مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، يُواصل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين اللعب على حافة التناقض بينما يعرض المصافحة بيد، يشهر الأخرى سيفًا مُوجهًا نحو الغرب. حيث كشف تقرير لمجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، أن بوتين ما زال يُراهن على إضعاف وحدة الغرب، عبر اختراق عسكري أو صفقة سياسية يوسّط فيها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. بوتين يستعرض إنجازاته بعد قمة ألاسكا في 16 أغسطس/آب، وبعد يوم واحد فقط من قمته مع ترامب في ألاسكا، استدعى بوتين كبار رجاله إلى قاعة "القديسة كاترين" داخل الرئاسة الروسية الكرملين، وهي قاعة ترمز لمجد روسيا القيصرية، وهناك.. تحدث عن "صدق" ترامب ورغبته في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، مُؤكدًا أن ذلك يُقرب موسكو من اتخاذ قرارات حاسمة في مسار النزاع. المشهد استعاد ذكريات عام 2021، حين جمع بوتين معاونيه في القاعة ذاتها ليأمرهم بدعم الاعتراف بمناطق الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وكان ذلك مقدمة مباشرة ل الحرب الروسية الأوكرانية، لكن هذه المرة، أراد بوتين أن يبعث برسالة معاكسة موضحًا أن: «الحرب قد تقترب من نهايتها، ولكن بشروط روسية»، بحسب المجلة البريطانية ذاتها. اقرأ أيضًا| لماذا يُحذر المحللون من أن مبادرة بوتين للسلام ليست سوى قناع للحرب؟ لغة ناعمة.. لكن بأهداف صلبة قال بوتين بنبرة أقل حدّة: "إننا نحترم موقف الإدارة الأمريكية التي تسعى لوقف الحرب الروسية الأوكرانية سريعًا، ونحن أيضًا"، ترامب بدا من أكثر المصدقين له، إذ ظل يخفف الضغوط عن موسكو ويتراجع عن كل شرط وضعته كييف وحلفاؤها لردع بوتين. في القمة اللاحقة بواشنطن، حيث اجتمع ترامب مع الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي وسبعة قادة أوروبيين، التقط ميكروفون مفتوح همسًا بين ترامب وماكرون قال فيه: "أعتقد أن بوتين يريد أن يعقد صفقة معي، قد يبدو هذا جنونًا"، فرغم وعوده السابقة، لم يفرض دونالد ترامب أي عقوبات جديدة، ولم يشترط وقف إطلاق النار لبدء المفاوضات. ومن حانبه، فبالنسبة لبوتين، لم يخرج القادة الأوروبيون من قمة البيت الأبيض إلا ببيانات عامة عن "ضمانات أمنية"، لكنها مشروطة بموافقة روسيا، كما عزز اتصال ترامب المباشر ببوتين خلال القمة قناعة الكرملين بأن واشنطن لن تتحرك في الملف الأوكراني دون الرجوع إلى موسكو. ترامب يعيد بوتين إلى المسرح الدولي قمة بوتين وترامب كانت بمثابة إعادة الاعتبار لزعيم الكرملين، بعد أن كان معزولًا دبلوماسيًا، عاد ليحظى باستقبال حافل وتصفيق علني من ترامب في قمة ألاسكا، ليُمثل هذا الموقف نقيضًا لوصف سابق أطلقه رئيس أمريكي آخر على بوتين باعتباره "مجرمًا قاتلًا"، وفقًا لما أفادت به مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية. بينما علّق الفيلسوف الروسي المتشدد ألكسندر دوجين، على القمة قائلًا: "إن الفوز بكل شيء دون خسارة شيء.. وحده القيصر ألكسندر الثالث فعل ذلك"، لكن الحقيقة أن بوتين لم يذهب إلى ألاسكا للتفاوض بقدر ما ذهب للتباهي واستعراض قوته، بحسب وصفه. استطلاعات الشارع الروسي أظهرت استطلاعات الرأي في روسيا تناقضًا لافتًا، إذ أن "70% من الروس يعتقدون أن بلدهم منتصر عسكريًا في الحرب الروسية الأوكرانية، بينما يؤيد 60% محادثات السلام، وفي حين االخوف من الهزيمة قد تلاشى بحسب المجلة لكن الرغبة في استمرار الحرب ضعيفة، أما عن النخب الروسية، فهي مُستعدة لقبول أي تسوية يروجها بوتين ك"نصر"، شرط أن تتضمن اعترافًا أمريكيًا ببعض النقاط الخاصة بالسيطرة على القرم والممر البري الرابط مع روسيا، واستبعاد أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وربما فرض انتخابات جديدة في كييف. اقرأ أيضًا| ما بعد قمة ألاسكا| كيف سيؤثر فشل المفاوضات على صورة ترامب؟ إخفاقات ميدانية وضغوط جديدة وفي ذات السياق، يتجه الاقتصاد الروسي نحو ركود واضح، فخلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، تجاوز العجز المالي كامل هدف 2025، مع ارتفاع الإنفاق العام بنسبة 20%، ونحو 5% من المُوازنة تُوجَّه لتمويل الجيش الروسي المتعاقد الذي يقاتل في أوكرانيا على غرار استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، مع ذلك، لا يزال بوتين يملك أدوات مالية تسمح له بتمديد الحرب، وإن كان ذلك يرفع مخاطر التوتر الداخلي. ورغم محاولات موسكو المستمرة، فشلت القوات الروسية للعام الثالث على التوالي منذ بدأ الحرب الروسية الأوكرانية، في اختراق الخطوط الأمامية، وسيطرت فقط على 1% من الأراضي الأوكرانية مقارنة بما كانت عليه بداية 2023، بينما لا يرغب فلاديمير بوتين في تعبئة جماهيرية جديدة خشية الاضطرابات، لكنه ما زال يطمح لاختراق عسكري خلال الشهرين المقبلين، مستغلًا ضعف القوى البشرية الأوكرانية، وفقًا لما كشفته مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية. أما بالنسبة لبوتين، أشارت المجلة إلى أن المفاوضات ليست غاية بل وسيلة، فهي تُبقي ترامب قريبًا من جانبه، وتزرع بذور الانقسام بين أوكرانيا والغرب، وحتى مطالبه بتسليم مناطق لم يكسبها في الميدان تهدف إلى إشعال أزمة سياسية داخل كييف، ويُراهن بوتين أن زيلينسكي لن يتنازل، بينما قد يرفع دونالد ترامب غطاء الحماية إذا استمرت المقاومة. وبحسب المجلة ذاتها، لم تتغير الغاية النهائية لبوتين، والتي تتمثل في إخراج أمريكا من أوروبا، وتقويض الدعم الأوروبي لأوكرانيا وهو ما لم يحققه بعد. اقرأ أيضًا| لماذا شكلت تصريحات ترامب بعد «قمة ألاسكا» انتصارًا غير مباشر لبوتين؟