واشنطن تبلغ دول اتفاق السلام في غزة بانتهاك وقف إطلاق النار من «حماس»    زيلينسكي: ترامب لم يعطني ردًا حاسمًا لصواريخ توماهوك    وائل جسار يطرب جمهوره بأغنية "غريبة الناس" في مهرجان الموسيقى العربية    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    موعد مباراة منتخب المغرب ضد الأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب والقنوات الناقلة    «بين الأهلي والزمالك».. خالد الغندور يثير الجدل بسؤال: «بيراميدز خد مكان مين؟»    مصرع شخص إثر انقلاب سيارته بالإسماعيلية    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة    يسرا وإلهام شاهين يشاركان نانسى عجرم الغناء على هامش مهرجان الجونة    توابع زيادة البنزين، ارتفاع جديد في أسعار الجبن الأبيض والرومي والشيدر بالأسواق    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    نتنياهو يعلن نيته الترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    ستيفن صهيوني يكتب: مساعٍ جدية لبدء عصر جديد في العلاقات بين دمشق وموسكو بعد زيارة الشرع لروسيا.. فهل تنجح هذه المساعي؟    تحالف مصرفى يمول مشروع «Park St. Edition» باستثمارات 16 مليار جنيه    غضب ومشادات بسبب رفع «الأجرة» أعلى من النسب المقررة    تراجع عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الأحد بالصاغة بعد الانخفاض الكبير عالميًا    "عام الفضة " دلالة على انهيار المنظومة الاقتصادية ..تدهور الجنيه يدفع المصريين إلى "الملاذ الفضي"    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    اتحاد الكرة يهنئ نادي بيراميدز بعد التتويج بكأس السوبر الإفريقي    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    ذات يوم مع زويل    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    رابط المكتبة الإلكترونية لوزارة التعليم 2025-2026.. فيديوهات وتقييمات وكتب دراسية في مكان واحد    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    تفاصيل إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بالفيوم    بحوزتهما هيروين وسلاح.. ضبط عاطل وفتاة يروجان المخدرات ببنها    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    «الشيوخ» يبدأ فصلًا تشريعيًا جديدًا.. وعصام الدين فريد رئيسًا للمجلس بالتزكية    ارتفاع يصل إلى 37 جنيهًا في الضاني والبتلو، أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    انجذاب لشخص في محيط عملك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أكتوبر    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    منة شلبي: أنا هاوية بأجر محترف وورثت التسامح عن أمي    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    بشأن الإسورة الأثرية.. «السياحة والآثار» تنفي ما تم تداوله بشأن التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    اليوم، ختام زيارة قاعة الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    سيتغاضى عنها الشركاء الغربيون.. مراقبون: تمثيل كيان العدو بجثامين الأسرى والشهداء جريمة حرب    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    فوائد شرب القرفة باللبن في المساء    ليبيا.. البرلمان يعلن انتهاء الاقتراع فى انتخابات المجالس البلدية دون خروقات    أخبار 24 ساعة.. زيادة مخصصات تكافل وكرامة بنسبة 22.7% لتصل إلى 54 مليار جنيه    إبراهيم العامرى: والدى كان يعشق تراب الأهلى.. وأنا مشجع درجة ثالثة للأحمر    أتلتيكو مدريد يتخطى أوساسونا في الدوري الإسباني    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    الوطنية للانتخابات: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة الكثافات الانتخابية    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكاء الاصطناعي.. ومستقبل ما بعد الإنسان
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 07 - 2023

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا ترجمته الكاتبة رفيف رضا صيداوى، يتحدث المقال عن تأثير ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعى على المجتمعات الإنسانية؛ كيف أنها لن تشكل خطرا على الدول المتخلفة عن مواكبة هذه التكنولوجيا فحسب، لكن أيضا ستشكل خطرا على الدول التى تطورها. أكد المقال أيضا أن طبيعة البشر تستدعى أن يتواجدوا فى بيئة لا يمكن اختراقها، فإذا حدث ذلك من خلال التكنولوجيا ستصبح الحياة خارجة عن السيطرة... نعرض من المقال ما يلى:
ننقل مقالة للفيلسوف السلوفينى «سلافوى جيجيك»، نُشرت فى صحيفة بروجيكت سنديكيت Project Syndicate التشيكيّة فى السّابع من أبريل 2023، ونَقلتها دوريّة «كورييه إنترناسيونال» إلى الفرنسيّة، وقدَّمت لها بالآتى: «بالنسبة إلى الفيلسوف الماركسى السلوفينى «سلافوى جيجيك»، فإنّه من شأن الغطرسة البشريّة المُتمركزة حول الإنسان والمولودة مع قدوم التكنولوجيا، أن تفسح المجال لعدم جدوى الإنسان ولا معناه».
