على عواهنها دون استشارة أصحاب الشأن وهم الفلسطينيون لكن الخبراء اعتبروا أن توقف فكرة التهجير القسرى من القطاع وبقاء الناس فى وطنهم وكذلك رفض فكرة ضم الضفة الغربية لإسرائيل من أهم إنجازات المقترح الأمريكى الذي اعتبره ترامب مشروعه للحصول على جائزة نوبل للسلام.. سلام على فلسطين وأهلها.