قبل نحو 61 عامًا تعرضت الفنانة لبنى عبدالعزيز لوعكة صحية، ويبدو أن هذه التجربة تركت فيها أثرًا عميقًا، حتى أن الكاتبة الصحفية الكبيرة إيريس نظمي، التى أجرت معها حوارًا نشرته «آخرساعة»، قالت إن لبنى تحولت إلى «فيلسوفة».. تفاصيل الحوار الذى تنوع بين آرائها في السينما والإذاعة وما تهتم بقراءته، ورأيها فى الحياة، نعيد نشره بمناسبة احتفالها مؤخراً بعيد ميلادها التسعين. نجت لبنى عبدالعزيز من المرض بأعجوبة، وخرجت السيدة الرقيقة ذات العيون الخضراء من التجربة المريرة بفلسفة جديدة، وتهز لبنى رأسها فى أسى وشجن وتقول بصوتها الهامس: لقد تعلمت من الأزمة الأخيرة ضرورة البساطة فى مواجهة الحياة، وعمر الإنسان لم يعد فيه متسع لأى خلافات أو مشاكل، والدنيا فى نظرى لا تستحق كل ذلك الصراع الجارى عليها. ◄ الفيلسوفة ألم أقل لكم إن لبنى خرجت من أزمتها الأخيرة «فيلسوفة»، وعلى أية حال فلا أعتقد أن موجة الفلسفة سوف تستمر طويلًا، لكن الوحدة والفراغ اللذين فرضتهما الأزمة على حياتها خلال تلك الفترة، كانا السبب فى التغيير الذى حدث لأفكار لبنى. وربما تنتهى هذه الموجة بعد أيام حينما تطير لبنى إلى جاكارتا وتحزم حقائبها إلى هناك، لكى تحضر المؤتمر الإفريقى الآسيوي، ويعرض هناك فى اجتماعات المؤتمر فيلم «وا إسلاماه»، وفى طريق عودتها من جاكارتا سوف تزور لبنى عبدالعزيز الهند، وتستقل قطارًا من نيودلهى إلى قبر «تاج محل» المصنوع من المرمر الخالص، والذى أقامه أحد مهراجات الهند تخليدًا لحب عظيم عاشه مع زوجته، وهذه الرحلة مهمة جدًا بالنسبة للبنى، لأنها ستقوم بهذا الدور أمام بول برينو فى فيلم أمريكي، وبعد أن تعود من رحلتها فى إندونيسيا وهونج كونج وسنغافورة والهند تتفرغ أسبوعًا كاملًا لتشاهد كل الأفلام التى قامت ببطولتها منذ بدأت عملها فى السينما، وتنتقى من كل فيلم لقطة تعبّر عن الشخصية التى قامت بها، وترسل هذه اللقطات إلى شركة الإنتاج الأمريكية التى تعتقد أن هذه أحسن وسيلة لاكتشاف الأدوار المناسبة للسيدة المصرية ذات العيون الخضراء. ولا يتوقف برنامج لبنى عبدالعزيز فى الشهور المقبلة عند هذا الحد، لكنها ستقوم بدور البطولة فى فيلم «مذكرات خادمة»، وعندما تنتهى من هذا الدور تطير إلى مدينة البندقية لتقوم بدور البطولة فى فيلم «دعنى لولدي» الذى بدأه عبدالحليم حافظ فى مهرجان البندقية الماضي. ◄ أنا والمسرح ورمسيس وهناك نقطة خلاف بين لبنى وزوجها رمسيس نجيب حول اشتغالها بالمسرح فهى تريد التمثيل أيضًا على المسرح الذى تحبه وتعشقه والعروض التى تنهال على لبنى للتمثيل على المسرح كثيرة، لكنها لم تجد حتى الآن الدور المناسب ولا الرواية التى تلائمها، وهى فى حالة بحث عن الرواية والشخصية التى تريدها.. وتقول لبنى: كنت متحمسة جدًا لتمثيل دور جميلة، لكننى سافرت إلى الخارج، وكان لا بد من عرض المسرحية فى الموسم فأسند الدور إلى ممثلة غيري. ◄ سألتها: ما هو الدور الذي تتمنين أن تمثليه على المسرح الآن؟ البجعة أو الأخوات الثلاث لتشيكوف، وقد مثلت من قبل على مسرح الجامعة دور الأخت الثانية المصابة بازدواج فى شخصيتها.. إننى أحب هذا الدور جدًا. ◄ ورمسيس نجيب، هل ما زال متمسكًا باعتراضه على اشتغالك بالمسرح؟ يعتبر المسرح عملًا مرهقًا بلا نتائج سريعة، لكننى أريد أن أقدم شيئًا يستحق التضحية.. والمسرح بالنسبة لى متعة كبيرة. وبالمناسبة.. لقد قرأت لبنى معظم روايات شكسبير ومثلتها على مسرح الجامعة من قبل، ولذا سألتها: ◄ لماذا لم تقدمي روايات شكسبير؟ الحقيقة.. رأيت هذا العام مسرحية «عطيل» وأيضًا «تاجر البندقية»، وأحسست بضرورة ترجمة روايات شكسبير ترجمة جديدة، لأن اللغة التى ترجمت بها صعبة ومشوهة لبعض المعاني، ومع احترامى لخليل مطران إلا أننى أتمنى إعادة ترجمة روايات شكسبير. ◄ أبحث عن السعادة ◄ ماذا تقرئين الآن؟ بصراحة عندى موجة فلسفة هذه الأيام، ولذلك أقرأ كتبًا كثيرة فيها، وآخر كتاب قرأته للفيلسوف الإنجليزى العجوز برتراند راسل واسمه «الوصول إلى السعادة»، والسعادة فى رأيى تعنى التضحية من أجل المبادئ وليس من السهل على الإنسان العادى أن تكون لديه حرية الانطلاق والجهاد والتفكير من أجل السعادة. ◄ وهل وجدت السعادة؟ تنهدت لبنى من قلبها وقالت: أبدًا.. لم أجدها حتى الآن. ◄ فلسفة المرض وقد عاشت لبنى خلال الشهور الأخيرة فى صراع مع المرض، وكان مما يزيد حالتها النفسية سوءًا أنها كانت تحس دائمًا أن عمرها قصير فى هذه الحياة. وقالت لى لبنى والأسى يزحف على ملامحها: كنت دائمًا متحمسة لكل شيء مهما كان تافهًا، وكادت تحطمنى السرعة التى أسير بها، لكننى الآن لم أعد متحمسة لشيء. ◄ اقرأ أيضًا | تريند زمان l نهاية مؤلمة لقصة زواج لبنى عبد العزيز ◄ أسعد لحظات عمري وأسعد أيام لبنى عبدالعزيز اللحظات التى تقضيها مع أولادها فى الإذاعة والذين ينادونها ب«العمة لولو»، فهى تذهب مرتين كل أسبوع لتلتقى بهم فى أحد استوديوهات الإذاعة بعد أن تحمل لهم قطع الجاتوه والشوكولاتة لتوزعها عليهم.. إنها تلعب وتغنى وترقص معهم كأنها بنت 14 سنة. وتقول لبني: بالرغم من الثورة التى يقوم بها الأولاد فى الاستوديو فإننى أشعر بالارتياح النفسى معهم، ربما لأننا إذا رأينا الحياة من وجهة نظر الأطفال يصبح كل شيء جميلًا.. الأطفال الذين لم يدخلوا بعد فى أى تجربة.. إننى أحس معهم كأننى طفلة أرى الدنيا بمنظار وردي.. إن أهم شيء أن يعيش الإنسان كطفل ويموت كطفل. ومرة أخرى سرحت لبنى فى فلسفتها الجديدة وقالت: الصبر.. الصبر تعلمته فى فترة عملى فى السينما.. كنت دائمًا أنتظر من الذين أعمل معهم أن يؤدوا عملهم 100% كما أفعل أنا.. ولكن تعلمت كيف أنتظر منهم أقل من ذلك.. وهذا ما جعلنى راضية قانعة أكثر مما كنت.. تعلمت أن أتقبل كل شخص على علاته.. وهذا نوع من الصبر. ◄ لا أندم أبدًا ◄ قلت لها: هل أنت نادمة على شيء فى حياتك؟ لم أتعلم أن أندم أبدًا مهما كنت خاسرة.. إننى إذا التقيت بشخص وأوليته كل عنايتى وعطفى واتضح بعد ذلك أنه لا يستحق هذا العطف، فإننى لا أندم على شيء أعطيته له.. إن سعادتى أن أعطى فقط. ◄ ما الذي يعجبك في التلفزيون؟ الحقيقة ليس لديّ الوقت الكافي لمشاهدة كل برامج التلفزيون، لكنى أتابع أحيانًا بعض البرامج التى تعجبنى مثل برنامج «نجمك المفضل» الذى تقدمه ليلى رستم.. و»نور على نور» الذى يقدمه أحمد فراج. ◄ لماذا لا تمثلين في حلقات التلفزيون؟ أنا أفضل أن أحدد نشاطي، ويجب أن يكون للتلفزيون نجومه الخاصة. وسكتت لبنى لحظة ثم عادت تهمس وهى تلتقط الكتاب: اسمحى لى أن أعود إلى البحث عن السعادة. («آخرساعة» 8 أبريل 1964)