لم تعد قوة الدول تُقاس بالدبابات أو الذهب أو ناطحات السحاب، بل بما تملكه من عقول حرة وتعليم فعّال ومعلمين صُنّاع نهضة. التعليم اليوم قضية وجود، لا رفاهية، وهو الشرط الأول لأى مشروع وطنى حقيقي. كل صناعة وابتكار واقتصاد مزدهر يبدأ من فصل دراسي. ألمانيا، بعد دمار الحرب، أعادت بناء مدارسها قبل مصانعها، فصارت قاطرة صناعية لأوروبا. وفنلندا جعلت المعلم الأعلى راتبًا، واشترطت أن يكون من الأوائل، فتصدر تعليمها العالم رغم قلة مواردها. أما فى مصر، فالأزمة ليست فى الكفاءات أو النوايا، بل فى غياب الرؤية والإرادة المستمرة. مشروعات تُطلق ثم تتآكل فى البيروقراطية. تعليم شكلي، حفظي، لا يربّى على التفكير أو الابتكار، ومناهج مثقلة، ومعلم مُرهق، ومخرجات بعيدة عن احتياجات سوق العمل. نسبة الأمية فى مصر ما زالت تقارب 25%، وخريجون بلا مهارات يتزاحمون على وظائف حكومية روتينية. ما نريده تعليمًا يصنع الإنسان قبل الموظف، مناهج تحترم عقل الطالب، معلمًا مكرّمًا، ورؤية وطنية مستقرة لا تتبدل بتغير الوزراء. نريد أن نعيد الاعتبار للجامعة كمكان للتفكير، وللمدرسة كمؤسسة تكوين. كما قال ميلتون فريدمان عن تايوان: «يمكنك أن تملك النفط والذهب، لكنك لن تملك المستقبل ما لم تحفر فى عقول أبنائك.» فهل نأخذ الدرس ونبدأ من حيث يجب أن نبدأ؟