الخبراء: انفعال لحظى يفرغ القضايا من مضمونها وسط سيل متدفق من المنشورات اليومية والتعليقات المتلاحقة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر فجأة قضية مأساوية أو حادثة فجة تشعل مشاعر الجمهور، وتتصدر قوائم الترند. لكن سرعان ما يخفت هذا الضجيج الرقمى، وينصرف المتابعون إلى قضية جديدة، وضحية أخرى، دون أن يترك تفاعلهم أى أثر فعلى فى الواقع. اقرأ أيضًا| رئيسة «قطور» بالغربية تلزم سائقي التوكتوك والميكروباص بالتعريفة المحددة هذه الظاهرة التى يُنظر إليها أحيانًا كدليل على «إنسانية العصر الرقمى»، يصفها متخصصو علم النفس والاجتماع والإعلام بأنها تعاطف زائف، ووجه جديد من أوجه الوعى الزائف، حيث لا يتجاوز التفاعل حدود الشاشة ولا يترجم إلى سلوك فعلى أو التزام أخلاقى أو اجتماعى. «الأخبار» تناقش فى هذا التحقيق مع الخبراء والمتخصصين ظاهرة التعاطف الزائف وأثرها على المجتمع وكيفية صناعة وعى حقيقى داخل العالم الافتراضي. فى البداية تُستخدم الحملات السطحية أو التريندات الوهمية فى التأثير على الرأى العام، كما وُثّق فى أبحاث حول استخدام تنظيمات سياسية لجماهير رقمية ضبابية للتأثير على النقاش العام دون أن تُترجم تلك التفاعلات إلى فعل حقيقى أو دعم اجتماعى فعّال.. ففى وسط 40 مليون مستخدم للسوشيال ميديا فى مصر، معظمهم من فئة الشباب بين 18 و34 عامًا، تتزايد ظاهرة «التعاطف الزائف» أو ما يُعرف بالمشاركة الرمزية، حيث يكتفى كثيرون بالتفاعل مع القضايا الإنسانية والاجتماعية عبر مشاركة منشور أو هاشتاج، دون أى انخراط فعلى على أرض الواقع. اقرأ أيضًا| إطلاق حملة على مركبات التوكتوك للتأكيد على الالتزام بالتعريفة بدمياط تشير دراسات دولية إلى أن 71% من المستخدمين يشعرون بأنهم ساهموا فى قضية ما لمجرد نشر محتوى عنها، حيث تحوّلت التريندات إلى بديل سهل للتضامن الحقيقي، وسط غياب دراسات محلية ترصد حجم هذه الظاهرة رقميًا، رغم ما تحمله من تأثير عميق على وعى الأفراد وتوجهات الرأى العام. شاب التوكتوك ولعل حادثة صغيرة قبل أسابيع قليلة قد تكشف هذه الدراما الرقمية، فقد انتشر فيديو يظهر فيه شاب صغير 15 عاما يُدعى شهاب، يقود «توكتوك» ويحمل سلاحًا أبيض، وسط منطقة شعبية فى القاهرة. الفيديو أثار موجة ضخمة من التفاعل: تعليقات حزينة، منشورات عن الطفولة الضائعة، وصور سوداء كتب عليها «العيال كبرت قبل أوانها». سرعان ما انقسم الجمهور إلى معسكرات: متعاطفون، مهاجمون، وساخرون يصنعون الميمز والنكات. لكن وسط هذا الصخب، تلاشت الأسئلة الجوهرية: من أين جاء السلاح؟ أين أهله وأسرته؟ هل الطفل ضحية أم بلطجى صغير؟ القضية الأصلية تم تهميشها لصالح الاستعراض العاطفى والبحث عن التفاعل الرقمى وربما شحن الجمهور ؟ تعاطف مشوه وإلى قصة وحكاية أخرى وهى طليقة الفنان الشهير التى ظهرت فى أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة وهى تعرض لوحات لها ليكتشف أنها تم سرقتها ونسبها لنفسها، لتهاجمها السوشيال ميديا وبعدها يتعاطف معها الكثيرون، وتشعل رسوماتها المسروقة مواقع التواصل لساعات. مئات الحسابات نشرت قصتها، ودعوات للتعاطف معها، وهاشتاجات تصدرت الترند. لكن بعد أيام، لم يتابع أحد ما آل إليه قضيتها، وتحولت إلى اسم منسى وسط موجة جديدة من القصص المؤقتة وغيرها التى من الممكن ان يكون التعاطف معها زائفاً ومدمراً للمجتمع فى أحيان اخري. اقرأ أيضًا| مدير أمن الغربية: استمرار حملات المرور لضبط مركبات التوكتوك المخالفة وفى واقعة مأساوية أخري، أطلق مستشار قانونى سابق الرصاص على طليقته وأرداها قتيلة أمام المارة فى الممشى السياحى ب6 أكتوبر، بعد أن تتبعها من الهرم بدافع الانتقام..