• • •
الرسالة المفتوحة المنشورة فى 29 مارس الفائت من طرفِ «معهد مستقبل الحياة»، الدّاعية، من باب الاحتياط والأمان، إلى تعليق الأبحاث حول الذكاء الاصطناعى لمدّة ستّة أشهر، جرى التوقيع عليها من آلافٍ عدّة من الشخصيّات البارزة، من بينها إيلون ماسك. الموقّعون الذين تجاوز عددُهم 27500 موقِّعٍ حتّى آخر شهر إبريل الفائت، عبّروا كلّهم عن قلقهم من رؤية المُختبرات المُختصّة «محبوسة فى سباقٍ خارجٍ عن السيطرة» من أجل صوْغِ وتنظيمِ ونشْرِ أنظمة أكثر قوّة، لا يُمكن لأحدٍ أن يفهمها، أو يتوقّعها أو يتحكّم بها، حتّى مخترعوها أنفسهم.
لماذا كلّ هذا الذّعر لدى هذه الشريحة من النُّخبة؟ بالتأكيد، ثمّة ضوابط وأنظمة يجب وضعها فى مكانها الصحيح، لكن من قِبَلِ مَن، خلال استراحة الأشهر الستّة هذه، والتى من المُفترض أن تَسمح للبشريّة بتقييم المخاطر، وتبيان مَن يمثِّل مصلحة البشريّة من عدمها هنا؟، وبما أنّ مختبرات البحث حول الذكاء الاصطناعى فى الصين، والهند، وروسيا، تُواصِل العمل (بالسرّ طبعا) ، فإنّه لَمِن غير المعقول أن نأمل بقيام مُناقشةٍ عامّة عالَميّة حول هذا الموضوع.
مع ذلك، فإن ما تقدم يشكل تحديات تستحق أن تؤخذ بعَين الاعتبار. يرى المؤرّخ يوفال نوح هرارى وهو أيضا من موقعى الرسالة المفتوحة أنّ النتيجة الأكثر ترجيحا واحتمالا لظهور الذكاء الاصطناعى ستكون الانقسام الجذرىّ للمجتمعات الإنسانيّة بشكل يفوق بأهميّته ذاك الذى أحدثته الطبقات الاجتماعيّة. بسرعة، ستوحّد التقنيّات الحيويّة والمعلومات الحسابيّة قواها لإنتاج «أجساد، وأمخاخ أو عقول»، بحيث إن فجوة ستحدث وتتسع «بين الذين يعرفون كيف يصمّمون الأجساد والعقول، وبين الآخرين الذين لا يعرفون ذلك». فى عالَم كهذا، «سيكتسب الذين سيركبون قطار التقدّم قدرات خارقة على الخلق والتدمير، وسيكون الانقراض مصير الذين يتخلّفون عن الركب». هذا الذُّعر الذى نتلمسه فى العريضة حول الذكاء الاصطناعى، هو الخوف من رؤية حتى الذين ركبوا «قطار التقدّم» غير قادرين على تحديد مَسارِه. الإقطاعيون، فى حصنهم الرقمى، مرعوبون ومذعورون. على الرّغم من ذلك، فإنّ ما يدعون إليه ليس نقاشا عامّا، بل يريدون اتّفاقا بين دول التكنولوجيا ومجتمعاتها كى لا تتبدّل مراكز القوى.
يمثِل الصعود اللافت لجبروت الذكاء الاصطناعى، فى حقيقة الأمر، تهديدا خطرا لأولئك الذين يمتلكون القوة أيضا، بمَن فيهم أولئك الذين يصمّمونه ويمتلكونه ويسيطرون عليه ويشكلون جزءا لا يتجزّأ منهم. وهذا الواقع لا يُعلن أقل من نهاية الرأسماليّة كما نعرفها، لأن نظاما قائما على الذكاء الاصطناعى، ويُعيد إنتاج نفسه، ستكون حاجته إلى فاعلين بشريين أقل فأقل. التجارة الحسابية، أو التجارة المؤتمتة، ليستا إلا خطوة أولى فى هذا المعنى. من الحين هذا فصاعدا، لن يكون أمامنا خيار إلّا بين شيوعيّة من نَوع جديد أو الفوضى المُطلقة.
بفضلِ روبوتات دردشة جديدة، ستتمكّن جحافل من البشر الذين يشعرون بالوحدة (أو لا يشعرون بها) من قضاء أمسيات طويلة وهم يناقشون السينما أو الأدب أو الطبخ أو السياسة بشكل عشوائى. باختصار، الذكاء الاصطناعى بالنسبة إلينا، هو مثل ما تمثّله القهوة المنزوعة الكافّيين بالنسبة إلى القهوة الحقيقية: جارٌ لطيف ليس لديه ماض إجرامىّ أو سرّ ليخفيه، وآخر يتناسب مع قالب احتياجاتنا الخاصّة.
