تحديات عديدة واجهت إدارة مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء في دورته ال33 التي تنطلق غدًا الجمعة، ولعل أبرز هذه التحديات التكلفة والميزانية الضخمة التي ارتفعت بشكل كبير هذا العام، والتي ترتب عليها تقليص عدد ليالي المهرجان إلى 9 فقط للمرة الأولى منذ سنوات، وزيادة أسعار تذاكره إلى 100 جنيهًا، وهو الأمر الذي أدى إلى استياء عدد كبير من جمهور ورواد المهرجان.. في الحوار التالي يتحدث د. علاء عبد السلام - رئيس دار الأوبرا المصرية - عن كافة التحديات التي واجهت إدارة المهرجان خلال فترة الإعداد والتحضيرات، وكيف تم التغلب عليها بأقل الأضرار، كما يُجيب على كافة الانتقادات المُتعلقة بأسعار التذاكر، وتقليص عدد ليالي المهرجان، وتكرار أسماء بعض النجوم المشاركين، وغيرها من التفاصيل الأخرى. في البداية.. حدثنا عن كواليس التحضيرات الخاصة بالدورة الجديدة من مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء؟ حرصنا على إعداد دورة متنوعة ومختلفة من حيث الفقرات الفنية والحفلات الغنائية، من أجل الخروج بدورة مُميزة لإرضاء جميع الأذواق، كما يضم برنامج الفعاليات عروض ومشاركات لفرق أجنبية مثل فرقة "إقليم جيتسيو الفلهارمونية" باسم الفنان دانيشراكيشيف من كازاخستان، وفرقة "لا ثوناجايتيرا" من كولومبيا، وهو التقليد السنوي لمهرجان القلعة الذي نحرص أيضًا على المحافظة عليه من أجل إثراء الجانب المتعلق بتنوع الفنون والثقافات، والحقيقة أود أن أتوجه بالشكر لجميع القائمين على المهرجان، فالتنوع الذي تشهده الدورة الحالية بفضل جهدهم وتعبهم، الذي أتمنى أن يُكلل بالنجاح، وتحظى الدورة بإهتمام جماهيري كبير. ما سبب تقليص عدد ليالي المهرجان خلال الدورة الجديدة إلى 9 فقط بعدما كانت تمتد لمدة أسبوعين متتاليين؟ تكلفة وميزانية المهرجان ارتفعت بشكل كبير، وأصبحت الضعف في كل شيء، سواء أجور الفنانين، العازفين، والمكافأت الخاصة التي يحصل عليها جميع العاملين طوال فترة المهرجان، فضلًا عن تكلفة وسائل نقل المعدات والآلات، وغيرها من التحديات التي واجهتنا خلال الإعداد للدورة الجديدة، لكننا لا نستطيع التقاعس عن دورنا الذي كلفتنا الدولة به، لذلك أصبحنا نهتم بالكيف وليس الكم، فالمعادلة أصبحت في غاية الصعوبة، ودار الأوبرا المصرية لا تستطيع وحدها تحمل تكاليف المهرجانات، لولا دعم د. أحمد فؤاد هنو - وزير الثقافة -، والأستاذ شريف فتحي - وزير السياحة والآثار -، والحقيقة أن النجاح الكبير الذي حققه المهرجان الصيفي مؤخرًا بالقاهرةوالإسكندرية رسالة قوية ومهمة أننا مازلنا قادرون، وذلك بفضل الله أولًا، والدعم الذي لا ينتهي من د. أحمد فؤاد هنو، ومعالي الفريق أحمد خالد حسن - محافظ الإسكندرية -، ودائمًا وأبدًا سيظل لدي الإحساس بالمسئولية تجاه بيتي الثاني، فأنا ابن الأوبرا منذ 30 عامًا، رغم اختلاف الظروف منذ ذلك الحين، وحتى يومنا هذا، فضلًا عن سرعة التطور وحجم التضخم الذي نشهده يوميًا، وكل الاحترام والتقدير لجميع الفنانين الذين يحرصون على المشاركة في فعاليات ومهرجانات دار الأوبرا المصرية، ويتنازلون عن جزء من أجورهم. أفهم من حديثك أن حجم التضخم الذي نشهده السبب وراء ارتفاع أسعار تذاكر الحفلات من 60 إلى 100 جنيهًا؟ بالطبع، وهذا القرار سبب لنا أرق كبير، لكن حجم التكلفة التي تصرفها دار الأوبرا من أجل إقامة نشاط كبيرة للغاية، ولا نستطيع تحملها وحدنا. واجه هذا القرار انتقادات عديدة، لاسيما أنه المهرجان الوحيد الذي يُتيح لجميع الفئات الاجتماعية الاستمتاع بحضور حفل لنجمهم المفضل بسعر رمزي، فضلًا عن أنه بدأ مجانيًا واستمر كذلك لأكثر من 20 عامًا، حتى أُطلق عليه "مهرجان الشعب"، أو "مهرجان الغلابة".. كيف ترى هذا الأمر؟ سؤالي لجميع المنتقدين: "هل فئة 100 جنيه تُسمن أو تُغني من جوع؟"، "بالطبع لا"، ويجب أن نسأل أنفسنا: "هل المهرجان عندما بدأ بشكل مجاني كان هذا الأمر في أي عام؟"، و"ماذا عن عدد أيام المهرجان وقتها؟".. المهرجان عندما بدأ مجانا كان يستمر لمدة 7 أيام فقط، وكانت الوزارة حينها اسمها وزارة الثقافة والآثار، بمعنى أن المكان ملكي، لكن الأمر اختلف اختلافًا كُليًا اليوم، حتى أن المهرجان الصيفي تقلصت عدد أيامه من 10 إلى 5 فقط، ونتخذ هذه القرارات بناءً على اجتماعات عديدة نبحث خلالها أقل الأضرار وأعلى المكاسب، من أجل الخروج بمهرجانات وأنشطة مُميزة في كافة تفاصيلها، وهو ما تحقق مؤخرًا مع المهرجان الصيفي الذي شهد نسب حضور عالية. لكن من المحتمل أن يُؤثر هذا القرار على نسب الحضور الجماهيري للمهرجان هذا العام؟ الجمهور يدفع في النجم نفسه أرقام كبيرة في أماكن أخرى، لكن عندما يتعلق الأمر بدار الأوبرا والتي مازالت أسعار تذاكر حفلاتها زهيدة مقارنة بالأماكن الأخرى نجد مهاجمين ومنتقدين، وتم مهاجمتنا هجوم شرس للغاية قبل انطلاق المهرجان الصيفي في القاهرةوالإسكندرية أيضًا، والعديد من زملائي نصحوني بالرد، لكنني إلتزمت الصمت، وقلت لهم "شغلكم اللي هيرد"، وهو ما حدث بالفعل، ولدي حُسن ظن بالله، فجميعنا بذلنا ما بوسعنا، والنجاح والتوفيق من الله. لماذا لم تتعاقد الأوبرا مع رعاة بشكل أكبر لحل أزمة التمويل؟ تعاقدنا مع شركة "تذكرتي"، وهي أحد الشركات القوية في المجال، والتي قدمت لنا الكثير، فضلًا عن أنها تحترم سياسة الأوبرا، ولها مني كل الاحترام والتقدير لجميع القائمين عليها، وعلى سعة صدرهم، وتقبلهم للأفكار والمناقشات بما يتوافق مع دار الأوبرا المصرية، وأهدافها، لكن هناك بعض الشركات التي رفضت عدد من الاقتراحات، ولهم مني أيضًا كل الاحترام والتقدير، والباب سيظل مفتوحًا أمام الجميع، فمن لم يعيً دوره تجاه وطنه والأوبرا اليوم، من المحتمل أن يفهمه مستقبلًا، فأنا أتعامل بدبلوماسية شديدة، وأعي قيمة المكان الذي أُديره، ويكفي أننا لدينا وزير داعم بقوة لكل ما يرفع شأن وزارة الثقافة والأوبرا، وأكن له كل الاحترام والتقدير. ما أبرز التحديات التي واجهتكم خلال الإعداد للدورة الجديدة أيضًا؟ لأننا مهرجان دولي، فهناك العديد من الفنانين والعازفين العرب والأجانب الذين طلبوا المشاركة في الدورة الحالية، لكن الإمكانيات حكمت، فضلًا عن أنني لدي نجوم مطلوبة أيضًا، كما لدي أولوية للفرق والنجوم التي لم تشارك منذ سنوات طويلة، ولابد أن يكون جدول الفعاليات متنوع حتى يُرضي جميع الأذواق، وهو ما كنا نحرص عليه، وكان أمامنا تحدي آخر، وهو اجتذاب جمهور جديد من فئة الشباب، لكن البعض طالبنا بأسماء نجوم لا تتفق هويتهم مع سياسة وهوية الأوبرا، إلى جانب المقارنات الظالمة والغير عادلة بالمرة التي تحدث بين نشاطات الأوبرا وأي أنشطة خارجية، فعلى سبيل المثال تحدث إليَ أحد الأشخاص موجهًا ليه سؤالًا: "ليه مش بتجيبوا 40 و80 عازف على المسرح؟"، وأنا فنان أولًا وأخيرًا، وأعيَ جيدًا قيمة أجر بعض الموسيقيين المرتفعة للغاية، ولا أُبالغ إن قلت أن أجر موسيقي واحد يعمل حفلة كاملة في الأوبرا، فهل يتخيل معي الجمهور الفرق الكبير؟. واجه المهرجان أيضًا انتقادات عديدة بسبب تكرار أسماء النجوم المشاركين في كل دورة.. كيف تعاملت مع هذا الأمر؟ هناك بعض الأسماء التي تُعتبر علامات في كل أنشطة الأوبرا، منهم المطرب الكبير علي الحجار، مدحت صالح، وغيرهم الكثير الذين يحرصون على المشاركة، وهناك عدد آخر من النجوم الذين يتكبرون على مهرجانات وأنشطة الأوبرا، فضلًا عن آخرون يضعوا أمامنا متطلبات غير منطقية الحدوث داخل الأوبرا، وبالتالي لم نصل إلى صيغة اتفاق مشتركة، لكنني أتخذ هذه الأمور بإيجابية، وأعي تمامًا أن عندما يعتذر أي فنان للمشاركة، فيكون الظهور من نصيب فنان آخر. ما سبب غياب الموسيقار الكبير عمر خيرت عن جدول حفلات الدورة الجديدة من المهرجان خاصة أن حفلاته في الدورات السابقة شهدت أعلى نسبة حضور جماهيري؟ له كل الاحترام والتقدير، فهو قيمة وقامة كبيرة، وفخر مصر والمصريين، وعلامة في أي مكان يتواجد به، والحقيقة أنه لم يتأخر يومًا عن طلب الأوبرا، لكن جدول أعماله المزدحم لهذا العام حال دون المشاركة في الدورة الحالية من المهرجان. من الملاحظ أيضًا غياب عدد كبير من الأصوات الشبابية باستثناء المطربين مصطفى حجاج وأحمد جمال مقارنة بالدورات السابقة؟ السوق عرض وطلب، فضلًا عن أنه مهرجان دولي، فكان لابد من مراعاة وافساح الطرق لمشاركة عدد من الفرق الأجنبية من كازاخستان وكولومبيا، وهذه المشاركات بدورها أخذت من مساحة وفرص نجوم آخرين. أخيرًا.. ما أمنياتك للدورة الجديدة؟ أتمنى النجاح والتوفيق من الله، وأشكر كل رؤساء الأوبرا ممن سبقوني من أساتذتي وزملائي على المجهود الكبير المبذول من أجل المحافظة على فنون الأوبرا، وأرجو من الجمهور الدفاع عن أوبرا مصر التي تُمثل هوية الدولة، وأعرق أوبرا في المنطقة حيث أُنشأت عام 1869، وعندما احترقت عام 1971 كان بمثابة "يوم أسود" على الفن بأكمله، والأوبرا أمانتنا، وجميع العاملين فيها مُدركين قيمة هذه الأمانة، لذا أرجو من الأشخاص التي تتحدث بدون وعي وفكر أن يُعيدوا التفكير، فضلًا عن أن نجوم الأوبرا هم فنانين على أعلى مستوى في كل المجالات، ولا يقلوا شيئًا عن النجوم الآخرين، لكن الفرصة متأخرة بعض الشيء لظهورهم بسبب الإنتاج المُكلف، والذي يحتاج لدراسة ودعم مالي قوي للغاية، فصناعة النجم اليوم صعبة، ويحتاج لدعم مؤسسة بالكامل، ليس شخص أو أثنين، من أجل استمراريته أولًا، ونجاحه جماهيريًا ثانيًا. اقرأ أيضا: «الأوبرا» تطلق فعاليات الدورة ال 33 من مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء