لم يكن هذا الصيف في فرنسا مثله مثل باقي السنوات الماضية، حيث كشفت الأرقام والتحليلات، عن توحش كبير بات يترسخ في المدن التي كانت في السابق هادئة، يتمثل في تصاعد استهداف قوات الأمن والاشتباكات على خلفية تجارة وتهريب المخدرات وتصفية الحسابات، والعنف الممنهج ضد المسئولين المنتخبين. وفي تحليلها الصادم، كشفت صحيفة « لو جورنال ديمونش» الفرنسية، عن أن جغرافيا جديدة بدأت تترسخ في فرنسا، حيث لم يعد العنف موجودًا فحسب، بل أصبح أمرًا عاديًا، فلا شيء يصمد أمامه، لا في المدن الكبرى ولا المنتجعات السياحية، وامتد العنف إلى أحياء ريفية كانت هادئة سابقًا. دمار وحرائق خلال الشهر الحالي فقط، كانت التوترات على أشدها في تلك المناطق الريفية، ففي منطقة بيزييه، هاجم نحو أربعين شابًا ملثمًا الشرطة بالألعاب النارية، و تسببوا في دمار وحرائق سيارات ومنازل وإصابة ضباط، أما مدينة ليموج، فتم وصفها بأنها ارتجفت عندما احتل 100 شخص الطريق السريع عدة ساعات. وفي منتجع شهير بمقاطعة مانش، جاب ثلاثين بلطجيًا المنطقة وتعدوا على المطاعم والمحلات السياحية، وهاجموا سائقي السيارات واشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب، وتعرض العشرات للإصابات، وعززت الداخلية من نشر أفرادها في الشوارع لمحاولة السيطرة على المجرمين. أرقام وزارة الداخلية الفرنسية، التي نشرها التحليل الفرنسي، تكشف عن أن المدن الفرنسية متوسطة الحجم، التي يتراوح عدد سكانها بين 20 ألف و 100 نسمة، أصبحت بؤرة اضطراب منظمة، ولم تعد هادئة كما كانت في الماضي، وتنوعت بين العنف الجسدي، والاعتداءات على المسئولين المنتخبين، والكمائن التي تستهدف رجال الإطفاء والشرطة. زيادة فى الهجمات وفقا لوزارة الداخلية الفرنسية، سُجل,8875 اعتداءً على رجال الشرطة والدرك الوطني في عام 2024، بزيادة 15% مقارنة بعام 2023، وفي عام 2025، لوحظت زيادة حادة في الهجمات، خاصة خلال أعمال الشغب التي تلت بعض الأحداث الاجتماعية أو عمليات مكافحة المخدرات. بلغت القيمة السوقية للمخدرات غير المشروعة في فرنسا ما يقارب 3.6 مليارات يورو سنويًّا، بحسب التقارير الأمنية، وزادت حصيلة مضبوطات الكوكايين بنسبة 25%، حيث ضُبط أكثر من 27 طنًّا، مقارنة ب 21.5 طن في 2023، بينما لا يزال القنب الهندي الأكثر تداولًا، حيث تم ضبط 123 طنًّا، بزيادة 12% عن العام السابق. وأظهرت أحدث دراسة، وفقا للتحليل، عن أن 45% من الشباب تحت سن 25 سنة في المناطق الفقيرة اعترفوا بتعاملهم مع شبكات المخدرات بشكل مباشر أو غير مباشر، في الوقت الذي سجلت فيه الأرقام 323 عملية تصفية حسابات وعنف بين العصابات، نتج عنه 142 قتيلا بزيادة 30 %. أروقة القضاء الفرنسى وتبين أن 60% من الضحايا كانوا من الشباب تحت سن 30 عاما، وغالبا ما يكونوا مرتبطين بعصابات «المخدرات الصغيرة» أو «التهريب»، وكانت مدينة مارسيليا الأكثر تأثرًا حيث شهدت 40% من إجمالي الحوادث، تليها مدن باريس وليون، إلى أن تصل الأرقام إلى الأحياء الهادئة، وتعج أروقة القضاء الفرنسي، بعشرات القضايا المشابهة. ولتحقيق أهدافهم، لم يعد تجار المخدرات يترددون في اللجوء إلى أساليب ترهيب متطرفة، حتى تصوير وبث عمليات الإعدام لمنافسيهم، والتي نشرت كرسالة تهديد على وسائل التواصل الاجتماعي، كان من بينها انتشار فيديو لشاب يبلغ من العمر 19 عاما، مصابا بالرصاص ومتفحم حتى الموت في ريف إليسيان. وفي مدينة نيم التي كانت هادئة، تسبب سلسلة من عمليات إطلاق النار، وتصفية الحسابات، والتوترات بين العصابات، في فرض حظر التجول على القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما لمدة 15 يوما، بهدف السيطرة على المدينة وحماية القاصرين من السرقة في الشوارع ومنع تعرضهم للسرقة. استهداف وتهيئة وفي محاولة لردع ذلك، عملت الحكومة الفرنسية على زيادة عدد أفراد الأمن المخصصين لمكافحة المخدرات إلى 10 آلاف عنصر إضافي، وأطلقت «خطة مارسيليا الكبرى» بميزانية 100 مليون يورو لاستهداف شبكات المخدرات وتأهيل الأحياء الفقيرة، وإجراءات أشد صرامة. أما بالنسبة للنساء، فلم يعد لديهم مكانا خلال الفعاليات، كونهن معرضات لخطر التحرش أو الإهانة أو إلقاء الزجاجات عليهن، وصرن مجبرن على البقاء في المنازل خوفا من التعرض للاعتداء، حتى في احتفاليات كرة القدم، حيث كانت احتفالات فوز باريس سان جيرمان الماضية نقطة سوداء في تاريخهم. وأكدت رئيسة جمعية روعة النساء الفرنسية، المعنية بقضايا الدفاع عن المرأة، أنه تم تسجيل في تلك الليلة 145 حالة اعتداء وحشي على الفتيات، وفي المجمل ارتفع عدد جرائم العنف الخطيرة المُبلغ عنها، كالاغتصاب والاعتداء الجنسي والإكراه الجنسي، بأكثر من تسعة بالمئة ليصل إلى 13,320 حالة. انسحاب وانهيار الخدمات وخلال الأيام الماضية، تعرضت فرنسيتان للاعتداء بوحشية، إحداهما طعنت 3 مرات عندما حاولت الدفاع عن هاتفها من السارق، أما الأخرى فقد خنقت في قلب ساحة شان دي مارس الشهيرة، لمجرد أنها حاولت الدفاع عن كلبها الذي كان يتم محاولة سرقته. ووفقا للتحليل، فإن انسحاب الدولة وانهيار الخدمات، جعل العصابات تزدهر، وبات المسئولون المحليون وحدهم في الخطوط الأمامية بالأحياء، ولم يعد بإمكانهم سوى سد الثغرات، أمام العنف الذي يتجذر ويتحرك ويُلوّث أكثر المناطق الهادئة في فرنسا، مشيرين إلى أن وهم المناطق المحمية بات خيالا. ويرى الخبراء أن الأمر ليس صدفة، حيث باتت الظاهرة تتجذر، وباتت تجارة المخدرات، التى كانت متركزة لفترة طويلة في المدن الكبرى، تنتقل الآن إلى مناطق أكثر تحفظا وأقل رقابة وأسهل وصولا، ووفقا لديوان المحاسبة الفرنسي، فإن 79% من البلديات الفرنسية تتأثر الآن بتجارة المخدرات. اقرأ أيضا: فرنسا فى صدمة بسبب ارتفاع معدلات العنف ضد النساء