فيما كانت تجري وقائع افتتاح الدورة العشرين لمعرض الإسكندرية الدولي للكتاب قامت امرأة من بين الجمهور بخطوة جريئة بمحاولتها التسلل من أسفل الشريط الحاجز لتنضم إلينا كمدعوين، السيدة، وهي في منتصف العمر، كما يبدو على ملامحها، كادت تنجح لولا أن انتبه إليها أحد رجال الأمن إليها ليردها بلطف إلى مكانها. بدا على السيدة القارئة أنها لا تطيق الانتظار، من موقعي فى طابور الافتتاح تابعت حوارها مع أحد المنظمين من خلف الحاجز، لم تقتنع بوجهة نظره إلا عندما قال بإنه حتى لو سمح لها بمرافقة المدعوين فإنها لن تتمكن من شراء أي من الكتب المعروضة إلا بعد انتهاء فعاليات الافتتاح. ساعتها هدأت. غالبًا رأت أن مرافقتنا لا تستحق عناء بذل المجهود، فماذا يُرجى من التجوّل بين كتب لا يمكن اقتناؤها! السيدة واحدة من جمهور ينتظر منذ الصباح فى باحة المكتبة الخارجية فى انتظار بداية النشاط، كان قد مرت ساعتان على وصولي إلى المكتبة وانتظاري فى الداخل لبعض الوقت قبل أن أخرج رفقة الوفد لتفقد الأجنحة فى الخيمة الخارجية للمعرض، وجدت عدد الجمهور قد ازداد كثيرًا والفئة الغالبة عليه أصبحت من الشباب والأطفال؛ هؤلاء الذين بعد انتهاء مهمتنا سأراهم يملأون أجنحة المعرض. فى الإسكندرية شكل مختلف للثقافة، ومعرض مكتبتها، صاحبة التاريخ الأسطوري، مختلف عن معرض القاهرة، يمكن ملاحظة التمايزات بسهولة، ستتعلق هنا بنوعية الجمهور، فإن كان فى القاهرة يغلب عليه الطابع العام والشراء التجاري، فإنه فى الأسكندرية جمهور القراءة فقط وذلك يفرضه واقع إقامة المعرض فى مقر مكتبة جوهر عملها لا يخرج عما هو ثقافى وفكري وبحثي، لا يعني هذا أنه جمهور متخصص بالمعنى الكلاسيكي، فواحدة من شرائح القراء فى مصر حاليًا فئة المراهقين الذين تستهويهم كتب الرعب والمغامرات بطابعها التجاري المشوق. افتتح المعرض د. أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية، ومحمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، وفريد زهران رئيس اتحاد الناشرين المصريين، ونواب عن: وزير الأوقاف ورئيس جامعة الإسكندرية، وقناصل فلسطين ولبنان والصين وإيطاليا، وعدد من المثقفى ن والمفكرين والإعلاميين وقيادات الأزهر. والمعرض يمتد إلى 21 يوليو، بمشاركة ما يقرب من 78 دار نشر مصرية وعربية، مع جناح للطفل يضم أكتر من 15 دار نشر متخصصة فى طبع ونشر كتب الأطفال، وجناح للكتب القديمة والنادرة والخاص بسور الأزبكية. يمنح المعرض بهذه التشكيلة فرصة جيدة لمواطني الأسكندرية وما حولها لمتابعة حركة النشر فى مصر بشكل واسع، مع حضور للنشر العربي يمكن وصفه بالرمزي، وإن كان من المتوقع زيادة مساحة مشاركاته مع اكتساب المعرض فى دوراته الأخيرة زخمًا متزايدًا بفضل العمل على زيادة المشاركات والتوسع فى النشاط الثقافى المصاحب. تشرف مكتبة الأسكندرية على بحر المتوسط، يمكنك أن تقتني كتابًا من معرضها وتذهب