في آخر الزمان، زمن السوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي، انتشرت الحياة الموازية، وأصبح من السهل أن نصنع لأنفسنا حياة افتراضية كاملة الملامح والذكريات. ذكريات لم نعشها بضغطة زر، وبإشارة إصبع، نحصل على صور محسنة، بشرة ناعمة، ملامح مثالية، وجسم رشيق يضاهي عارضات الأزياء، ولاعبي كمال الأجسام. وبمساعدة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حصلنا على صور وذكريات مصطنعة، على شواطئ لم نزرها أبدًا، أماكن لم تطأها أقدامنا في الواقع، نلتقط صورًا ونبني قصصًا نتفاعل مع المعلقين عليها، ونُصدّق أننا عايشنا هذه اللحظات بالفعل، بينما في الحقيقة نحن لم نقترب منها يومًا، وصنعناها ونحن جالسين أشبه بتمثال القرفصاء ولكن بنسخته المعدلة التي تمسك بالهاتف المحمول بدلا من الكتاب. لحظة من فضلك! هل فكرت فيما تضيع عمرك؟ هل تخيلت يوم المشيب، وأنت تقف أمام المرآة التي تظهر صورة لا تعرف صاحبها، هل تخيلت أحفادك وأنت تحكي لهم ذكرياتك الافتراضية؟، وأنت تخبرهم عن حياة ظللت طوالها تحسن ملامحك "افتراضيا"، وتجمل حياتك كذبا ونفاقا مع ذاتك قبل المحيطين؟، تحكي لهم كيف كنت غريقا لعالم الصور المزوّرة والذكريات المصطنعة؟ . صفقة خاسرة الآن مر العمر.. اشتعل الرأس شيبا، وتغيرت ملامحك ببطء ولم توثقها، صوتك الحقيقي اختفى وسط المؤثرات، والأماكن التي طالما حلمت بزيارتها، لم تأخذ منها سوى صورا مصطنعة. هل تمنيت الرجوع عبر الزمن، لتنقذ حياتك الحقيقية، وتنتصر لذاتك بعيدا عن زيف الذكاء الاصطناعي؟.. مازال الأمر بيدك، اصنع قرارك قبل فوات الأوان، ولا تعش سنين من الاصطناع تجعلك تواجه في النهاية حقيقة مرة وهي أنك لم تعش تلك الحياة التي كنت تعرضها للعالم، لم تزر البحر، لم تصافح صديقك العزيز في تلك الصورة، لم تلتقط لحظاتك الحقيقية، كل شيء كان نسخة محسنة افتراضية. "عايز حقي" وفي نهاية المطاف قد تكتشف أنك أضعت عمرك كما أضاع "صابر"، في فيلم "عايز حقي" نصيبه في بلده، حين قال له الفنان القدير عبد المنعم مدبولي بيأس "بيع يا صابر"، بينما في زمن الصور المصطنعة نبيع أعمارنا وذكرياتنا مقابل أوهام لا تغني من جوع. كومبارس! استخدم الذكاء الاصطناعي فقط كأداة لمساعدتك، وليس "كومبارس"، يأخذ دورك في حياتك، تعامل معه بوعي، لا تبيع له نفسك، ولا تدع صورك المصطنعة تسرق عمرك الحقيقي.