التحقيقات كشفت أنه انفصل عنها منذ 2021 بعد زواج دام 14 عامًا، أنجبا خلاله 3 أطفال، وكانت الخلافات مستمرة بسبب منعه من رؤيتهم.. برر المتهم جريمته بشكوك فى «خيانة» طليقته بعد زواجها العرفى من آخر، رغم أنها لم تعد على ذمته. المفارقة أن بعض مستخدمى السوشيال ميديا تعاطفوا معه واعتبروا ما فعله «من دافع القهر»، متجاهلين أنه قاتل تتبع ضحيته وأعدمها بدم بارد. هذه الحالة تكشف بوضوح كيف يُستبدل الوعى الأخلاقى بتعاطف مشوّه، وتُبرر الجريمة بمبررات عاطفية زائفة على منصات التواصل وتحويل الجانى إلى مجنى عليه. تفسير نفسي الدكتورة نيفين حسني، استشارية علم النفس الرقمي، تصف هذه التفاعلات بأنها «انفعالات لحظية» تغذيها الخوارزميات، وتُشبع حاجة المستخدم للشعور بالانتماء والظهور الأخلاقي. لكنها لا تعبّر بالضرورة عن تعاطف حقيقي، بل تدخل فى إطار ما يُعرف بDigital Pseudo-Empathy، أو التعاطف الرقمى الزائف. داعية إسلامى: مرفوض شرعًا.. ومن أمن العقاب أساء الأدب وأضافت استشارى علم النفس الرقمى وعضو الهيئة الاستشارية العليا لتكنولوجيا المعلومات، أن ما نتابعه على السوشيال ميديا من موجات تعاطف سريعة ومكثفة تجاه قضايا مجتمعية، مثل واقعة «شهاب طفل التوكتوك» وغيرها، لا يُعد دائمًا انعكاسًا لمشاعر حقيقية، بل فى أحيان كثيرة هو تعاطف زائف تُحركه الخوارزميات وتُغذيه الحاجة النفسية للانتماء والظهور. وأضافت د. حسني، فى تصريحات خاصة ل»الأخبار»، أن السوشيال ميديا لم تعد مجرد مساحة للتعبير، بل أصبحت بيئة رقمية تُشكّل استجاباتنا الشعورية والفكرية، و»تعيد برمجة» سلوكيات الجمهور، لدرجة أن بعض المستخدمين باتوا يُظهرون الحزن أو الغضب بمجرد رؤية منشور عليه تفاعل مرتفع، دون التحقق من تفاصيله أو فهم سياقه. وهو ما يطلق عليه علم النفس الرقمى Digital Pseudo-Empathy، أو «التعاطف الرقمى الزائف»، وهو ليس إلا رد فعل مزيف لمشاعر غير موجودة فى الواقع، بل تُستخدم كوسيلة لإثبات الحضور أو الإحساس الزائف بالوعي. وأوضحت أن ثقافة التريند فرضت نموذجًا جديدًا للتعاطف السطحي، حيث لم يعد الهدف هو حل المشكلة أو التضامن الحقيقي، بل كسب التعاطف الرقمي، والحصول على لايكات، ومشاركة اللحظة فقط، مشيرة إلى أن حادثة الطفل الذى ظهر يحمل سلاحًا فى الشارع نموذج واضح لما وصفته ب»تسليع المأساة»، حيث انقسمت الآراء بين متعاطفين ومهاجمين وساخرين، وأشارت إلى أن هناك مجموعة من الاحتياجات النفسية تدفع البعض إلى التعاطف الزائف، أبرزها ما يسمى ب»التغذية النفسية الفورية»، حيث تمنح منصات التواصل شعورًا سريعًا بالرضا عن الذات دون فعل حقيقي. وهذا النوع من التفاعل يخلق ما يُعرف ب»البلادة الرقمية»، أى الاعتياد على الأزمات لدرجة فقدان الإحساس الحقيقى بها، فيتحول الجمهور من