رغم مرور أكثر من 8 عقود على إنتاجه، لا يزال فيلم ساحر أوز - The Wizard of Oz، من أكثر كلاسيكيات السينما الأمريكية شهرة وتأثيرا, واليوم يعود هذا العمل الخالد إلى الواجهة، لكن هذه المرة عبر بوابة الذكاء الاصطناعي، ففي زمن تتسارع فيه الخطى نحو المستقبل، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية، بل أصبح شريكا محتملا في صياغة الحكايات، وإعادة بعث التراث من جديد ليطفو على السطح سؤال جوهري: "هل نحن أمام تطور يثري الفن ويعطيه حياة ثانية؟"، أم "أمام محاولة (باردة) لاستنساخ الذكريات؟". قد تكون مجرد بداية، لكن مصيرها سيتحدد ليس فقط بجمال الصورة أو دقة التقنية، بل بقدرتها على لمس القلوب، ومخاطبة الوجدان، تماما كما فعل الأصل منذ عقود. في خطوة غير مسبوقة، تمزج بين عبق الكلاسيكيات وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، أعلنت شركة "Google" بالتعاون مع "Warner Bros" و"Sphere Entertainment"، عن إطلاق نسخة معاد تصميمها من فيلم "ساحر أوز", أحد أهم كلاسيكيات السينما الأمريكية، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة, العرض المرتقب سيقام داخل صالة "The Sphere" الشهيرة بمدينة لاس فيجاس، بدءا من 28 أغسطس المقبل. النسخة الجديدة ليست إعادة إنتاج، بل إعادة ابتكار بصري اعتمدت على نماذج متقدمة مثل "Gemini" و"Imagen"، لتحسين جودة الصورة وتوسيع المشاهد الأصلية دون تغيير النص أو الموسيقى, وقد شملت التعديلات إظهار شخصيات كانت خارج الكادر، مثل العم "هنري"، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي دون تدخل بشري مباشر في التمثيل. المشروع يعد نقلة نوعية في التعامل مع التراث السينمائي، ويفتح الباب أمام تساؤلات جديدة حول علاقة الذكاء الاصطناعي بمستقبل "الفن السابع"، وعلاقة الإنسان بالإبداع الرقمي, وخلال السطور التالية يطرح نقاد الفن رؤى متباينة بين الحذر والانفتاح والتفاؤل المشروط. في البداية يؤكد الناقد طارق الشناوي أن السينما العالمية تعيش لحظة فارقة مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجال الإبداع الفني وصناعة السينما، وبداية عصر جديد يحمل قواعد مختلفة, ويقول: "بالرغم من أننا لا نزال في سنة أولى ذكاء اصطناعي، إلا أن الخطوات التي يخطوها هذا المجال سريعة جدا، تكاد تسبق الخيال, وعند استقبال أعمالا فنية قائمة على هذه التقنية علينا أن نمنح التجربة نفسها الفرصة لتفرض قانونها، لا أن نسقط عليها أحكاما جاهزة مسبقا, فلا يجوز أن نستقبل تجربة فنية بذهنية رافضة أو متحاملة، أو بعقيدة تقول إن القديم وحده هو الصحيح وأن أي معالجة جديدة تهدد القيمة, ينبغي أن نمنح العمل فرصته، ثم نحكم عليه بعد المشاهدة، فربما تكون هذه التجربة بداية عصر سينمائي أكثر ازدهارا". وعن ردود الفعل المتوقعة من الجمهور، يوضح الشناوي أن الجمهور ليس كتلة واحدة، بل تتعدد أذواقه، غير أن الأغلبية هي صاحبة القرار، لا سيما أن السينما فن يرتبط ارتباطا وثيقا