فى هذا الزمن، كل شيء تبدل. صارت مشاعرنا معلقة فى فراغ رقمي، تتأرجح بين لمعة «لايك» يضيء الروح، وظل «بلوك» يخنقها، كل شيء تغير مشاعرنا، نظرتنا للحب، حتى الكره لم يعد كما كان. تبدلت اللغة التى كنا نبوح بها، فلم تعد الكلمات تخرج من القلب مباشرة، بل صارت تختصر فى رموز رقمية باردة هى «الإيموجي» من أن الحب لم يعد يختبئ فى رسالة ورقية تخبأ بين دفتى كتاب، ولا فى عطر يلتصق بوشاح غائب، بل صار عابرًا على شاشة زرقاء، يولد فى لحظة إشعار، وقد يموت قبل أن يكتمل الحلم. صار العاشق يكتب بيده على لوحة مفاتيح باردة، بدل أن يكتب بقلبه. يرسل وردة على شكل إيموجي، بينما يده خالية من باقة حقيقية. يبوح بكلمة «أحبك» فى محادثة عابرة، بينما قلبه مشغول بآلاف الإشعارات الأخرى. هكذا صار الحب متعبًا، هشًّا، أقرب إلى وهم من ضوء شاشة منه إلى دفء إنسان. ولم يعد الفراق قصيدة وداع على رصيف ولا دمعة فى منتصف الليل، بل تحول إلى نقرة واحدة «بلوك».. والمشاعر التى كانت تحفر فى القلوب صارت الآن محكومة بخوارزميات باردة، إما «لايك» يرفعها إلى السطح، أو «بلوك» يلقيها فى العدم. صار الحب على السوشيال ميديا مسرحا عجيبا، تبدأ فيه بالإعجاب بالروح، لكن قد تنهار عند أول صورة لا تعجب العين، فتعمل حظرًا للروح.!! ومع ذلك، يظل الحب الحقيقى قادرًا على النجاة. يظل يختبئ فى صدق النظرات، وفى حوار صامت أطول من الكلام، وفى تفاصيل صغيرة لا تعرفها الشاشة. ربما لم تقتل السوشيال ميديا الحب، لكنها جعلته أكثر غموضًا، ككائن خرافى نطارده وسط متاهة من الصور والهاشتاجات. ومع ذلك، حين يلتقى قلبان بصدق، يتلاشى كل «لايك» و«بلوك»، ويبقى الحلم القديم أن نحب كما لو لم يخلق العالم بعد. يبقى السؤال: هل السوشيال ميديا قتلت الحب؟ ربما لم تقتله، لكنها أعادت تشكيله. بين وهم الشاشة وحقيقة الواقع، يظل القلب يبحث عن صدق لا يزيفه «فيسبوك»، ولا يختزله «إيموجي».