أثق أن «روح أخبار اليوم» قادرة على مُجالدة عاديات الزمن وغاشيات الطوارئ الآنية؛ وأنها بالحب والصمود ستخرج منتصرة ومتطورة ومؤرّخة لعظمة هذا الوطن وبأس أبنائه المخلصين. محاولات جادة ومناقشات هادفة من الهيئة الوطنية للصحافة لتحديث وتطوير المحتوى الصحفى وإعادة الرونق الغارب إلى الصحف القومية، ومساعدتها فى النهوض من كبوتها أقوى مما كانت لتنافح عن قضايا الوطن وتُسهم بقوة فى إذكاء جذوة الوعى الجمعى المصرى والعربى بالقضايا القومية الكبرى؛ والحقيقة أن استماع الهيئة إلى كل الأجيال الصحفية لتشكيل خارطة طريق كان خطوة مهمة جدًّا فى أوقات شديدة الصعوبة على مصر والمنطقة العربية كلها؛ لكن الواقع يقول أيضًا إن هناك أسسًا لا بد من توفيرها لتحقيق كل طموحاتنا الكبرى للصحافة المصرية؛ منها: توفير التمويل اللازم ليعيش الصحفى حياة كريمة هو وأسرته تكفيه مئونة البحث عن أعمال أخرى مساندة لكفاية بيته؛ ثم التدريب اللازم والإجبارى على الأدوات التكنولوجية الحديثة التى ترتكن إليها الصحافة العالمية، فلا يُمكن أن تنفصل الصحافة الآن عن مُخرجات الذكاء الاصطناعى وأدواته المتطورة؛ وإنما الحاضر والمستقبل لمن يملكون مهارة استخدام هذه الأدوات فى العمل الصحفي؛ وبعدها يأتى توفير هذه التكنولوجيا فى المؤسسات القومية، وهو أمر ليس هينًا نظرًا لارتفاع أسعارها؛ وأخيرًا تطبيق لوائح نقابة الصحفيين حول حرية تبادل المعلومات وتيسير الحصول عليها، بعيدًا عن مُعلّبات البيانات الجاهزة؛ وهذا مع الاحتياط اللازم لكل ما يمسّ الأمن القومى المصري؛ فلا حُرية فى التخريب، أو الإثارة، أو إشاعة الفاحشة، أو البحث عن تريند؛ فلهذه الانفلاتات ضوابطها الكابحة من القانون. ■ ■ ■ شعرتُ بسعادة غامرة حين هاتفنى صديقى الكاتب المبدع: أحمد هاشم، «رئيس تحرير آخر ساعة»، لكتابة الصفحة الأخيرة فى أميرة المجلات؛ وعلاقتى بهذه المجلة العريقة ممتدة إلى سنوات قديمة سابقة؛ فرغم أننى نشأت فى «الأخبار» وهى الإصدار الأكبر واليومى للمؤسسة، فإن الكتابة لآخر ساعة كانت حُلمًا جميلًا أتاحه للشباب الأستاذ رفعت رشاد، وقت رئاسته لتحريرها، فكنتُ أكتبُ مقالًا أسبوعيًّا بإشراف الأستاذ زكريا أبو حرام؛ ثم مرَّت أوقات أخرى انشغلت فيها بالأخبار وبرسالتى للماجستير، حتى جاء صديقى المثقف الكبير الأستاذ عصام السباعي، وفتح لى باب التعاون الصحفى فى المجال الثقافى فحررتُ عدة ملفات ثقافية قوية نالت استحسان الوسط الثقافى كله؛ والحقيقة أنه منذ العدد الأول لأحمد هاشم ونحن نلمس رؤية جديدة ومحاولات جادة للتطوير والتجديد، رغم التحديات الكبيرة التى تُحيط بنا جميعًا، وهو ما انعكس على مضمون وشكل المجلة خلال الأعداد الماضية.. لكنّ «هاشم» قادرٌ بفكره الاقتصادى أن يُحدث نقلة كبيرة فى قيادة «آخر ساعة»، ليس فقط لأنه شاب يملك خبرات واسعة فى الصحافة الاقتصادية؛ وإنما لأنه مُحبّ و«مندوه»، مثلنا جميعًا، لمؤسسة أخبار اليوم، ومن «أجل عينيها» نبذل كل ما نستطيع لتجاوز العقبات الكأداء التى تقف عثرات أمام دفقات نهر الإبداع. أثق أن «روح أخبار اليوم» قادرة على مُجالدة عاديات الزمن وغاشيات الطوارئ الآنية؛ وأنها بالحب والصمود ستخرج منتصرة ومتطورة ومؤرّخة لعظمة هذا الوطن وبأس أبنائه المخلصين. ■ ■ ■ ليس كل الناس سواء فى علاقاتهم بالأماكن والأشياء من حولهم؛ فبعضهم يكون سريع النفور قليل الصبر، وبعضهم الآخر يتروّى فيما بين يديه حتى يمتلئ منه عقله وقلبه، فتحدث بينه وبين الأماكن التى يرتادها أنواع من الألفة والمحبة والاعتياد، فلا يرضى بالجديد ولا يسعى إليه ما دامت نفسه قد استكانت إلى المكان الذى هو فيه؛ وقد شاهدت عددًا من زملائى الصحفيين يطيبون نفسًا فى زيارة السيدة نفيسة، رضى الله عنها، دون سواها من مساجد آل البيت؛ بينما آخرون يركنون إلى السيدة زينب، أو سيدنا الحسين؛ وغيرهم لا تقرّ نفسه ولا يهدأ باله إلا عند الصلاة فى الإمام الشافعي، رضى الله عن سادتنا أجمعين. وعلى هذا المنوال تكون الألفة بين القارئ والصحيفة، وبين القارئ والكتاب؛ فلا تزال عادتى غالبة فى قراءة الكتب المطبوعة ممسكًا بالقلم لأُسجّل الملاحظات على الهامش، وكم أبتئس حين لا أجد النسخة المطبوعة من كتاب أُريده وألجأ لقراءته إلكترونيا، فإننى أتجرّعه ولا أكاد أُسيغه؛ والكتاب الإلكترونى يُشبه عندى المرأة المتبرّجة ذات الأصباغ الزاهية، وأنا على مذهب أبى الطيب المتنبي، حين قال: حُسن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حُسن غير مجلوب وهو مذهبٌ مصري وعربي خالص، فالجمال الطبيعى أوفى وأبهى من كل زائفات القشور الفارغة؛ ومن يُشاهد صور الفلاحات فى الغيطان المصرية ويُقارنهنّ بغيرهنّ من المنعّمات في المدن يُدرك هذا الفارق الكبير فى النضارة والبهاء.. ولا تزال صورة مصر فى العقل الجمعى أنها: «بهية بطرحة وجلابية».