كما قدم ثروت عكاشة وزير الثقافة المصرى الأسبق، كتابًا مهمًا بعنوان «مصر فى عيون الغرباء من الرحالة والفنانين والأدباء»، عام 1984 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يتناول فى مجلدين رؤى المستشرقين الأوروبيين لمصر فى القرن التاسع عشر، وهو عمل ثرى يتناول كيف صوّر المستشرقون والرحالة والفنانون الأوروبيون مصر خلال القرن التاسع عشر.. اقرأ أيضًا| مع بداية العام الدراسي الجديد.. نصائح يجب اتباعها لحماية طفلك تقدم د. يسرا محمد سلامة كتابها «مصر بعيون المصورين الأجانب دراسة مصورة للقرن التاسع عشر»، وتتجول بين صفحاته كما لو كنا نحلق فوق الزمن، ويرصد هذا العمل الفني، والتوثيقى كيف رآها الآخرون: تلك الأرض التى تتنفس التاريخ، وترقص فوق أنغام النيل وتختبئ فيها الحكايات خلف مآذن القاهرة وقلعة الأقصر، كل صورة فى هذا الكتاب تشبه وقفة تأمل، كأن المصور الأجنبى حين ضغط زر الكاميرا، لم يكن يوثق فقط مشهداً، بل كان يكتب لحظة حب، أو صدمة جمال، أو دهشة فلسفية أمام وطنٍ يملأ عينيه بالتاريخ، ويفتح له أبواباً من المعنى، فقد اختار المصورون الأجانب أن يعرضوا مصر ليس كوجهة سياحية، بل كروح حية، فنشاهد كيف التقطت عدسات المصورين الأجانب لحظات نادرة تنطق بالألفة والدهشة، من الأسواق الشعبية المكتظة بالحياة إلى الصحارى التى تبوح بالسكينة، الكتاب ليس فقط أرشيفاً بصرياً، بل هو شهادة حب خالدة لمصر، من عيون من لم يولدوا فيها، لكنهم وجدوا فيها وطناً من نوع آخر. اقرأ أيضًا| اليوم.. افتتاح معرض السويس الثالث للكتاب المصورون الفرنسيون أتوا من باريس للقاهرة لتصوير آثارها العظيمة «عيوشة» أول مصرية توافق على تصويرها فى بيتها قال محمد على باشا عندما رآها «إنها من عمل الشيطان» الصور تحمل تاريخ مصر الاجتماعى والسياسى والثقافى فى القرن 19 استطاعت «د. يسرا» أن تقدم لنا كتابا أشبه برحلة سياحية وثقافية وتوثيقية فى التاريخ المصرى من خلال الصورة، وقد أكدت لى د. يسرا أنها استفادت من المصادر الأصلية التى رجعت إليها، ولم تكتفِ بتتبع دراسة تطور الصور خلال القرن التاسع عشر الميلادي، فقد أكملت وأنهت دراستها بمجموعة كبيرة من الملاحق المفيدة للدراسة والقارئ، ومنها الملحق الخاص بفوتوغرافيا فلسطين. جولة معلوماتية فى فاتحة الكتاب يأخذنا د.أشرف مؤنس، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، فى جولة معلوماتية شائقة قدم لنا فيها نبذة عن أهمية التصوير الفوتوغرافى وبداياته وأنواعه، بداية من 1828، عندما قرر العالمان الفرنسيان لوى داجير، وجوزيف نيسبور نيبس، التعاون فيما بينهما من أجل تحسين وتطوير تجارب التصوير والعمل على إجراء تجارب تساعد فى تطوير عملية التصوير، بعدها فى عام 1833م توفى نيبيس بسكتة دماغية، وبعد عدة سنوات من البحث والتجربة استطاع داجير تطوير طريقة أكثر فاعلية للتصوير الفوتوغرافى وسميت باسمه «العملية الداجيرية» فى التصوير، وبحلول