تلك بعض الإيجابيات التى احتسبها للحكومة والتى أحيى فيها المسئولين فى مواجهة هذه الظواهر البربرية. منذ أن نشأت جماعة الإخوان الإرهابية اعتمدت خطابا تحريضياً يقيم العداء بين اتباعهم وبين الواقع، كان الهدف هو تغيير الواقع، ولكن فى أى اتجاه يكون التغيير، ذلك ما جعل الإخوان مأساة الحاضر ومشكلة المستقبل. عندما أنشأ المرشد الأول حسن البنا ما أطلق عليه النظام الخاص الذى اعتمد التدريب العسكرى وطريقة صنع القنابل اليدوية واتقان أساليب حرب العصابات كانت غاية الشيخ كما كشفت الأحداث فيما بعد أن يلوح بعصاه دون أن يضرب بها أو هكذا تصور، ولكن التنظيم أفلت من عباءة الشيخ ومارس أول اغتيال سياسى دون إذن من المرشد عندما اغتال القاضى الخازندار الذى أصدر أحكاماً ضد بعض الإخوان وحينما علم الشيخ حسن البنا بذلك أصابه فزع ليس بسبب حادثة القتل وإنما بسبب تصرف النظام المخصوص دون إذن منه، فلما استدعى قائد الحرس المخصوص وسأله عن سبب قيامه باغتيال القاضى دون إذن أو فتوى قال: لقد سمعت الفتوى من فضيلتكم.. فقال الشيخ حسن البنا: متى كان ذلك فأجابه: عندما سألتك ما رأى فضيلتكم فى من يحكم بغير ما أنزل الله ويضطهد ويطارد عباده المؤمنين؟ فأجبتنى فضيلتكم بأنه كافر يستحق القتل! لم يقتنع المرشد الأول بهذا الرأى وقرر أن يدفع الإخوان الدية لأهل القتيل ولكنهم طوروا الفتوى حتى وصلوا إلى أن حماية القتيل من مسئولية الحكومة وبالتالى فإن الخطاب الدينى الذى اخترعوه وأقحموه فى الحياة السياسية يقسم المجمتع إلى قسمين غير متصالحين، قسم المؤمنين وقسم الكفار ومهما حاول الإخوان ادعاء الوسطية فإنه لا يمكن الإفلات من هذا التقسيم. وها هو التاريخ يعيد نفسه جبهة جماعة الإخوان كجبهة الصمود والتصدى التى لم تتصد إلا للدور المصرى تماماً كما تفعل الجماعة الإرهابية وقوى الممانعة التى لم تمنع الحرب على غزة ولم تشارك فى نصرة أهالى غزة، ولكنها تمانع فى قيام مصر بدورها العقلانى الذى تتولاه طوال السنوات الماضية والدعم الذى قدمته للسلطة الفلسطينية منذ مولدها وجهود المصالحة المضنية بين الفلسطينيين منذ تضخم الخلاف بين فتح وحماس التى شقت صف المقاومة الفلسطينية والقرار الفلسطينى وتصورت أنها انتصرت بتحرير غزة من كوادر فتح ووضعت نفسها فى وضع لا تحسد عليه بالخلط بين دورها كقوة مقاومة واغتصبت لنفسها دور السلطة المسئولة عن الإعاشة وتوفير متطلبات المواطن الفلسطينى فى غزةالمحتلة والمحاصرة وسط رفض دولى وعدم تعاطف شجع إسرائيل على حصار غزة وتجويعها فى مسلسل وحشى انتهى بهذه المجازر التى أوقعت حتى الآن عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى الجوعي! وعندما نجح مجلس الأمن فى إصدار القرار رقم 1860 لوقف النار منذ سنوات ذكر القرار الجهود المصرية مرتين وشدد على ضرورة دعم الجهود المصرية للتهدئة وهذا جاء تأكيداً من المجتمع الدولى على أهمية الدور المصرى وحجم ما تقوم به مصر للقضية الفلسطينية، وهذا ما يؤكد الدور المصرى وتقديره عالمياً. وحتى اليوم لم ترتكب مصر خطأ بحق الفلسطينيين ولم تتاجر يوماً بقضيتهم التى تتحملها كقدر ومسئولية، تفرضها التزاماتها القومية والأمن القومى العربى والأمن القومى المصرى، ولكن مصر المسئولة تدرس معطيات الموقف وتتخذ قراراتها فى ضوئه وليس فى ضوء التهييج الإعلامى. الآن فإن بعض القوى تطالب مصر بالحرب حتى دون أن تعرض المشاركة فيها، وهذا موقف غريب وكأن مصر يجب عليها أن تدخل كل يوم حرباً يدفعها إليها مناضلو الفضائيات «كالحية وغيره» ومن حق الآخرين أن يرتكبوا الأخطاء وأن يتركوا بلادهم محتلة ويتفرجوا علينا وإن لم نفعل ذلك نتعرض للهجوم والاتهامات بالتخاذل!. التعدى على الأرض الزراعية نستطيع القول إن جهود الحكومة فى مكافحة التعدى على الأراضى الزراعية قد نجحت إلى حد بعيد، فمع إدخال التصوير الجوى أصبحت هناك رقابة مركزية على أى محاولة للاعتداء على الرقعة الزراعية التى كان يضيع منها مئات الآلاف من الأفدنة سنوياً، ذلك لأن الاعتماد على موظفى المحليات لم يكن مجدياً، أما التصوير الجوى فلا يمكن التلاعب فيه، ولا يمكن تضليله، ورغم كل ذلك ورغم تشديد أحكام العقوبات الخاصة