بشباك التذاكر، مما يجعل شركات الإنتاج مجبرة على مواكبة ميول الجمهور. وفيما يخص القيم الأخلاقية، يقول: "لا أرى في استخدام الذكاء الاصطناعي انتهاكا أخلاقيا بالضرورة, فهناك نجوم طلبوا بالفعل أن يستمر ظهورهم في أعمال فنية بعد وفاتهم باستخدام هذه التقنيات، بل إن بعضهم عبر عن رغبته في ذلك أثناء حياته، من باب تخليد اسمه". أما عن إمكانية تطبيق التجربة على السينما المصرية، فيؤكد الشناوي: "إذا كان الجمهور قد تقبل سماع أغنيات أم كلثوم بصوت أنغام وآمال ماهر وغيرهما، فلماذا لا يتقبل إعادة تقديم الأعمال السينمائية القديمة برؤية بصرية مختلفة، طالما أن الإحساس حاضر؟". "صناعة الوهم" ومن جانبها، ترى الناقدة خيرية البشلاوي أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية بل أصبح ظاهرة تفرض نفسها بقوة على مستوى العقول والوجدان، وتقول: "لا أحد يستطيع إيقاف عجلة التقدم، فالذكاء الاصطناعي بات أحد أبرز المواضيع المؤثرة في تشكيل الفكر والمعتقدات، وأصبح جزءا لا يتجزأ من هذا التطور المتسارع. وتضيف: "الفيلم لم يعد مجرد أداة ترفيهية، بل وسيلة فعالة في تشكيل الوعي وصناعة الرأي، سواء عبر التبشير بالمستقبل أو التحذير من مخاطره, والذكاء الاصطناعي قادر على خلق الإيهام فهو يمنح المشاهد شعورا أنه يشاهد النسخة الأصلية تماما، دون أن يكون ذلك حقيقيا". وتروي: "منذ سنوات كتبت عن مشروع لإنتاج فيلم تظهر فيه مارلين مونرو من جديد بحيث لا يستطيع المتفرج التفريق بينها وبين الأصل, هنا تكمن قوة التقنية، فهي قادرة على إعادة إنتاج الإحساس الحقيقي باستخدام أدوات رقمية". وتحذر البشلاوي من الاستخدامات المضللة، قائلة: "المشكلة لا تكمن في التقنية، بل في كيفية استخدامها وغياب الوعي لدى بعض صناع المحتوى والجمهور, فقد تنتج أعمال تشوه الرموز التاريخية أو تحرف الوقائع, لذلك من الضرورة صناعة الوعي جنبا إلى جنب مع التقدم التكنولوجي". وتؤكد: "الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج نسخة طبق الأصل، ولهذا نحن بحاجة إلى صناعة وعي حقيقي لدى الجمهور، لأننا نتعامل مع أدوات قادرة على الإقناع الكامل, وصناعة الوهم هي أخطر ما في هذه المرحلة، وقد تكون سببا في تقدم أو تراجع وعي المجتمعات". وعن تطبيق التجربة محليا, تقول: "الإمكانات التقنية من الممكن توافرها، لكن ما ينقصنا هو الوعي, والجيل القديم ربما يرفض هذه المعالجات، بينما الأجيال الجديدة غير المرتبطة وجدانيا بالماضي قد تجد في هذه التجارب ما يثير اهتمامها". ورغم تحفظها الشخصي، تقول: "أكره الذكاء الاصطناعي لأننا لسنا مستعدين له ولا نتملك البنية التكنولوجية أو المعرفية التي تتيح لنا منافسة من سبقونا ويمتلكون أجندات مختلفة للمستقبل, لكن لا يمكننا إيقاف عجلة التطور". "جيل الألفية" أما الناقد رامي المتولي، فيربط التجربة الجديدة بما بدأته شركة "ديزني" منذ سنوات والتي شرعت في تحويل أفلامها الكرتونية الشهيرة، مثل "بينوكيو" و"سندريلا" إلى نسخ واقعية عبر