عام 1850م أصبحت طريقة لوى داجير فى التصوير هى الأكثر انتشارًا وشعبية فى أوروبا. يحوى الكتاب«268» صورة فوتوغرافية منه أثرية من تاريخ مصر القديمة، ومصر الرومانية والإسلامية والحديثة، بالإضافة إلى صور بعض المنازل فى صعيد مصر والوجه البحري، والمساجد والأضرحة، والكبارى والشوارع والأسواق، وصور للرجال والنساء، وصور للريف المصرى، والحرف المصرية، وللمدافع والأسلحة، كما يحتوى الكتاب على صور نادرة لأشهر الشخصيات، مثل: محمد على باشا، إبراهيم باشا، عباس باشا، محمد سعيد باشا، إسماعيل باشا، محمد توفيق باشا، وأيضاً صور متميزة لحفر قناة السويس وافتتاحها، وصور لضرب مدينة الإسكندرية وقت الاحتلال البريطانى، وأيضاً صور للقصور ودار القنصليات الأجنبية فى مصر وصور للمدن والآثار الإسلامية، وهناك صور لفلسطين تحفظ وتؤكد عروبتها. ويؤكد د. أشرف مؤنس؛ فى نهاية تقديمه: «أن هذه الدراسة تميزت بوعى كاتبتها فإنها تدرس موضوعًا أكاديميًا مهمًا جديدًا، ونجحت فى توظيف الصورة التى توصلت إليها، وأتت بمعلومات موثقة على جانب كبير من الأهمية مستفيدة من الكم الكبير من المصادر التى رجعت إليها، وساعدها على ذلك استيعابها للموضوع وثقافتها الواسعة التى جعلتها تتم دراستها، وتقدم عملاً علميًا أصيلًا ورصينًا». عمل شيطانى فى هذا الكتاب الذى يحتوى على سبعة فصول، الأول منها تحت عنوان «مصر بعيون أوائل المصورين الفرنسيين فى الفترة من 1839 إلى عام 1840م»، وقدمت فيه المؤلفة ثلاثة مصورين فرنسيين وهم: هوراس فيرنيه، وفردريك جوبيل فيسكيه، وبيير جوستاف جولى دى لوبينيير، وهؤلاء الثلاثة يمثلون جيل الرواد الذين سافروا من باريس للقاهرة لتصوير آثارها العظيمة وإرسالها إلى باريس، وترجع أهمية صور هؤلاء أنها ربطت بين الصورة وبكل ما كان يكتب عن مصر، ومن الصور المهمة فى هذا الجزء صورة حرملك محمد على باشا 7 نوفمبر 1839م، وقال عنها محمد على باشا عندما رآها «إنها من عمل الشيطان»، وهى أول صورة يتم التقاطها فى إفريقيا بواسطة فريدريك جوبيل فيسكيه، وقد استغرق تصويرها دقيقتين ونصف الدقيقة بين الساعة العاشرة والحادية عشرة صباحًا. بعيون فرنسية وتحت عنوان «مصر بعيون أوائل المصورين الفرنسيين فى الفترة من 1842 إلى 1846م» يعرف الكاتب بأشهر من قاموا بالتصوير خلال هذه الفترة المصورين الفرنسيين وهم جوزيف فيليبترت جيرولت دى برانجى، وألفونس يوجين چول إيتييه، مع مجموعة بارزة من الصور، مثل: صورة «عيوشة»؛ أول امرأة وافقت على تصويرها فى بيتها؛ لعدم وجود استوديوهات فى تلك الفترة للتصوير، بواسطة چوزيف فيلبير چيرول، وبتقنية تصوير بمقاييس هذا الوقت تكاد تكون مذهلة؛ على اعتبار أنّ الآلة الداجيرية كانت فى مراحلها الأولى من التصوير الفوتوغرافي، ولم يدخل عليها الكثير من التحسين، القاهرة، 1843م، ويتضمن أيضاً الصورة الفوتوغرافية الوحيدة ل محمد على باشا «1769 – 1849م»، من تصوير المصور الفرنسى