العرض العسكرى الضخم الذى أقامته الصين الأسبوع الماضى بحضور 26 من زعماء العالم، يمثّل تحولاً نوعياً فى المشهد العالمى، عسكرياً وسياسياً، وذلك لأن التكنولوجيا العسكرية والأسلحة المتطورة، التى رفعت عنها بكين الحظر أخيراً فى العرض، لا تعيد فقط ترتيب موازين القوة العسكرية فى العالم، ولكنها أيضاً تعيد تموضع التنين الصينى فى خريطة المنافسات العالمية وتنقله من ساحة القوة الناعمة لساحة القوة الخشنة. والحقيقة أن الصين التى لطالما اتخذت من القوة الاقتصادية مطية لبسط نفوذها تاركة التناحر العسكرى مع الغرب لحليفتها روسيا، بدأت فى تحديث جيشها فى التسعينيات، وعلى مدار 3 عقود شهد جيشها تطوراً تكنولوجياً يُقال إنه لم يسبق له مثيل فى السرعة منذ الحرب العالمية الثانية. هذا التطور الذى عكسته أسلحة الجيل الرابع التى كشف عنها العرض - من صواريخ نووية عابرة للقارات، وصواريخ فرط صوتية وطائرات مُسيّرة شبحية، وغواصات بدون قائد- نسف العقيدة الغربية الثابتة بافتقاد الصين للقدرة على الابتكار واعتمادها على تقليد وسرقة التكنولوجيا والتصاميم الأمريكيةوالغربية، وكشف عن ريادة صينية لم تظهر فقط فى التكنولوجيا العسكرية، ولكن أيضاً فى مجالات الروبوتات، والمركبات الكهربائية، والاتصالات، والمفاعلات النووية، والشرائح الإلكترونية، والذكاء الاصطناعى، وهى مجالات كان بعضها حكراً على دول بعينها وعلى رأسها: أمريكا. وبهذا تكون بكين قد طرقت كل أبواب التنافس مع القوى العظمى فى العالم من الأرض وحتى الفضاء. أما قرارها أخيراً التشمير عن ساعديها وإظهار عضلاتها لتقتحم آخر معترك للمنافسة، واختيارها لمناسبة مرور 80 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، التى أعادت رسم الخارطة السياسية والعسكرية للعالم، فله دلالة كبيرة اختزلتها الصورة التى استقطبت اهتمام كل وسائل الإعلام الدولية، التى جمعت الرئيس الصينى مع نظيره الروسى وزعيم كوريا الشمالية، التى كانت بمثابة إعلان بأن موازين القوة فى العالم اختلت ويُعاد تشكيلها من جديد. ولكن كل ما نتمناه ألا يُولد هذا العالم الجديد من رحم حرب عالمية ثالثة.