بالبناء على الأراضى الزراعية إلا أنه لا تزال هناك انتهاكات تتم ملاحقتها يومياً. ولولا ذلك التدقيق الشديد والحزم فى مواجهة تلك الظاهرة التى كلفتنا كثيراً من الخسائر بفقدان مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية الخصبة التى لا يمكن تعويضها بسهولة لضاعت منا نصف الأرض الزراعية التى نعيش عليها ومنها نأكل.. وعلى الجانب الآخر فأن التعديات التى تتم على نهر النيل تعامل بنفس الجدية لأن نهر النيل تعرض فى العهود السابقة إلى امتهان شديد من أولئك الذين لا يراعون مصلحة الوطن وكل همهم هو تحقيق المكاسب الشخصية. تلك بعض الإيجابيات التى احتسبها للحكومة والتى أحيى فيها المسئولين فى مواجهة هذه الظواهر البربرية لأن الجشع قد دفع بعض أصحاب الكازينوهات والنوادى الاجتماعية إلى مد أرجلهم على صفحة النهر المقدس دون وازع من ضمير وطنى ولا قوانين حاسمة. أما الآن فقد تم القضاء على هذه الظواهر الإجرامية وهذا لا يعنى أن نسترخى وأن نتهاون فى التفاعل مع هذه التعديات الإجرامية، تلك مسئولية قومية، وقد أحسنت الإدارات المختصة تطبيقها بحزم على الجميع ولم نسمع عن أى استثناءات قدمت إلى هذا أو ذاك. ذلك جهد مشكور نثنى على جميع المسئولين الذين تولوا هذه المهمة ونرجو لهم مزيداً من التوفيق واليقظة لأن النزعات الشريرة تكمن فى نفوس مرضى النفوس أعداء الوطن. من يبنى بيتك؟! دعانى أحد الأصدقاء لزيارته فى مدينة السادس من أكتوبر وبالتحديد فى أحد التوسعات الجديدة «حدائق أكتوبر» التى تشهد توسعات عمرانية تتم على أحدث نظم التخطيط والإنشاء العمرانى، مبانٍ سكنية وخدمية اتخذت طابعاً جمالياً رائعاً، مساحات خضراء، مراكز تسوق، طرق متسعة آمنة على أعلى مستوى. ورغم ارتفاع درجات الحرارة إلا أننى كنت مستمتعاً برؤية هذه التجمعات السكانية - التى لا تقل كثيراً عن ال «كمبوندات» باهظة الثمن - والتى يحلم أى شاب أو أسرة أن يكون له نصيب فى وحدة سكنية تتوافر لها كل الشروط والمواصفات الهندسية والبيئية من حيث الشكل والجودة والارتفاعات واللمسات الجمالية التى تجذب الأنظار وتريح النفس. ارتفاعات لا تزيد عن 6 طوابق إدارية، ألوان المبانى أكثر بهجة، مراكز طبية ومدارس تحت الإنشاء، عمليات التشجير المنسقة والمنتشرة فى كل ركن وميدان وشارع وعلى جانبى الطرق، باختصار تشعر وكأنك مقيم فى منتجع سكنى فاخر. لكن ما صدمنى بل أصابنى بالاكتئاب هو مناطق ما أطلق عليه مشروع «ابنى بيتك» الذى أوقفته الحكومة بعد أن فشل ولم يحقق أى نجاح على الإطلاق، بل إن المشروع أهدر ثروة عقارية قومية كان من الممكن أن تكون دافعاً للتقدم والنجاح ورفع مستوى المعيشة للملايين من الشباب بتوفير وحدة سكنية مدعمة من الدولة.. ويتلخص المشروع الفاشل فى قيام الدولة بتوزيع مساحة من الأراضى لكل شاب أو أسرة لكى يقيم عليها بيتاً له ولأسرته، كما وفرت لهم مواد البناء بأسعار تعاونية ومدت لهم المرافق والخدمات. لكن كانت النتيجة مبانى عشوائية مشوهة تنافس المناطق العشوائية التى قضت عليها الدولة منذ سنوات ومنها ما كان يمثل خطورة على ساكنيها وعلى المجتمع. ليس ذلك كل ما حدث لكن تبين لى أن الآلاف من هذه الوحدات العشوائية التى تمت إقامتها وبناؤها مخالفة بكل شروط البناء، هذه المبانى خالية تماماً من السكان والكثير من أصحابها. ونتج عن ذلك خسائر وإهدار للثروة القومية من مواد البناء ومساحات من الأراضى المرفقة والمخططة جيداً. لكن أسيئ استخدامها فى عمليات البناء - مساحات من الأراضى أنفقت عليها الدولة المليارات من الجنيهات لكى تصبح صالحة لإقامة مجتمعات سكانية حضارية بعيداً عن العشوائية والتخطيط العمرانى. على الحكومة أن تعيد تقييم تجربة مشروع «ابنى بيتك» لبيان أسباب الفشل حتى لا تتكرر مرة أخرى وحتى يتم تحقيق الاستفادة مما تم فى هذا المشروع ولو أن الحكومة قد قامت بتصميم نموذج لبناء بيوت الشباب خاصة وأن المساحات متساوية وأعطت كل شاب أو أسرة التصميم لكى يلتزم بتنفيذه مع متابعة إشراف وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة لكانت النتائج أفضل بكثير ولو تحقق ذلك لاستطعنا إضافة لمسة عمرانية جديدة إلى جانب ما تحقق من إنجازات ناجحة.