قبل الميلاد بنحو 500 عام زار المؤرخ اليونانى هيرودت مصر وكتب عنها أحد كتبه منبهراً بعظمة الحضارة التى صنعها المصريون على ضفاف النهر العظيم وأطلق مقولته الشهيرة « مصر هبة النيل «.. وهى مقولة ظلمت المصريين كثيراً فالنيل يمر عبر العديد من الدول من منبعه إلى مصبه وعبر آلاف الأميال ولكن لم يكن سوى مصر واحدة قام شعبها منذ آلاف السنين بترويض النهر وتطويعه لبناء حضارة عظيمة على جانبيه وهى الحضارة التى تجعل النهر يفتخر بمروره فى هذه الأرض المباركة وشعبها العظيم . كان نهرالنيل وما زال منبع الإلهام والإبداع لدى المصريين منذ بداية التاريخ وتقف الحضارة المصرية شاهدة على ذلك حتى الآن.. حضارة نشأت فى ذات المكان واستقرت على ضفاف النهر العظيم وأعطت له بقدر ما أخذت منه فكانت الزراعة أول حرفة تعلمها المصرى القديم وبرع فيها مثلما برع فى باقى علوم الأرض وعلوم الفلك . لم يكن نهر النيل مؤثراً فى حياة المصريين وشئونهم الاقتصادية فقط .. ولكنه تغلغل حتى فى معتقداتهم الدينية .. ولعله النهر الوحيد فى العالم الذى تحول إلى إله أطلق عليه المصرى القديم اسم « حابى «وهو إله الفيضان السنوى للنيل رمز الخصوبة والسعادة التى يجلبها النيل لمصر والمصريين . واستمر ارتباط المصريين بنهر النيل فى كافة تفاصيل حياتهم، بل كان محوراً لثقافتهم وتراثهم .. وعلى مدى آلاف السنين حافظ المصريون على نهر النيل وسوف يستمر تدفقه ليحمل الخير والنماء للمصريين فى سنة من سنن الخالق سبحانه وتعالى.. ومن يمعن النظر فى خريطة العالم سيجد أن كل أنهار العالم تجرى من الشمال لتصب جنوباً إلا نهر النيل يجرى من الجنوب إلى الشمال ليلتقى بالأرض الموعودة بالأمان من رب العالمين وقيض الله لهذه الأرض رجالاً أشداء أمناء عليها لو امتد لها يد غادر أو ظالم فيحفظوها بحفظ المولى سبحانه وتعالى.