جمهور متفاعل إلى جمهور متبلد. وأكدت د. نيفين أن الخطر الأكبر لا يكمن فقط فى الزيف، بل فى إعادة توجيه بوصلة الوعى المجتمعى نحو القشور، بحيث تصبح «صورة مؤثرة» أو «فيديو مبكي» أكثر تأثيرًا من تحليل علمى أو نقاش جاد، وهو ما يؤدى إلى اختزال القضايا وتشويهها، ويصنع أجيالًا تتفاعل بالعاطفة وليس بالعقل. واختتمت حديثها بالتأكيد على أن الحل ليس فى كتم المشاعر، بل فى تربية وعى رقمى ناقد، يُمكّن المستخدم من أن يفرّق بين التفاعل الحقيقى والاصطناعي، بين التعاطف البنّاء والاستعراض العاطفي، مشددة على أن السوشيال ميديا يمكن أن تكون أداة وعى حقيقى إذا أحسنّا استخدامها، لكنها قد تكون أداة تضليل جماعى إذا انسقنا وراء العواطف اللحظية دون تفكير. يصنع وعيًا مشوشًا لا يخدم العدالة وعى هش أما الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع، فتشير إلى أن هذه الظاهرة تُنتج «وعيًا هشًا»، قائمًا على المشاركة لا الفهم، والانفعال لا التغيير. وتقول إن التفاعل السطحى مع القضايا المجتمعية يفقدها عمقها، ويجعلها مادة استهلاكية عاطفية أكثر منها محفزًا للوعى أو الإصلاح. وأضافت أستاذ علم الاجتماع، أن ما نشهده اليوم على مواقع التواصل الاجتماعى من تعاطف مفرط مع القضايا الإنسانية والجرائم هو فى كثير من الأحيان «تعاطف زائف» لا يحمل أى عمق اجتماعى حقيقي، بل يُعد سلوكًا سطحيًا ناتجًا عن تفاعل لحظى ومؤقت سرعان ما يختفى مع ظهور تريند جديد. وأضافت د. خضر، فى تصريحاتها ل»الأخبار»، أن التعاطف الزائف يفرغ القضايا من مضمونها ويختزلها فى شعارات ومنشورات و»هاشتاجات» لا تؤدى إلى أى تغيير فعلى فى سلوك المجتمع أو إصلاح جذور المشكلة، موضحة أن التكرار السريع والموسمى لبعض الأحداث يجعل الناس يتعاملون معها وكأنها مشهد من مسلسل، وليس واقعًا يحتاج إلى تدخل علمى أو مجتمعى حقيقي. وأشارت إلى أن السوشيال ميديا ساهمت فى خلق «وعى هش»، قوامه الانفعال والتأثر السريع، دون تحليل أو فهم أو تحقيق، وهو ما يتنافى مع المفهوم الحقيقى للوعى الاجتماعى الذى يعتمد على الإدراك العميق، والمتابعة المستمرة، والقدرة على التمييز بين ما هو حقيقى وما هو مفتعل أو موجه.. وشددت على أن هذا النوع من التعاطف لا يبنى مجتمعًا متماسكًا، بل يعمق الانقسام، ويغذى السلبية، لأنه يُنتج أفرادًا يشعرون أنهم أدوا دورهم لمجرد الضغط على زر إعجاب أو مشاركة، فى حين أن المطلوب هو مشاركة مجتمعية واعية تترجم إلى أفعال، مثل التثقيف أو التطوع أو المشاركة فى النقاشات العامة الجادة. واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية دور المؤسسات التعليمية والإعلامية فى تشكيل وعى حقيقى مستند إلى قيم علم الاجتماع والعمل الجماعي، وليس إلى العاطفة العابرة أو الاهتمام الموسمي، فالمجتمع السليم لا يبنى على «التريند»، بل على التراكم المعرفى والمسؤولية الاجتماعية. بلادة رقمية والتقط منها طرف الحديث الدكتور وليد هندي، استشارى الصحة النفسية، والذى حذر من أن تكرار التعاطف الزائف يؤدى إلى حالة من «البلادة الرقمية»، حيث يصبح الجمهور غير قادر على التأثر الحقيقى مع القضايا، نتيجة التكرار والاستهلاك العاطفى المفرط دون نتيجة ملموسة، مشيرا أن ما يعرف