■ حوار: سمر صلاح الدين لبنانوسوريا، دولتان تجمعهما علاقةٌ متشابكة تاريخيًا يُعاد تشكيلها الآن على أسس جديدة، فى ظلّ مشهدٍ إقليمى محتدمٍ تحاول فيه قوى دولية وإقليمية رسم خرائط نفوذٍ مستقبلية على طاولة نظامٍ عالمى مازال فى مرحلة مخاضٍ عسير، لحظةٌ تاريخية شديدة الحساسية يعيشها البلدان؛ بين مخاوف من حربٍ أهلية فى لبنان بعد قرار الدولة توحيد السلاح فى يدها، ومخاطر التقسيم فى سوريا بفعل انقساماتٍ طائفيةٍ حادّة. التقينا المفكر والدبلوماسى اللبنانى الدكتور خالد زيادة، سفير لبنان الأسبق فى القاهرة وأحد أبرز أعلام الفكر التاريخى الحديث، الذى قدّم العديد من الكتابات الوثائقية بمنظورٍ تاريخى شاملٍ للمنطقة العربية، وفى القلب منها بلاد الشام، بمنظورٍ غير محدودٍ بالمنطق الجغرافى. وضعنا أمامه العديد من التساؤلات، وقلّبنا معه أوراق الماضى والحاضر، فى محاولةٍ لقراءةٍ متأنيةٍ لمستقبلٍ يحمل كثيرًا من علامات الاستفهام. وكان هذا الحوار.. ◄ بدايةً سألناه: ركّزت كتاباتك الأخيرة على الأوضاع فى سوريا، لماذا؟ يجيب: ليس للبنان حدودٌ برّية سوى مع سوريا، أمّا الحدود مع فلسطين فمقطوعة منذ عام 1948. وإضافةً إلى ذلك فإن العلاقة بين لبنانوسوريا هى أكثر من علاقةٍ بين بلدين متجاورين. وقبل إقامة دولة لبنان عام 1920، كان التداخل الإدارى فى زمن الدولة العثمانية (1516 1918) بين الولايات يجعل من هذه المنطقة نطاقًا ثقافيًا واقتصاديًا متكاملًا. وفى نصف القرن الأخير، أى منذ اندلاع الحرب فى لبنان عام 1975، كان للدولة السورية تدخّل مباشر فى الأحداث؛ ودخلت القوات السورية إلى لبنان منذ عام 1976 وحتى عام 2005 بتفويضٍ عربى ودولى، مع ما تركه ذلك من آثارٍ لا تزال قائمة حتى اليوم. وبالنسبة إليّ، ينبغى أن نفهم التاريخ لكى نفهم الحاضر، وهناك ملفاتٌ عديدة بين البلدين لا بدّ من معالجتها. ◄ اقرأ أيضًا | مجلس الوزراء اللبناني يستكمل جلسته في قصر بعبدا رغم انسحاب بعض الوزراء ◄ كيف تقرأ الوضع الراهن في سوريا؟ لقد حدث تغييرٌ كبير فى سوريا، ولم يأتِ عن طريق صندوق الاقتراع، بل جاء بعد حربٍ مدمّرة ابتداءً من عام 2011. وهذا التغيير ذو طابعٍ جذرى بسبب تأثيره فى توازن القوى فى المنطقة، وخصوصًا لجهة انحسار النفوذ الإيرانى وتقدّم الدور التركى فى سوريا. ومن المؤكّد أنّ هذا التغيير يواجه صعوباتٍ كثيرة، منها ما يتعلّق بالخراب الذى أحدثته الحرب الداخلية، ومشكلات الاقتصاد والخدمات. ولكن، على ما يظهر، هناك رغبة عربية ودولية فى مساعدة سوريا على تخطّى المشكلات التى تعانيها، وذلك بالمساهمة فى مشاريع البناء والاقتصاد. ◄ أين أخفقت النخب فى تحويل التنوّع الدينى والمذهبى إلى تعدديةٍ سياسية؟ الإخفاق الأساسى كان فى تجاهل النخب السياسية والحزبية والفكرية لهذا التنوّع. وكان الاعتقاد أنّ تخطّى التنوّع الطائفى والإثنى، وعدم الاعتراف به، يكفيان لبناء انتماءٍ سورى أو عربى مشترك. وقد أثبتت الوقائع والسياسات القسرية أنّ هذا التجاهل أدّى إلى نتائج عكسية وفاقم حدّة الانقسامات. ◄ تقول إنّ الوطنية هى ارتفاعٌ فوق الانتماءات الأولية.. ما الذى أسقط هذا المعنى في التجربة السورية؟ الوطنية ليست مجرد شعارات وخطبٍ رنّانة، بل هى تقديم خدماتٍ متساويةٍ للمواطنين؛ أى تنميةٌ تشمل التعليم، والخدمات الصحية، ومدّ شبكات المياه والكهرباء.. بحيث يشعر كلّ مواطنٍ أنه مساوٍ لغيره فى الحقوق والواجبات. وعلى هذا النحو، يتخطّى الفردُ انتماءاتِه الأولية التى تؤمّن له الحماية، ويصبح انتماؤه للدولة التى هى لجميع المواطنين. ◄ اقرأ أيضًا | ◄ إذا طُرح ترسيم نفوذٍ بصفقةٍ دولية، ما الخطّ الأحمر سوريًا كى لا يتحوّل إلى تقسيم؟ لا أرى فى اللحظة الراهنة أى خططٍ لتغيير الحدود أو التقسيم فى المنطقة. والدعم السياسى والمادى الذى تتلقّاه الحكومة فى سوريا يفيد بخلاف هذا الاعتقاد. ◄ كيف قرأتم «التهديدات» المتداولة حول ضمّ لبنان إلى سوريا؟ ومن المستفيد من تداولها؟ ليس هناك تهديدات؛ والحكومة السورية حاليًا مشغولةٌ بالمشكلات الداخلية. وثمّة اتصالاتٌ ذات طابعٍ حكومى بين البلدين لمعالجة القضايا العالقة. وأقول إنّ المجتمع الدولى مُدرِكٌ لخطورة أى تفكيرٍ بتغيير الخرائط. ونعلم ماذا جرى بعد محاولة احتلال العراق للكويت. وفى جميع الأحوال، فإنّ المستفيد من نشر الشائعات هو إسرائيل. ◄ ما الدور الفعلى للقوى الإقليمية والدولية في منع فكرة التقسيم في سوريا؟ الدعم الذى تتلقّاه الحكومة السورية الراهنة من الدول العربية مثل السعودية ودول الخليج ومصر، إضافةً إلى دعمٍ صريح من دولٍ مثل فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية، دليلٌ على أن القوى الإقليمية والدولية ضدّ أى تغييراتٍ فى الخرائط والحدود فى المنطقة. ◄ ما السؤال الذى ينبغى على الحكم الحالي في دمشق أن يُجيب عنه؟ السؤال هو: كيف يمكن إعادة بناء المواطنة على أسس المساواة والعدالة والاعتراف بالتعددية؟ ◄ ما الذي تقوله للبنانيين والسوريين معًا اليوم؟ الوقت مناسب لإقامة علاقةٍ متكافئة بين دولتين شقيقتين، قائمةٍ على الاحترام المتبادل، مع ضرورة معالجة الملفات العالقة بينهما.