لتقرأه على شاطئ البحر. وليس المقصود هنا رسم صورة رومانتيكية عن القراءة أو المدينة بل الإشارة إلى مزاج هذا المعرض من خلال موقعه وملاءمته ليكون بداية لنشاط ثقافى «صيفى» يعمل ليكون نقطة اتصال داخلية للثقافة المصرية وتلبية حاجتها الملحة لإقامة حوار يثري التعارف والتفاعل، المنقطعين، بين مكوناتها. تتميز المكتبة بأنها تمنح لزائريها تجربة ثقافية متنوعة من خلال معارضها الدائمة وقاعات الإطلاع والأنشطة والورش الثقافية وبهذا الشكل يمكن اعتبار المكتبة الجهة الثقافىة الرسمية الوحيدة الفاعلة فى تقديم نشاط ثقافى متخصص يلبي حاجات المثقفىن والكتاب والمفكرين والأكاديميين إلى جانب الخدمة المقدمة إلى القارئ العادي. بهذا المفهوم، يمكن لمكتبة الأسكندرية أن تعيد إحياء دورها القديم من خلال الأدوار الرمزية المستندة إلى مدلول اسمها وتاريخه، لهذا فمن النقاط الإيجابية للبرنامج الثقافى المصاحب للمعرض استضافة أمسيات تعمل على هذا التشبيك: أمسية قصصية عربية، وأخرى من البحيرة، وأمسية قصصية للمبدعين خارج الوطن، واستحداث نشاط ثقافى تحت عنوان «مقرأ خانة» يتضمن تقديم 11 جلسة يتم فى ها اختيار عمل فى الرواية والقصة والشعر، ويقوم عدد من المشاركين بتبادل قراءة أجزاء من العمل، وهو نشاط فني يحظى بجمهور كبير فى الخارج وتدخل فيه عناصر فنية عدة من بينها الاستعانة بمؤدين محترفىن لضمان أفضل تقديم للعمل، كما أنه أحد الأنشطة الربحية للكتاب لأنه عمل يتوجه إلى الجمهور. يتضمن البرنامج الثقافى تقديم العديد من الورش المتخصصة فى الترجمة الإبداعية، وفى الكتابة الروائية وكتابة القصة القصيرة، وورش فى عمل الأفلام التسجيلية، وفى كتابة السيناريو السينمائى، وفى النقد الأدبى، وهذا العام تدخل ورش «البودكاست» والكتابة للفتية واليافعين، وفى التصوير الفوتوغرافى، وورشة عمل للمكتبيين وتعزيز القيادة والإبتكار، وورشة لكتابة «الكومكس»، إضافة الى ورشة فى كتابة الدراما الإذاعية. باختصار نحن أمام نشاط نوعي مطلوب خاصة خلال فصل الصيف، ذلك أن الطلب يتسع فى السوق المصري على المنتج الثقافى بأشكاله المختلفة، التجاري منه والجاد، ومن الضروري الموازنة بين النوعين مثلما يبدو أنه من الضروري النظر بعناية أكبر إلى النشاط الثقافى المصاحب لمعرض الأسكندرية لاستبعاد العناوين المكررة من جهة ومن جهة أخرى صياغة النشاط بأكمله وفق المفهوم الوظيفى الكلي للمكتبة باعتبارها مؤسسة تتبنى فلسفة الحوار، وهو ما يعني أن تعمل المكتبة على تبني وفتح الباب للأصوات الجديدة فى المجالات الثقافية والمعرفىة المختلفة. من الضروري كذلك الإشارة إلى أن معرض مكتبة الأسكندرية يمد نشاطه خلال أيام فعاليته إلى القاهرة عبر بيت السنارى بالسيدة زينب وفى قصر خديجة الأثرى بحلوان، وكلاهما يتبع المكتبة، والنشاط فى المكانين مخصص للورش الاحترافية باستثناء ندوة، وأمسية، وحفل موسيقي، فى بيت السنارى.