يبدو أن الناس تنسى أن الغالى ثمنه فيه. كنا فى زيارة رسمية للصين، مرافقين للرئيس الراحل حسنى مبارك، خلال جلسة للمباحثات مع نائب رئيس الوزراء لشئون البحث والابتكار، والتى ينصب عملها فى تبنى كل الأفكار الجديدة بكافة المجالات، قال إن هناك مشكلة كبيرة فى العلاقات الاقتصادية والتجارية مع مصر. أضاف أن الصين تستعد لتصدير السيارات للدول العربية، وعلى رأسها مصر، التى تمثل أكبر مستورد من الصين. أبدى المسئول الصينى تخوفه من السمعة غير الطيبة التى تولدت عند المصريين، والتى ربطت بين رداءة الإنتاج وشعار صنع بالصين، وقال إنكم فى مصر تظلمون الصين، وأنها بلد الإنتاج الرخيص، على حين أن الحقيقة تتمثل فى المستورد المصرى الذى يأتى للصين ويبحث عن أرخص الأسعار، ولا تهمه الجودة اطلاقاً، ونحن فى الصين ننتج كميات ضخمة من كافة أنواع السلع، وبدرجات متفاوتة فى الجودة، وبالتالى تختلف الأسعار. أشار أحد رجال الصناعة بالصين، والذى كان مشاركاً فى الاجتماع، أننا نسأل المستورد المصرى سؤالاً هاماً، وهو ما السعر الذى تريد أن تبيع به فى مصر. فى كثير من الأحيان يحدد سعراً متدنياً جداً، وهناك مصانع كثيرة تقوم بإنتاج السلعة وبتكاليف تحقق الربح لنا، وأيضاً تتماشى مع السعر الذى يريد المستورد أن يبيع به فى مصر. قال إننا مثلاً ننتج ولاعات للسجائر يقترب ثمنها من 50 دولاراً، وننتج أيضاً نفس الولاعة، ولكن بمواصفات وجودة أقل، ولا تستطيع أن تفرق بينهما، ولكن بسعر دولار واحد. أكد أن اختلاف الجودة عادة ما ترتبط بمدة الاستخدام، وأشار إلى أن الصين تنتج ولاعة تباع بمصر بأقل من الجنيه الواحد، والمفروض أن يتم التخلص منها، ولكنكم بمصر تقومون بإعادة الملء، ولذلك نقوم بتسويق أنابيب الغاز لملء الولاعات. قال نائب رئيس الوزراء الصينى إننا نخاف من أن تلحق هذه السمعة بسوق السيارات، وعموماً السيارات التى سوف ننتجها للتصدير ستكون بمواصفات واحدة، لا يتحكم فيها المستورد. راودنى ساعتها الإحساس بأن السمعة السيئة ليست للمنتجات الصينية الرخيصة، ولكنها سمعة المستورد المصرى. المستورد الذى يبحث عن الثراء الشديد من خلال البحث عن أرخص الأسعار، وعلى حساب المستهلك الذى يقع فى حيرة أثناء الشراء، والذى يتناسى فيها عبارة «الغالى تمنه فيه». زمان كانت جودة أى سلعة تدور فى محيط 3 درجات، بضاعة درجة أولى وثانية وثالثة، ولكن للأسف الشديد أصبح لدينا أيضاً بضائع درجة رابعة وخامسة وسادسة، وخاصة المنتجات التى نطلق عليها صناعة بير السلم، وسواء كان السلم صينىاً أو مصرياً!! أعرف أن هناك جهات كثيرة تراقب جودة الإنتاج، وخضوعه للمواصفات القياسية، ولكن السوق المصرى يشهد نوعاً من التحايل، وخاصة استيراد قطع الغيار المستخدمة، وتكاد تكون من الدول القليلة على المستوى العالمى التى تسمح باستخدام روبابيكيا العديد من الأجهزة والمعدات، وخاصة السيارات. إننا نظلم وزارة النقل كثيراً عندما نربط بين حالة الطرق وبين الحوادث المتكررة، ونغفل كارثة استيراد قطع غيار السيارات المستخدمة، والتى نقبل عليها جميعاً بسبب رخص أسعارها، والارتفاع الجنونى فى أسعارها لو كانت جديدة، وتباع داخل التوكيلات. للأسف الشديد، إعادة استخدام قطع الغيار شملت كل شيء حتى الأجهزة الطبية، وهناك تجارة رائجة تسمى تقطيع السيارات، أى السيارات المستخدمة بالخارج، يتم استيرادها كخردة بعد أن يتم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة فى البلد المصدر، وبعد وصولها لمصر تباع كقطع منفردة، وأحياناً يتم تنظيفها، وإعادة تغليفها، وتباع على أنها جديدة. بصراحة، نحن لا ينقصنا استيراد منتجات بير سلم، لأن سلالم مصر كثيرة، وتفيض عن حاجتنا!!