الدنيا تغيرت والأحوال تبدلت فكثرت المشاكل بين الجيران وتفاقمت ، ووصلت لأقسام البوليس وساحات المحاكم ، كل جار يتفنن فى تطفيش جاره من المكان، الأعلى صوتا يكسب ، والأقوى يفرض سطوته ، والمؤدب يلعن اليوم الذى أوقعه فى تلك الجيرة المؤذية ! أعرف محلا لبيع البناطيل الجينزالحريمى يرص مانيكانات بضاعته أمام مدخل العمارة بما يحول إمكانية دخول وخروج سكانها بيسر وسلاسة وعليهم أن يلفوا رأس الرجاء الصالح لدخول منزلهم ! مثله مثل باقى الباعة المستقرين وليس الجائلين الذين وضعوا أيديهم على الرصيف وما أسفل منه ، الصوت العالى موجود ، وإذ ما تم الشكوى للسلطات ، زهزهت الدنيا وبعدها تعود ريما لبلطجتها القديمة ، وأعرف جيرانا يبحثون عن مشتر هربا من المكان ولا يوفقون لأن المشترى يعزف عن الشراء عندما يرى المشهد الذى يريد البائع الهرب منه !! كنا فى الماضى نعمل بنصيحة الأجداد الذين ورثونا عنهم حكمة « الجار قبل الدار» ، لكن أخلاق اليوم لا تجعلنا نعرف حسنات الجار من سيئاته إلا بالعشرة ، بعد أن نكون قد لبسنا فى الحيطة ، فنلجأ لسياسة « ياجارى انت فى حالك وانا فى حالى « التى جعلت الجيران لا يعرفون أسماء بعضهم عندما يتقابلوا فى المصعد ! وأتذكر ما عاشه أجدادنا من نعمة الجيرة زمان فى قصة جار الإمام أبى حنيفة الذى عرض داره للبيع بعشرين الف دينار، المشترون قالوا له « الدار لا تساوى أكثر من ألفين .. فكيف تبيعها بعشرين ؟! « ، فقال « أعلم ذلك ، لكنى أبيع جيرة الإمام أبى حنيفة بباقى المبلغ « ، فلما سمع الإمام بالقصة دفع عن الرجل ديونه وقال « ونحن لا نفرط فى جيرة من أحبَّ جوارنا « ! ، فهل مازالت حكمة « الجار قبل الدار» سارية المفعول ؟!