الشرقية: إسلام عبدالخالق »ولاد ساعة الحظ».. وصف يلتصق دومًا بأهل الموسيقى ومن تبدأ حياتهم مع مغيب الشمس وينامون وقت استيقاظ عوام الناس، لكن ذاك الوصف كان مغايرًا لما آل إليه مصير أحد الفنانين المعروفين بالعزف على آلة «الدرامز»، والذي سبق أقرانه وتفوق عليهم ليؤسس فرقته الخاصة، بيد أن داخل بيته كان الموت ساكنًا على يد أقرب الناس إليه، ابنه الأكبر الذي كان يزامله في كثيرٍ من حفلاته، وحين قرر أن يسلك طريق سعادته مع سيدة جديدة، كانت شهور «عسله» هي الأخيرة في حياته قبل أن يأتيه نجله بكلمة النهاية؛ وهي الموت قتلًا. كان الوقت متأخرًا والقمر يقترب من مغادرة سماء الليل ليعلن ميلاد فجرٍ جديد، الصمت يغلف الأجواء والرياح تداعب ورق الأشجار على مدخل البلدة، لكن هناك، وفي الطابق الثالث من إحدى البنايات حديثة الإنشاء، قطعت الحركة سكون المشهد، شاب قوي البنية صعد لتوه عتبات الدرج، دلف خِلسةً إلى المسكن ليغلق بابه في هدوء، ثم خفض يده متحسسًا حزامه وكأنه يطمئن على سلامة هيئته، ليتابع حركته الخافتة صوب غرفة المطبخ، سحب درج الملاعق كأنما هي أدوات جراحة، التقط سكين اللحوم كمن يعرف غايته التي حضر من أجلها، وبحركةٍ عصبية لا تتناسب مع ما سبقها أطبق يده بغلٍ على يد السكين مشهرًا سلاحه كما لو كان يستطلع لمعانه وحدته، لمعت عيناه وهو ينظر في الفراغ يكاد يبتسم ويبكي في اللحظة نفسها، قبل أن يهم باستكمال رحلته التي تسلل لأجلها. بخطواتٍ حثيثة دلف إلى غرفة النوم، وهناك كان والده ممدًا وقد غط في نومه العميق كما هي عادته التي يعرفها الابن جيدًا، وفي غضون ثوانٍ تبدل المشهد تمامًا، ملاءة السرير تلطخ لونها الفاتح بقتامة حمراء، الدماء سالت، والطعنات لم تتوقف وسكين «رامي» يزور مناطق متفرقة في جسد أبيه، لا يمنعه الأنين الذي بالكاد يصدره الأب وهو يصارع الموت بفعل الطعنات المتلاحقة التي غزت جسده وقطعت إحداها مصدر قدرته على الاستغاثة، لكن عيناه ظلت جامدةً وهو يطالع قاتله كأنما هي صدمة عمره، مشهد حياته وموته معًا وهو يرى أول فرحته يقتله ويسفك دماءه. انتهى رسول الموت من مهمته قبل أن يغادر القاتل مسرح جريمته، كان أنين «حمادة» محض استغاثة لم تجد متلقيها، فيما سارع ابنه بتركه وقد تيقن من أنه قد بات في عِداد الموتى؛ إذ ضم سكينه إلى ملابسه الداخلية في محاولة بائسة منه لدرء مخاطر القبض عليه، ولاذ بالفرار بعيدًا عن البيت الذي سكنه والده بعيدًا عنه طيلة أربعة أشهرٍ مضت وكانت السبب الرئيسي في عزمه على الخلاص منه. بعد الجريمة وصل «رامي» إلى جزع شجرة قريبة من مدخل المنطقة، وهناك مكث كأنما يرتاح من عناء «المجزرة» التي ارتكبها للتو، صمت ليطالع القمر وهو يواصل الابتعاد في ظلمة السماء، يتذكر كيف تطور الأمر وتحول من ابن وصديق لوالده إلى قاتله، يخبر نفسه وتحدثه تلك الأمارة بالسوء؛ أن والده هو الذي اختار ذلك حين قرر الزواج عرفيًا من سيدة أخرى غير والدته التي عاش معها سنوات عمره، تهبط الدموع على وجنتيه وقد داعبت ذكرياته القريبة مخيلته، يعرف أنه قد قتل أقرب الناس وأحبهم إلى قلبه، لكن شيطانه يصور له أنه على حق، لكنه ما يلبث أن يناطح الشيطان وهو يردد بينه ونفسه كيف تحمل والده نفقات علاجه من النوبات التي كانت تصيبه من وقتٍ لآخر، لا يكاد يحصي عدد المرات أو أسماء المصحات التي زارها رفقة والده لأجل العلاج من تلك النوبات، لا يدري هل غياب والده وبعده عنه وانشغاله بعروسه الجديدة طيلة الأشهر الأربعة هو سبب غيرته القاتلة، أم هو خوفه بحق من أن يتنازل الأب عن وحدته السكنية إلى السيدة التي أصبحت شريكته الجديدة بعقد زواجهما العرفي؟! أتخمت كثرة الأفكار رأس الفتى ذو الثلاثة والثلاثين ربيعًا حتى كاد أن يسقط صريعًا من فرط التفكير، لكنه ما لبث أن أخبر نفسه أن الشرطة حتمًا في طريقها إليه، وكأنما قد كان لدى الناس أجمعين خبر قتله والده، فلاذ بالفرار وابتعد حتى عن مسكن أسرته على غير عادته. اعتراف مرت الساعات بطيئة حتى لاحت شمس النهار، وبينما تخطو «العروس» عتبة مسكن زوجها، حتى لاحظت إضاءة غرفة النوم على غير العادة، وحين اقتربت سبقت صرخاتها فزعها وهي ترى من عاشرها طيلة أربعة أشهرٍ وقد فارق الحياة، قبل أن يحضر الجيران إلى الشقة يستطلعون سبب الصراخ الهيستيري، وفي غضون دقائق كانت قوة أمنية من مركز شرطة أبو كبير التابع لمديرية أمن الشرقية، قد فرضت كردونا أمنيا على مسرح الجريمة، وبدأ رجال البحث الجنائي عملهم؛ إذ تم تفريغ كاميرات المراقبة القريبة من البناية والبنايات المجاورة، مع سماع الشهود وأقرب الأقربين. الروايات جميعها دلت بطريقة غير مباشرة على اسم القاتل، الابن الشهير ب «رامي أزعرينه»، والذي غاب عن البيت منذ أمس على غير عادته، وهو ما أكدته المقاطع التي وثقتها إحدى الكاميرات له وهو يغادر المنزل مهرولًا، وخلال سويعات كان الفتى في قبض الأمن ورجاله. أمام جهات التحقيق، وقف «أزعرينة» صاحب الثلاثة وثلاثين ربيعًا، يسرد كيف أنهى حياة والده «حمادة أبو هاشم النجدي» فنان الدرامز صاحب فرقة الأفراح الشهير ب «أبو رامي» ذو الستين عامًا، قبل أن يؤكد على أن زواج والده عرفًا قبل أربعة أشهر وتوقفه عن تحمل نفقات علاجه كانت القشة التي قسمت أسباب محبته في قلبه وحولتها إلى حقدٍ دفين وهو يخشى أن يكتب الأب شقته باسم عروسه الجديدة، قبل أن يؤكد على أنه قد قتل والده خشية ذلك ومخافة ألا تؤول ملكية ممتلكاته إليه وإلى أخواته فيما بعدْ. بلاغ الواقعة، والذي حمل رقم 4989 جنح مركز شرطة أبو كبير لسنة 2025، أفاد بأن الأهالي قد عثروا على جثمان الأب المجني عليه مقتولًا داخل مسكنه الكائن بالطالبق الثالث في أحد العقارات الموجودة في نطاق مركز شرطة أبو كبير، حيث عُثر عليه مصابًا بعدة طعنات في أنحاء متفرقة في جسده، وأكثرها في منطقة الظهر، حيث جرى نقل الجثمان إلى مشرحة مستشفى أبو كبير المركزي تنفيذًا لقرار النيابة العامة، والتي قررت انتداب أحد الأطباء الشرعيين لتشريح الجثمان لبيان سبب الوفاة وكيفية حدوثها وتحديد الأداة المستخدمة في إحداث الجروح والطعنات الموجودة في أنحاء متفرقة من الجثة، قبل أن تأمر بحبس الابن المتهم على ذمة التحقيقات بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لمدة أربعة أيامٍ، مع مراعاة التجديد له في الموعد القانوني. اقرأ أيضا: للطمع فى الميراثl قتل شقيقه وطفليه خنقًا