هل تخيلت يوما أن ترى صور "سيلفي" لرموز تاريخية وفنية رحلت منذ عقود أو حتى قرون؟, كيف سيكون شكل صورة تجمع ألبرت أينشتاين، مارلين مونرو، أو غاندي في لقطة عفوية؟. ما كان يوما مستحيلا أصبح اليوم واقعا بفضل تطورات الذكاء الاصطناعي, فطالما كانت الشخصيات التاريخية والفنية جزءا من خيالنا الجماعي، حيث نتصورها من خلال اللوحات الزيتية أو الصور الفوتوغرافية النادرة, ولكن ماذا لو أتيحت لنا فرصة رؤيتهم في صور "سيلفي" كما لو كانوا يعيشون بيننا اليوم؟ بفضل التقدم المذهل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح ذلك ممكنا. استطاع الذكاء الاصطناعي عبر تقنياته المبتكرة أن يعود بالزمن، ليصور لنا كيف كان يمكن لشخصيات من عصور مختلفة التقاط صور سيلفي لأنفسهم, هذه الصور، التي يصعب التمييز بينها وبين الصور الحقيقية، تم إنشاؤها بواسطة تطبيق "Midjourney"، وهو أحد البرامج المتخصصة في إنتاج الصور باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر إدخال أوصاف نصية محددة. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "The Sun" البريطانية، فإن التطبيق أطلق مجموعة من الصور التي تحاكي كيف كان سيبدو "السيلفي" في حقب زمنية وثقافات مختلفة، من محاربي "الفايكنج" القدماء إلى المحاربين المصريين، ومن الهنود الحمر إلى جنود الإمبراطورية البريطانية في عام 1878, المفاجأة كانت في مدى واقعية هذه الصور، حيث بدت قريبة جدا من شكل البشر في القرن الحادي والعشرين، مما أثار فضول الجمهور حول إمكانية الاطلاع على ملامح شخصيات تاريخية وفنية عبر منظور حديث. ◄ اقرأ أيضًا | كيف تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي الشركات الناشئة في التوظيف والتخطيط وقد لاقت هذه الصور انتشارا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث جذبت آلاف الإعجابات والتعليقات التي أبدت دهشة من قدرة الذكاء الاصطناعي على تقريب التاريخ وإضفاء لمسة عفوية على شخصيات لم يكن من الممكن تصورها بهذه الطريقة. الفكرة جذبت عدد من الفنانين الرقميين لخوض التجربة, منهم الفنان الرقمي الأمريكي الفلبيني الأصل، جي إم كيلجور, الذي دفعه الفضول لمعرفة كيف كان سيتفاعل القدماء مع التكنولوجيا الحديثة لإطلاق مشروعه الفني "Time Period Selfies"، حيث استخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتخيل شخصيات تاريخية وهي تلتقط صور "سيلفي"، مقدما منظورا جديدا لهؤلاء الشخصيات, فبدلا من الصور الجادة المتعارف عليها، أظهرت أعماله جنودا ومحاربين من ثقافات متعددة وهم يبتسمون بعدسات هواتفهم الافتراضية, ومن خلال الذكاء الاصطناعي، واستطاع أن يعيد تصوير شخصيات مثل المحاربين الساموراي، رجال الكهوف، وحتى القادة العسكريين في لقطات أقرب إلى واقعنا الحالي. ■ الاسكندر الأكبر من جهته، فاجأ مصمم الجرافيك، جيو جون مولور، متابعيه بمشروع مماثل، حيث أعاد تخيل شخصيات شهيرة مثل مارتن لوثر كينج، بوب مارلي، إبراهام لينكولن، نيلسون مانديلا وويليام شكسبير، وهم يلتقطون صور "سيلفي", ونشر أعماله عبر "إنستجرام"، مصحوبة بتعليق ساخر يقول فيه: "عند استرجاع قرصي الصلب القديم، اكتشفت كنزا دفينا من صور السيلفي التي أرسلها لي أصدقاء من الماضي". ■ اينشتاين وأشار مولور إلى أن الذكاء الاصطناعي غير الطريقة التي يتعامل بها مع مشاريعه الفنية، حيث قلل الوقت والجهد اللازمين لتحقيق رؤيته الإبداعية، مما سمح له بالتركيز أكثر على الجوانب الإبداعية. ■ براهام ليكولن ومن الشخصيات التي ابتكرها مولور بالذكاء الاصطناعي، وهم يلتقطون "السيلفي"، روبين هود، نيل آرمسترونج، يوليوس قيصر، أينشتاين، مارلين مونرو، مهاتما غاندي، جنكيز خان، الإسكندر الأكبر، تشارلى شابلن ونابليون. ■ بوب مارلي يؤكد الفنانون الذين تبنوا هذا الاتجاه أن التاريخ غالبا ما يعرض بشكل جاف وبعيد عن الواقع، لكن عبر صور "السيلفي" المصطنعة، يمكن للأجيال الحالية أن تشعر بإرتباط أقوى مع الشخصيات التي لم تعرفها إلا من خلال الكتب, لتصبح هذه الصور وسيلة جديدة لفهم الماضي عبر عدسة المستقبل. ■ شارلي شابلن وبينما يستمر الذكاء الاصطناعي في دفع حدود الممكن، يظل السؤال الأهم, "كيف يحدث ذلك؟"، و"ما الأدوات التي تجعل هذا الأمر ممكنا؟". تعتمد التقنيات المستخدمة في صنع صور "السيلفي" للشخصيات الراحلة على عدة تقنيات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي منها, الشبكات العصبية التوليدية "Generative Adversarial Networks - GANs"، وتعد تقنية "GANs" واحدة من أهم الأدوات المستخدمة لإنشاء صور واقعية، حيث تتكون من نموذجين متنافسين, الأول المولد "Generator" الذي يعمل على إنشاء صورة مزيفة بناء على بيانات تم تغذيتها مسبقا. ■ جنكيز خان أما الآخر، فهو المميز "Discriminator"، الذي يحاول التفرقة بين الصور الحقيقية والمزيفة، مما يدفع المولد إلى تحسين جودة الصورة. هذه التقنية تستخدم لإنشاء وجوه جديدة أو تحسين جودة صور تاريخية غير واضحة. ■ غاندي أيضا هناك تقنية إعادة بناء الوجه ثلاثي الأبعاد "3D Face Reconstruction", حيث تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الشخصيات التاريخية، وإعادة بناء وجوههم بشكل ثلاثي الأبعاد, هذه التقنية تتيح ضبط زوايا الوجه وإضافة تعبيرات مختلفة، مما يجعل الصورة تبدو أكثر واقعية. ■ مارلين مونرو ثم تأتي مرحلة تحسين الصور القديمة, فالعديد من الصور التاريخية تكون منخفضة الجودة أو مشوشة، لذا يتم استخدام تقنيات تعتمد على التعلم العميق، مثل"ESRGAN (Enhanced Super-Resolution GAN")، لتحسين الدقة وإعادة ترميم التفاصيل المفقودة, ثم تلوين الصور, حيث تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي مثل "DeOldify"، لإضافة الألوان إلى الصور بالأبيض والأسود بناء على تحليل الألوان المحتملة وفقا لسياق الصورة التاريخية. ■ ويليام شكسبير أما تقنية تحليل الوضعيات وإعادة التشكيل, فتساهم في جعل الشخصية التاريخية تبدو كأنها تلتقط صورة "سيلفي"، ويتم استخدام خوارزميات تحليل الوضعيات مثل "OpenPose"، والتي تعمل على ضبط حركة الرأس واليدين لجعلها تتناسب مع وضعية التصوير الذاتي. بمجرد إنشاء الصورة الأساسية، يتم استخدام أدوات متقدمة في التحرير مثل "Photoshop AI Tools" أو "Runway ML" لإضافة تأثيرات مثل الإضاءة الحديثة، انعكاسات الكاميرا، والتعديلات الأخرى التي تجعل الصورة تبدو وكأنها أُخذت بهاتف ذكي في الزمن الحاضر. مما لا شك فيه أن إعادة إحياء الشخصيات التاريخية بصور "سيلفي" حديثة لا يقتصر فقط على الترفيه، بل يمكن أن يكون له فوائد تعليمية وثقافية, فهذه الصور تجعل الشخصيات التاريخية أقرب إلى الأجيال الجديدة، مما يسهم في تعزيز الاهتمام بالتاريخ بطريقة تفاعلية. كما أن هذه التقنية يمكن أن تستخدم في مجالات أخرى مثل الأفلام الوثائقية، المتاحف الرقمية، وحتى في البحث العلمي، حيث تتيح للخبراء تحليل ملامح الشخصيات القديمة بشكل أكثر دقة, فهي تمثل مزيجا رائعا بين الماضي والمستقبل، ومثال على قدرة الذكاء الاصطناعي لإعادة تشكيل علاقتنا بالتاريخ, ومع إستمرار التطور في هذا المجال، سنشهد مزيدا من الإبداعات التي تجعل الشخصيات القديمة أقرب إلينا من أي وقت مضى.