المزج بين الصورة الحية و"الجرافيك" والخدع البصرية, ويقول: "ما يحدث الآن هو إمتداد لتجربة (ديزني) التي أعادت تقديم قصصها الخالدة بصورة بصرية متطورة، وها نحن أمام إعادة تصميم فيلم (ساحر أوز) باعتباره عالما بصريا غنيا، يمكن تحويله إلى سلسلة من الأعمال المختلفة، ويسمح بتوليد نسخ متعددة ومبتكرة تستند إلى نفس العالم السينمائي الأصلي, فالمشروع لا يهدف فقط إلى إحياء فيلم، بل إلى تحويله إلى عالم سينمائي متكامل، يمكن استثماره بصريا بأشكال متعددة". ويضيف: "نحن أمام تجربة ينقسم فيها الجمهور بين من يبحث عن تجربة أصلية بلمسة عصرية، وهؤلاء قد يجدون المتعة في هذه الأعمال، وبين من يرفض أي تعديل أو تلاعب بتراث السينما الأصلي, فهذا النوع من الأعمال لا يستهدف الفئة العمرية فوق الثلاثين، نظرا لارتباط هذه الفئة العمرية بالأفلام الأصلية التي تشكلت في وعيهم الثقافي والاجتماعي في فترات سابقة, فالجمهور الأكبر سنا عادة ما يستقبل هذه الأعمال بفتور، لأنه يحمل ذاكرة وجدانية تجاه النسخ الأصلية, في المقابل نجد أن جيل الألفية هو الجمهور المستهدف، خاصة أنه يتفاعل بسهولة مع الأشكال البصرية الحديثة ويبحث عن تجارب جديدة تعكس قضاياه ومفاهيمه الخاصة، حتى وإن تناولت نفس القصص القديمة بلغة بصرية معاصرة". أما عن الجانب الحقوقي، فيحذر المتولي من التجاوزات الأدبية والمادية التي قد تنجم عن استخدام الذكاء الاصطناعي، لافتا إلى أن هذه القضايا كانت في صلب الإضرابات التي اجتاحت هوليوود مؤخرا من قبل كتاب السيناريو، احتجاجا على استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد النصوص دون الاعتراف بحقوقهم الأدبية والمادية, وأوضح أن نقابة الممثلين الأمريكية "SAG"، انضمت لاحقا لهذه المطالب، خاصة في ما يتعلق بحق الأداء العلني المولد بالذكاء الاصطناعي، وهي القضية التي تناولتها أيضا الحلقة الأولى من الموسم الأخير لمسلسل "Black Mirror"، والتي تركت أثرا واسعا لدى الجمهور. ويشدد المتولي على أن الحقوق يجب أن تنسب إلى أصحابها الأصليين، مضيفا: "القضية ليست أخلاقية فقط، بل تتعلق أيضا بالملكية الفكرية والحق المعنوي والمادي في الإبداع". وفيما يتعلق بإمكانية تنفيذ مثل هذه التجارب على أعمال من كلاسيكيات السينما المصرية، يرى المتولي أن الأمر سيكون شديد الصعوبة، ليس من الناحية الفنية، بل بسبب غياب الوضوح القانوني والفوضى التي تحيط بمسألة الملكية الفكرية في مصر, ويقول: "نحن نعاني من أزمة حقيقية فيما يخص حقوق الملكية الفكرية، فلا توجد نصوص واضحة تنظم هذه المسألة، ولا يوجد حتى الآن اتجاه لتقنينها بشكل يضمن حماية العمل الفني وحقوق أصحابه". واختتم حديثه مؤكدا على أن أي محاولة لإعادة إنتاج الأعمال الكلاسيكية محليا بالذكاء الاصطناعي دون حلول واضحة لمشكلة حقوق الملكية الفكرية، قد تفتح الباب أمام فوضى قانونية وأخلاقية تهدد التراث بدلا من تطويره". اقرأ أيضا: طرح أجزاء من سيناريو فيلم «الساحر أوز» بخط يد «لانجلى» في مزاد