الاعتراف بالدولة قبل أم بعد وجود الدولة محاولة اغتيال قادة حماس فى قطر تؤكد من جديد مدى الصلف والغرور وغطرسة القوة التى تتعامل بها إسرائيل مع الشعوب العربية بصفة عامة والشعب الفلسطينى بصفة خاصة. محاولة آثمة تؤكد حقيقة أهداف إسرائيل التوسعية وسعيها الدائم لإفشال كل المفاوضات التى تهدف لوقف الحرب فى غزة والتى تحولت إلى حرب إبادة لم تشهدها الحرب العالمية الأولى أو الثانية. يحدث ذلك مع موجة من الإدانة والشجب والاستنكار للاعتداء السافر على دولة قطر الشقيقة والذى اكدته قمة الدوحة بوضوح على حين تستمر آلة البطش والقتل ضد الفلسطينيين. دعونا نناقش تطورات الموقف فى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعيداً عن العواطف الجياشة التى يبدو أن العرب لا يملكون سواها! فعلى صعيد دبلوماسى أعلنت عدة دول أوروبية أنها سوف تعترف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الأممالمتحدة هذا الشهر. من بعيد يبدو هذا الاعتراف فضفاضاً غير أن الواقع سرعان ما يؤكد أنه مجرد حبر على ورق حتى لو كانت النوايا حسنة من قبل الاتحاد الأوروبي. الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتطلب أمراً بديهياً وهو وجود الدولة وبحدود معروفة بالإضافة لتوقف حرب الإبادة التى تمارسها إسرائيل غير عابئة بالمجتمع الدولى كله. كلنا نتذكر المناخ العام الذى كان سائداً خلال اجتماعات محكمة العدل الدولية وارتفاع سقف الآمال العربية مع قرارات الإدانة التى أصدرتها المحكمة والتى تحولت فى النهاية إلى كومة من الملفات على أرفف الشرعية الدولية. صاحب ذلك ما تقوم به حركة حماس وتزايد الشقاق بينها وبين السلطة الفلسطينية.. السلطة التى تحولت إلى مجرد مبنى وعلم ونشيد يشدو فى ذهاب وإياب رئيس السلطة محمود عباس. صاحب ذلك أيضاً عمليات التجويع والتدمير والإبادة التى تقوم بها إسرائيل والتى راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين العزل أغلبهم من النساء والأطفال. ومع قرب الفرحة الزائفة بالاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية تتكشف للعيان استراتيجية الحرب التى تقوم بها إسرائيل والتى لم تعد مجرد رد على هجمات حماس ولكنها حرب توسعية امتدت لمناطق عديدة فى لبنان وسوريا والعراق وإيران وجماعة الحوثى باليمن. حرب توسعية أكد نتنياهو أنها تمثل آماله ورؤيته وبدأت بالفعل عملية إعادة احتلال كل قطاع غزة وسط مباركة أمريكية على طريقة «ساعة تروح وساعة تيجي» التى يمارسها ترامب وتزايد آماله فى إقامة ريفيرا الشرق الأوسط. وفى الوقت الذى يزيد فيه استخدام مفهوم اليوم التالى وخاصة من جانب الدول العربية بدأت إسرائيل وواشنطن استخدام مفهوم الغد. تمثل ذلك فى استكمال التدمير الكامل للبنية التحتية بقطاع غزة وتطويق الخناق على أهالى القطاع ودعوتهم لترك أراضيهم وفق مؤامرة التهجير التى رفضتها كل الدول العربية والمنظمات الأممية. لم يكن غريباً أن يأتى ذكر اسم مصر على لسان بعض الساسة فى إسرائيل وحديثهم المغلوط حول معبر رفح وربطه بعملية التهجير والتى تمثل حلماً إسرائيلياً رفضته مصر جملة وتفصيلاً. كانت مصر وستظل هى الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية وهى حقيقة لا ينكرها إلا كل جاحد أعمت قلبه غطرسة القوة. لا أبالغ عندما أقول إن إسرائيل تلعب بالنار إن هى حاولت خلط الأوراق. العالم كله يدرك حقيقة أن السلام مع مصر حتى وإن ظل بارداً إلا أنه سيظل الركيزة الأساسية فى أى اتفاقات مقبلة للسلام مع إسرائيل. كانت مصر وستظل وسيطاً نزيهاً فى المفاوضات الخاصة بوقف الحرب والتى تحاول إسرائيل التنصل منها. وعلى الجانب الفلسطينى فإن الواقع يحتم ضرورة المرونة وخاصة فيما يخص الأسلحة والمشاركة السياسية فى المستقبل والقناعة الكاملة بأن التهجير يعنى نهاية القضية الفلسطينية وربما يرسم صفحة سوداء أخرى فى تاريخ الصراع. لقد مر اليوم التالي ولا نملك إلا الأمل فى يوم الغد. وإذا كانت إسرائيل ترى فى عملية التهجير حلاً يحقق أمنها فإنه أمن زائف لأن من يهاجر من أرضه سوف يتحول إلى قنبلة موقوتة توجه لصدر إسرائيل!!