أن نفيق الآن متألمين على ما فات، بدلا من الاستمرار مستسلمين لأحلام اليقظة، منتظرين قوة خارقة لتحقيقها. فى زوايا النفس المظلمة، حيث تختبئ الخيبات والحسرات، وتخزن الهزائم، تنمو أحلام اليقظة كزهور برية فى صحراء قاحلة، هى ليست مجرد خيالات عابرة، بل ملاذ نلجأ إليه حين يضيع الواقع، ونشعر بالعجز أمام تحديات الحياة، وقد تتحول إلى أوهام، عندما يكون الأمل فى تحقيقها راجعا إلى قوة خارقة، ويأتى هذا فى ظل ما نراه من انعدام العدالة وانكسار الكفاءة، وعلو الفشل، وغنى التفاهة، وفقر المستحقين والمؤهلين.. واختلال موازين الحياة بكافة أشكالها.. وعدم الاستطاعة على التكيف مع هذه الأوضاع المعوجة والمضطربة، بل وعدم القدرة على المواجهة فى تلك اللحظات نصنع عالما موازيا نخلقه بأنفسنا لأنفسنا.. نعيش فيه بطولات لم نحققها، ونحظى فيه بعطف لم نلقه، ونحقق فيه نجاحات لم نصل إليها. لكن ماذا يحدث عندما يتحول هذا الملاذ إلى سجن، عندما تصبح أحلام اليقظة وسيلة للهروب الدائم من الواقع، تصبح إدمانا لا يمكن تركها أو الاستغناء عنها.. بدلا من أن تكون دافعا للتغيير. أحلام اليقظة فى جوهرها ليست ضارة. بل يمكن أن تكون محفزا للإبداع، ومتنفسا للضغوط. لكن الإفراط فيها قد يؤدى إلى الانفصال عن الواقع، والتقاعس عن السعى لتحقيق الأهداف، وهو ما قد يؤدى بالتالى إلى تدمير الانسان الذى يستسلم للغرق فيها، وتكون الحل السهل لمشاكله.. أكد بعض العلماء أن سيطرة أحلام اليقظة بشكل كبير على الإنسان قد تؤدى إلى العديد من الأمراض النفسية، خاصة فى حالة عدم تحقيق ولو القدر الضئيل منها، فتزداد مساحة الإحباط والسخط على الواقع الحسى المعاش. في حين يرى البعض الآخر أن أحلام اليقظة ظاهرة صحية، ولكن خطرة فى الوقت نفسه، فلها فوائد تدفع الفرد إلى الإصرار على تحقيق طموحاته، وتشكل لديه إرادة قوية لإثارة الهمة وزيادة المجهود لتحقيق ما يصبو إليه. أما مضارها فتنحصر فى الاكتفاء بها كفاية فى ذاتها، والاقتصار عليها للتنفيس عن الرغبات والأمانى من دون محاولة القيام بالمجهود العملى لتحقيقها. وهكذا نجد أن أحلام اليقظة قد تكون سلاحا ذا حدين. فهى تمنحنا الأمل، لكنها قد تسلبنا الواقع. تمنحنا السعادة المؤقتة، لكنها تحرمنا من السعادة الحقيقية.. لذلك من الضرورى أن نوازن بين الحلم والواقع.. أن نستخدم أحلام اليقظة كمحفز للسعى لا كبديل عنه.. أن ندرك أن النجاح لا يأتى من التمنى بل من العمل والمثابرة.. لابد أن يكون لدينا قناعة بأن نعيش الواقع بكل ما فيه من تحديات وصعوبات، أفضل من أن نعيش فى عالم من الأحلام المستحيلة، أن نواجه الحياة بشجاعة أفضل من أن نهرب منها فى خيالات لا تنتهى.. فلنفق من أحلام اليقظة ولنبدأ فى بناء الواقع الذى نطمح إليه، فالحياة لا تنتظر، والعمر يمضى، والأحلام لا تتحقق إلا بالعمل. أما أن نقضى سنوات من أعمارنا نطارد حلما نحمله فى قلوبنا كمن يحمل مصباحا فى عتمة الطريق، ننام ونصحو عليه، نحكيه لأنفسنا فى اللحظات الصعبة، ونتخيله يتحقق دون أن نخطو نحوه خطوة واقعية.. نمنى النفس بأن الوقت لم يحن بعد، وأن القوة الخارقة التى ستغير كل شىء قادمة لا محالة. ننتظر تلك «اللحظة الفارقة» ذلك الشخص الذى سينتشلنا، أو الفرصة التى ستهبط من السماء فجأة، وتفتح لنا الأبواب المغلقة.. والأعوام تمر.. ونظل نحدث أنفسنا بقريب، حتى نفاجأ بأن القريب صار بعيدا، وأن الزمن لم ينتظرنا، وأننا لم نتحرك خطوة واحدة. ونفيق فجأة ليس على صوت النجاح، بل على ملامح الشيخوخة، وندوب خيبات طويلة. نحمل أحلاما قديمة فى قلب متعب، وجسد أثقلته السنون.. ونكتشف أن الحلم لم يكن مشكلة، بل الانتظار العقيم له دون عمل، دون تعب، دون مخاطرة. هكذا أفضل كثيرا، أن نفيق الآن متألمين على ما فات، لكن صادقين مع أنفسنا. معترفين أن بعض الأحلام كانت مجرد وسيلة للهروب من المواجهة، وأن انتظار القوة الخارقة لم يكن إلا شماعة للكسل والخوف.. لا أحد سيأتى ليحقق أحلامنا، ولا معجزة ستهبط إن لم نتحرك. اليوم وأن تأخر الوقت يبقى فى العمر متسع لنحيا بواقعية، لا بأس أن نحزن على الحلم القديم، لكن الأهم أن نصنع لانفسنا واقعا لا نندم عليه من جديد.. وهذا رغم الألم هو الأفضل. ◄ الحياة والذكاء الاصطناعي فى مطلع القرن الحادى والعشرين، دخلت البشرية مرحلة جديدة من تطورها، حيث أصبح الذكاء الاصطناعى جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. من الهواتف الذكية إلى السيارات ذاتية القيادة، ومن المساعدين الافتراضيين إلى الأنظمة الطبية المتقدمة، حيث يتغلغل الذكاء الاصطناعى فى كل جانب من جوانب الحياة. هذا التقدم التكنولوجى السريع يثير تساؤلات عميقة حول معنى الحياة، والوعى، والأخلاق والهوية الانسانية. لطالما كانت الفلسفة تسعى لفهم طبيعة الوجود والوعى والمعرفة. ومع ظهور الذكاء الاصطناعى، أصبحت هناك تحديات جديدة تواجه الفلسفة.. هل يمكن للآلة أن تمتلك وعيا؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعى أن يتفوق على العقل البشرى فى التفكير؟ هذه الأسئلة لم تعد مجرد خيال علمى، بل أصبحت موضوعات بحثية جادة. حيث تشير بعض الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعى قد يغير الطريقة التى نفهم بها الوعى والمعرفة، فإذا تمكنت الآلات من التعلم والتفكير واتخاذ القرارات بشكل مستقل، فقد نحتاج إلى إعادة تعريف مفاهيمنا التقليدية حول العقل والذات. فى ظل هذه التغيرات تظهر الحاجة إلى فلسفة حياة جديدة تتناسب مع العصر الرقمى. هذه الفلسفة يجب أن تأخذ فى الاعتبار التفاعل المعقد بين البشر والآلات. وتعزز من القيم الإنسانية فى مواجهة التحديات التكنولوجية. بينما يستمر الذكاء الاصطناعى فى التطور، من الضرورى أن نكون مستعدين للتعامل مع التحديات وخاصة الأخلاقية التى يطرحها. ويتطلب ذلك تعاونا بين الجميع العلماء والمختصين والمبرمجين وصناع السياسات لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعى فى خدمة الإنسانية وليس العكس. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لتحسين حياتنا، إذا ما تم استخدامه بحكمة ومسئولية. ولتحقيق ذلك، يجب أن نعيد التفكير فى مفاهيمنا الأساسية ونطور إطارا أخلاقيا يتناسب مع العصر الرقمى.. بهذه الطريقة يمكننا ضمان أن يكون الذكاء الاصطناعى قوة للخير، تعزز من قيمنا الإنسانية وتساعدنا فى بناء مستقبل أكثر عدلا وإنسانية. معلول والسولية.. وداعا في زمن تتغير فيه الوجوه بسرعة وتتشابك فيه المصالح مع الأضواء، ظل على معلول وعمرو السولية لاعبا النادى الأهلى وجهين نقيين للوفاء والإخلاص، واسمين لم يمرا مرور الكرام فى تاريخ النادي، بل حفرا فى الذاكرة بمداد من الاحترام والالتزام والعطاء والأخلاق قبل المهارة والإنجاز. فى لحظة تختلط فيها الدموع بالفخر يسدل الستار على مشوار اثنين من أنقى اللاعبين وأوفاهم فى تاريخ النادى الأهلى.. معلول والسولية اسمان ارتبطا بقلوب الجماهير قبل أن يكتبا فى سجلات البطولات. على معلول، النجم التونسى، لم يكن فقط مجرد ظهير أيسر مذهلا، بل كان نموذجا للأخلاق داخل وخارج الملعب، لم يعرف جمهور الأهلى عنه سوى التواضع، والروح القتالية، والابتسامة التى لا تفارقه حتى فى أقسى الظروف، لطالما مثّل معلول الانضباط والالتزام، فلم نسمع عنه يوما تجاوزا فى حق ناد، أو زميل، أو منافس، اختار أن يرحل فى صمت، حتى لا يسبب حرجا لأحد ليؤكد مرة أخرى أن القيم أهم من العقود. أما عمرو السولية فقد كان قلب الفريق النابض، وقائدا بالفعل لا بالشارة.. صمته كان أكثر تعبيرا من ألف تصريح، لم يسع يوما لصدام أو أفتعال أزمة، ولم تلوث صورته أى شائبة.. مثل الأهلى فى الداخل والخارج بشرف، وكان من أكثر اللاعبين احتراما للخصوم، ولجماهير المنافسين. لم تكن رحلتهما فقط مليئة بالبطولات، بل كانت مشبعة بالقيم، واليوم ونحن نودع هذين النموذجين، ندرك أننا لا نودع مجرد لاعبين، بل نودع حالة إنسانية وأخلاقية نادرة.. نودع روحا سكنت فى قلوبنا، وعطاء لا ينسى.. شكرا لكما على كل لحظة فرح، على كل دمعة فخر، وعلى كل بطولة رسمت البسمة فى وجوه الجماهير. معلول والسولية، شكرا لأنكما علمتما الأجيال أن الاخلاق لا تستبدل وأن الوفاء لا يشترى.. ستظلان جزءا من تاريخ الأهلى، وستبقيان فى القلوب، قدوة قبل أن تكونا ذكرى، ستبقيان خالدين فى وجدان كل أهلاوى. وأخيرا قد يكون بعدكم وأنتما فى قمة المجد والعطاء أفضل كثيرا لكما.