• • •
بالنسبة إلى راى كورزويل، عالِم المستقبليات الأمريكى، فإن التقدم التكنولوجى، ولكونه بطبيعته سريعا، سيَجعلنا نُواجِه قريبا آلات «روحية» تُظهر، ليس جميع سمات الوعى الذاتى فقط، بل من شأنها أن تتفوق، قبل كل شىء، على الذكاء البشرى. هذه المرحلة «ما بعد الإنسانية» لا يُفترض، على الرغم من ذلك، أن يتمّ الخلط بينها وبين هذا الانشغال الحديث للغاية الذى هو البحث عن الهَيْمنة التكنولوجية المُطلقة على الطبيعة. ذلك أنّ ما نشهده الآن هو انعكاسٌ دياليكتيكى لهذه العمليّة.
العلوم «ما بعد الإنسانيّة» الرّاهنة لم تعُد بحثا عن الهيمنة. هى محكومة بعنصر المُفاجأة: ما هى الخصائص الطارئة وغير المتوقَّعة التى ستتمكن نماذج الذكاء الاصطناعى الحالية من الحصول عليها؟ لا أحد يُمكنه الإجابة، وهنا تكمن كل الإثارة (أو التفاهة) الخاصة بالأعمال التجارية.
فى سياق التطوّرات الأخيرة للروبوتات وعِلم الوراثة وتكنولوجيا النانو، والحياة الاصطناعيّة والذكاء الاصطناعى، استشفَّ الفيلسوفُ والمهندسُ الفرنسىّ جان بيار دوبوى، انعكاسا غريبا للغطرسة البشرية تُعزِّزها التكنولوجيا: «كيف نُفسّر أن العلوم التقنية أصبحت نشاطا محفوفا بالمخاطر، إلى حد أنها، وفقا لبعض العُلماء البارزين، أصبحت تشكّل اليوم التهديد الرئيس لبقاء البشريّة؟ يُجيب الفلاسفة عن هذا السؤال بالقول إنّ حُلم ديكارت أن نغدو أسياد الطبيعة ومالِكيها لم يُصِب ولم يتحقَّق بحسب المُرتجى. سيكون من الملحّ العودة إلى «ضبط السيطرة». فهُم لا يرون أن العلوم التقنيّة التى تلوح فى الأُفق، من خلال التقاء جميع التخصّصات وتقاربها، تهدف تحديدا إلى عدم السيطرة».
• • •
البشرية تصوغ إلَهَها الخاص أو شيطانها الخاص. والنتيجة تبقى غير قابلة للتنبّؤ بها، لكنّ هناك شيئا مؤكدا. إذا ظهرت حقيقة جماعية ذات يوم يمكننا اعتبارها «ما بعد إنسانية»، فإن طريقتنا فى رؤية العالَم سوف تفقد دعاماتها الوجوديّة الثلاث: الإنسانية، الطبيعة، السمو. هويتنا ككائنات بشرية لا يمكنها أن توجد إلا وفق طبيعة لا يمكن اختراقها. لكن فى حال أصبحت الحياة نفسها شيئا قابلا للتلاعب به بشكل كامل من خلال التكنولوجيا، فلن يكون لديها أى شىء «طبيعى» بعد الآن.
من الواضح أنّ الشىء نفسه ينطبق على التسامى أو التعالى. التجربة الإنسانية مع الله تكتسى معناها من زاوية محدودية الإنسان وموته المؤكّد. بمجرد أن نصبح «الإنسان الإله» ونخلق خصائصَ كنا، انطلاقا من وجهة نظرنا القديمة كبشر، قد وصفناها بالخارقة للطبيعة، فإن الآلهة كما نعرفهم سيختفون. يبقى أن نعرف ماذا سيبقى إذا بقى شىء ما. هل سنعبد أنظمة الذكاء الاصطناعى التى نكون قد خلقناها؟
ثمّة ما يدعو للخوف من ألّا تكون الرؤى التكنولوجيّة لعالم ما بعد الإنسان سوى أوهام مؤدْلِجة تخفى وتستر الهاوية التى تتربّص بنا. يكفى القول إنّه وللتأكد حقّا من أن الإنسان، وفى مستقبل غير بعيد، لن يصبح غير ضرورى أو زائدا عن الحاجة، وأن وجوده لن يكون عقيما، لن تكون الأشهر الستّة كافية.
النص الأصلى:
http://bitly.ws/KIAi


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.