ب»التعاطف الزائف» على منصات التواصل الاجتماعى هو فى جوهره اضطراب نفسى واجتماعى يعكس خللًا فى الوعى الجمعي، ويجعل المستخدمين أسرى لمشاعر وقتية لا تمتّ للواقع بصلة، بل فى كثير من الأحيان تؤدى إلى نتائج عكسية. وأضاف د. هندي، فى تصريحاته ل»الأخبار»، أن وسائل التواصل خلقت ما يشبه «وهم المشاركة». المتاجرة بالمآسى تصنع تريندات وهمية حيث يظن الإنسان أنه أتمّ واجبه الإنسانى أو الأخلاقى لمجرد كتابة تعليق أو مشاركة صورة، فى حين أنه لم يتحرك خطوة واحدة فى الواقع لخدمة أى قضية حقيقية. واصفًا ذلك ب»الإشباع الزائف للمشاعر»، الذى يمنح المتابعين إحساسًا زائفًا بالرضا دون أى جهد أو فهم. وأوضح أن التفاعل السطحى والمتكرر مع القضايا - خاصة الجرائم والمآسى - يحوّل الإنسان نفسيًا إلى متلقٍ مُتبلد المشاعر بمرور الوقت، لأن كثافة التكرار دون عمق تضعف الارتباط الوجدانى وتخلق حالة من «الإنهاك العاطفي»، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تُعد أحد أسباب تراجع الاهتمام الحقيقى بالقيم المجتمعية والإنسانية. وأشار إلى أن بعض المستخدمين يندفعون نحو التعاطف الزائف بدافع الحاجة للانتماء أو جذب الانتباه، وهو ما تروّج له الخوارزميات الذكية التى ترصد المشاعر وتوجه التفاعل، مضيفًا أن كثيرًا من المحتويات التى تُغلف بغلاف «الوعي» تكون فى حقيقتها أدوات للتهويل أو الاستعراض العاطفي، دون أى مضمون حقيقى أو وعى بالمشكلة. وأكد هندى أن ما يسمى ب»الوعى الزائف» يمثل خطرًا نفسيًا واجتماعيًا، لأنه يعطّل التفكير النقدي، ويجعل الناس أكثر عرضة للتأثر بالشائعات والتهييج الرقمي، وهو ما يؤثر بدوره على الحالة النفسية العامة، ويزيد من نسب القلق والاكتئاب والشعور بالعجز الجمعي. واختتم حديثه بالتأكيد على أن الصحة النفسية فى المجتمع مرتبطة بوعى حقيقي، لا بمنشورات مؤقتة أو تعاطف افتراضي، داعيًا إلى ضرورة إدماج مفاهيم التربية الإعلامية والنفسية فى المناهج التعليمية، وتمكين المستخدم من التفكير التحليلى وعدم الانسياق خلف العواطف الفورية، فالفارق كبير بين الإنسان المتعاطف والإنسان الواعي. دور الإعلام والخوارزميات أما الخبير الإعلامى خالد البرماوى يرى أن منصات التواصل ليست المشكلة فى حد ذاتها، بل فى طريقة استخدامها. وتؤكد أن بعض صناع المحتوى يُكرسون «دراما رقمية» تُشبع حاجة الناس للبكاء والانفعال، دون أن تدفعهم للتفكير أو المبادرة وأضاف الخبير الإعلامى المتخصص فى تحليل البيانات الرقمية، أن الخوارزميات تفضل المحتوى العاطفى لأنه يُولد تفاعلًا أسرع، مما يعزز ثقافة الانفعال اللحظى على حساب التحليل والوعى المستدام.. وأضاف البرماوى ، أن بعض مظاهر التعاطف على منصات التواصل الاجتماعى قد لا تكون حقيقية على الإطلاق، بل تكون «مصنوعة» وموجهة لأهداف أخرى، أبرزها المتاجرة بالمآسى أو تحقيق انتشار واسع على حساب المضمون والصدق.. وأضاف البرماوي، فى تصريحات ل»الأخبار»، أن كثيرًا من المحتوى المتداول حول الجرائم أو القضايا الإنسانية يعتمد على تكنيكات تسويقية تستغل مشاعر الجمهور، مشيرًا إلى أن الخوارزميات تلعب دورًا كبيرًا فى دفع هذا النوع من المحتوى إلى الصدارة، كونها تروج دائمًا للمحتوى الذى يلقى اهتمامًا وتفاعلاً