عقب اشتعال ثورة التونسيين ضد زين العابدين بن على بعد انتحار الشاب بوعزيزى، خشيت الحكومة المصرية على نفسها من شرب ذات الكأس, وقررت الأوقاف فى أوائل يناير 2011 توحيد خطبة الجمعة فى جميع المساجد بعنوان «موقف الشريعة الإسلامية من حرمة الانتحار وقتل النفس». وقررت الأوقاف بعدها توحيد «عنوان خطبة الجمعة» على أن يجتهد الأئمة فى جمع المادة الدينية من آيات وأحاديث نبوية وقصص دالة على المعنى. ولكن أن تقرر الأوقاف حاليا توحيد الخطبة ذاتها وتوزيعها مكتوبة على الأئمة لتكون بنفس المفردات والمعني، فهذا ليس مقبولا أو تجديدا للخطاب الدينى, وإنما انتقاص للاجتهاد الفكرى للأئمة. وما هذا سوى مزايدة من الأوقاف على الشيوخ والمصريين. وما ذنب المصلين أن يستمعوا الى خطبة مكتوبة مأمورة بتعليمات الدولة ومختومة بالدعاء بأن يحفظ الله الحكومة وغيرها ويحميها من كل شر. ألم تتعلم الأوقاف من دروس الماضى عندما انتفض الشعب ضد رؤساء سبق ودعا لهم الأئمة أثناء حكمهم بأن يحفظهم الله لمصر؟. ولا معنى لتبرير الأوقاف بأن بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر سواء بالإطالة التى تخالف السنة، أو بالخروج عن الموضوع إلى جزئيات متناثرة, بما يربك المصلين ويشتت ذهنهم. وربما بررت الوزارة مبتغاها دون أن تقصد، عندما نبهت الى أن بعض الأئمة يتطرقون الى أمور سياسية وحزبية لا علاقة لها بمضمون الخطبة. أما أن تدعى الأوقاف بالقول إن أداء الأئمة للخطبة المكتوبة الموحدة سيكون أيسر على المنبر لأنها مقروءة، فهذا سبب كفيل لأن تنفرنا نحن المصلين من أداء صلاة الجمعة فى المساجد، لأن الأوقاف لن تيسر الأمر على الخطباء كما تدعي، وإنما تحقق رسالتها المفروضة علينا وقولبتنا فيما تريده هى. مشكلتنا أننا لا ننظر سوى أمام أنوفنا، ولم نتعلم من تجاربنا، فأوقاف 2011 استبقت ثورة 25 يناير بخطبة «تحريم الانتحار» ولم يتفتق ذهنها الى المظاهرات وإلا كانت حرمتها ووجدت لها من الآيات والأحاديث لتجريمها كما جرمتها الدولة لاحقا بقانون. ومشكلة أخري، ماذا إذا لم يتلق الإمام الخطبة فى موعدها؟ هل يجتهد ويخالف تعليمات الوزارة؟ وإذا اجتهد وخالف النص المكتوب..فهل يودع السجن؟ وماذا لو كان الخطيب متسرعا من أمره وأنهى الخطبة فى دقيقتين مقارنة بآخر بطئ وليس فى عجلة من أمره، فما ذنب المصلين؟ الموضوع يطول لأننا نعود لأيام الاتحاد الاشتراكى. لمزيد من مقالات محمد أمين المصري