جول ديبلانك، وقد قام بتصويرها له فى نابولى بإيطاليا، عندما كان يزور ابنه إبراهيم فى رحلته العلاجية عام 1848م، وتبدو الصورة كأنها لوحة؛ لأنّ باشا مصر طلب من ديبلانك التدخل بالفحم على ملامحه حتى يزيل آثار الوهن والمرض التى كانت تبدو عليه. وبعنوان «مصر بعيون المصورين الفرنسيين فى الفترة من 1849 إلى 1850م»، فى الفصل الثالث، تستعرض المؤلفة مجموعة من الصورة التى التقطها واحد من أشهر المصورين الفرنسيين فى هذه الفترة «مكسيم دو كام»، وهو أول من استخدم موديل تصوير فى الآثار الإسلامية؛ من أبرز هذه الصور: أولى الصور لمنطقة الموسكى، منظر عام، القاهرة 1849م، وأولى الصور لمدينة بنى سويف، أواخر 1849م، ويظهر فيها مسجد العجمى، وهو واحد من المساجد الأثرية فى المدينة، والذى لم يعد له وجود الآن، وصورة لمسجد الحاكم بأمر الله، القاهرة 1849م، وصورة مئذنة بلال بأسوان 1850م، بالإضافة إلى الصورة الفوتوغرافية الوحيدة والنادرة جدًا ل الوالى عباس باشا حلمى الأول «1848 – 1854م»، والتى يظهر فيها بشكل مغاير تمامًا عن لوحاته سواء أكان واقفًا أو على صهوة جواده، فعلى ما يبدو أنه قد أمر من يقوم برسمه بإعطائه شكلا أكثر جاذبية عن شكله الحقيقى؛ وهذا ليس بغريب عليه فقد كانت أغلب تصرفاته يغلب عليها طابع الجنون أو أمور غير منطقية، وقد أكدت لى المؤلفة د. يسرا محمد سلامة، فى مكالمة تليفونية معها أن كل توصيفها لصورة عباس باشا نابع من قناعاتها بعد البحث والتدقيق فى أصل الصورة ومن يكون المصور الذى التقطها، وأنها مسئولة عن هذا التوصيف، لأنه للأسف – حسبما قالت – لم تتوافر أية معلومة موثقة. أهم المصورين وتحت عنوان « مصر بعيون المصورين الأجانب - مصطفى أغا عيّاد 1851 – 1887م» الوكيل القنصلى فى الأقصر ومنزله القابع داخل الآثار «صور فوتوغرافية»، يتحدث عن عدد من أهم المصورين فى هذه الفترة: جيمس دوجلاس، وأنطونيو بياتو، وفرنسيس فريث، وفيليكس بونفيل، ويوثق بالصور قصة حياة مصطفى أغا، فى مدينة الأقصر، الذى قال لأحد الرحالة الذين تواجدوا بالأقصر فى هذه الفترة التاريخية إنه ينتسب إلى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. كما يعرض «مصر فى القرن التاسع عشر بعيون فرنسية فى الفترة من 1870 إلى 1885م» أشهر مصورى هذه الفترة إيميل بيشار، وإيبوليت ديلييه، يستعرض هذا الفصل مجموعة من الصور الفوتوغرافية المميزة الخاصة بالأماكن الأثرية، والأشخاص فى مصر، ومنها على سبيل المثال؛ صورة لمسجد عمرو بن العاص من الداخل فى سبعينيات القرن التاسع عشر، وصورة لشارع ابن طولون ويظهر فيها السقا وهو ينتظر عند أحد البيوت حتى يتم الفتح له وإمداد المنزل بالماء، 1880م، وغيرها العديد والعديد من الصور الشيقة. الحوادث الفارقة وبعنوان «فوتوغرافيا الحوادث الفارقة فى القرن التاسع عشر بعيون المصورين الأجانب»، يقدم عدد كبير من الصور المتميزة التى ترصد وتوثق أحداثا مهمة فى التاريخ المصرى، منها: حفر قناة السويس 1859 إلى 1869م، ثم افتتاحها فى 17 نوفمبر عام 1869م، ثم حادث قصف الإسكندرية فى عام 1882 وبداية الاحتلال الإنجليزى لمصر فى 11 يوليو عام 1882م، وكان من أشهر المصورين فى هذه الفترة فرانك ماسون جود، الإخوة زنجاكى، لوى كوفييه، ايرميه ديزيريه، جاستن كولوفيسكي، إيبوليت ارنو، لويجى فيوريلو، ويستعرض الفصل مجموعة نادرة ومميزة لصور حفر وافتتاح قناة السويس، بالإضافة إلى صور نادرة، للوالى محمد سعيد باشا، والخديو إسماعيل، ثم مجموعة أخرى من صور قصف مدينة الإسكندرية بمدافع الأسطول الإنجليزى فى يوليو 1882، ورصد كامل للدمار الذى لحق بالمدينة، ونختار من هذه الصور البارزة واحدة من أجمل صور حفل افتتاح قناة السويس، وتوضح عن قرب الأعداد الغفيرة من ضيوف حفل الافتتاح ووصولهم إلى بورسعيد لبدء الاحتفالات، وصورة أخرى ترصد أطلال قلعة قايتباى بعد القصف الإنجليزى للإسكندرية. صور الحرفيين ويختم الكتاب بعنوان: «مصر بعيون المصورين الأجانب فوتوغرافيا الحرف والمهن والحياة الاجتماعية فى مصر فى القرن التاسع عشر الميلادى»، فيقدم لنا مجموعة من الصور التى ترصد مختلف مناحى الحياة فى مصر، ومن هذه الصور: صورة لبائعة الخبز 1865م، وصورة للسوق فى الجيزة 1889م، كما ينشر واحدة من أشهر صور القرن التاسع عشر ل «وجه معلم عربى»؛ حسب الوصف المكتوب على الصورة، وعن هذه الصورة تحكى المؤلفة؛ مؤلفة الكتاب قصة طريفة دارت حولها، تقول د. يسرا: «منذ 5 سنوات كانت هذه الصورة منتشرة انتشارا رهيبا على مواقع الصور القديمة الأجنبية، ولم يكن أحد يعرف صاحبها، فوضعتها على صفحة الفيس الخاصة بى، وفوجئت بالدكتور أشرف مؤنس، يسألنى عن كيفية حصولى عليها، وأنها صورة جده، وموجودة فى بيت العائلة فى المنصورة، وهنا عرفت أنها للحاج عبد الرحمن السيد جبر مؤنس «1854 – 1944م»، من كبار تُجار المانيفاتورة بالمنصورة، صوّرها له المصور اليونانى قنسطنطين زنجاكى عام 1910م قبل سفره لأداء فريضة الحج،» والحقت د.يسرا عدة ملاحق شديدة الحيوية والأهمية بنهاية الكتاب، الأول خاص بفوتوغرافيا فلسطين الفترة من 1839 إلى 1851م، وتستعرض فيه مجموعة بارزة من الصور منها: الناصرة 1839م، للمصور فريدريك جوبيل فيسكيه، وتؤكد أن الصورة يتم نشرها على الإنترنت على أنها ل عكا، ولكنها لبلدة الناصرة وقد نُشرت فى كتاب ليربور «الرحلات الداجيرية أبرز المناظر والمعالم الأثرية فى العالم»، أما الثانى، فيضم قائمة بأسماء المصورين الأجانب الذين تواجدوا فى مصر خلال القرن التاسع عشر الميلادى والذين يبلغ عددهم أكثر من 45 مصورا أجنبيا. فى النهاية، نستطيع أن نؤكد أن أقدم الصور الفوتوغرافية لمصر، هى تعبيرات بارعة لوسيلة ناشئة، تحدد لحظات سحرية بدأت معها الحضارة القديمة، وكان لها دور حيوى فى حفظ تاريخ مصر الاجتماعى، والسياسى، والثقافي، فى القرن التاسع عشر، وربطه بكل الأحداث التى توالت على مصر فى ذلك القرن.