أعلى، بصرف النظر عن قيمته الحقيقية. وأوضح أن بعض صناع المحتوى أو الحسابات العامة يسعون عمدًا إلى صناعة «ضجيج رقمي» حول قضية معينة، حتى وإن كانت هذه القضية تحمل شبهة الإثارة أو تنطوى على شذوذ عن المألوف، لأن كل ما هو غريب أو صادم لديه فرصة أكبر فى الوصول إلى الترند. وأشار البرماوى إلى أن هذه الممارسات تؤدى فى النهاية إلى خلق «تريندات وهمية» و»وعى زائف»، حيث يظن الجمهور أنه يشارك فى صناعة رأى عام أو تحقيق عدالة اجتماعية، بينما فى الحقيقة يكون جزءًا من عملية ترويج تجارى أو دعائي، لا علاقة لها بجوهر القضية. وأكد أن أخطر ما فى الأمر هو أن هذا النمط من التفاعل الرقمى لا يخدم القضايا بقدر ما يستنزف تعاطف الجمهور فى اتجاهات عاطفية، دون إدراك حقيقى للأبعاد أو التفاصيل، مما يخلق مساحة للتضليل، ويضعف من تأثير الإعلام الجاد والمحتوى التوعوى الحقيقي. واختتم البرماوى حديثه بدعوة إلى ضرورة تعزيز الوعى الرقمى لدى مستخدمى السوشيال ميديا، والتمييز بين التفاعل الوجدانى الحقيقى وبين «المحتوى المغلف بالتعاطف» لأغراض أخرى، مشددًا على أن الحل يبدأ من التعليم والإعلام، ويمر بمسؤولية شخصية لكل مستخدم ،فالوعى الزائف على السوشيال ميديا أخطر مما نتخيل لأنه يوهم الناس بأنهم واعون ومشاركون بينما هم فى الحقيقة يعيشون فى فقاعة من المعلومات المقتطعة والمواقف المعلبة. سلوكيات خاطئة فيما أكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن مظاهر التعاطف الزائف المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعى لا تندرج تحت التعاطف الشرعي، بل تُعد سلوكًا غير مقبول شرعًا وأخلاقيًا، لأنه يفتقد المصداقية ويخلو من النية الصادقة، ويُستغل فى الترويج والتهويل أو فى تبرير سلوكيات خاطئة. وأضاف د. كريمة، فى تصريحاته ل»الأخبار»، أن التعاطف فى الإسلام لا يُبنى على العواطف المؤقتة أو المظاهر المصنوعة، بل على الفعل الصادق الذى يُترجم إلى سلوك حقيقى نافع، مشيرًا إلى أن ما نراه على السوشيال ميديا من «تضامن شكلي» مع القضايا أو الجرائم هو نوع من الاستهانة بالمبادئ، وقد يؤدى فى بعض الأحيان إلى تشويه الحقائق أو التغطية على الجوانب الأهم فى القضية. وأوضح أن الإسلام يحذر من الكذب والمبالغة والتهوين والتهويل فى عرض الأمور، مؤكدًا أن المصداقية فى تناول القضايا يجب أن تكون بواقعية متجردة دون اندفاع أو تزييف. وقال: «من أمن العقاب أساء الأدب»، وهذه المقولة تنطبق تمامًا على ما يحدث من تجاوزات أخلاقية ومجتمعية على منصات التواصل، حيث يظن البعض أن بإمكانهم قول وفعل أى شيء بلا محاسبة، تحت غطاء التعاطف أو الحرية الشخصية. وأشار إلى أن ما يُعرف ب»الوعى الزائف» هو فى حقيقته جهل مركب، يتسبب فى تضليل الرأى العام، ونشر مفاهيم مغلوطة باسم النخوة أو الشهامة أو التضامن، بينما هو فى حقيقته إما دعاية موجهة أو استعراض زائف لا يُجدى نفعًا ولا يُقيم عدلًا. واختتم كريمة حديثه بالتأكيد على أن مواجهة هذه الظواهر تبدأ من التربية والتقوى والمحاسبة الذاتية، وعلى الإعلام أن يتحمل مسؤوليته فى توجيه الخطاب العام نحو الصدق، لا التهويل أو الاصطياد فى الماء العكر، وأن يُفرق الناس بين الرحمة الحقيقية والتعاطف المصطنع.