فى ظل اشتداد الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، تلوح في الأفق فرصة ذهبية لمصر لكى تكون مركزًا إقليميًا لصناعة السيارات، مستفيدة من التحولات الجارية في سلاسل الإمداد العالمية، ومن سعى الشركات الصينية الحثيث إلى البحث عن أسواق بديلة للإنتاج والتوزيع. هذا التحرك الدولى، وما يشهده من تغييرات جذرية فى قواعد التجارة، فتح بابًا واسعًا أمام القاهرة لجذب استثمارات ضخمة، تسهم فى تعزيز صناعتها الوطنية، وترسيخ مكانة مصر كمحور إقليمى للإنتاج والتصدير، وذلك بفضل ما تتمتع به من موقع جغرافى فريد، وتكلفة منخفضة للعمالة، إلى جانب ما تقدمه الحكومة من دعم متنامٍ لهذا القطاع. وفي هذا السياق، يطرح نخبة من كبار خبراء الصناعة وصناع القرار رؤيتهم حول كيفية تحويل هذه الفرصة الاستثنائية إلى واقع ملموس، يبدأ من تحديث شامل للبنية التحتية، وتطوير بيئة الأعمال، وصولًا إلى صياغة استراتيجية صناعية متكاملة، قادرة على إحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد المصري. ◄ الصفتي: فتح المجال لاستثمارات جديدة مصطفى: مزايا مصر التنافسية عديدة ◄ لحظة فارقة في البداية، يرى المهندس شادي الصفتي، خبير استراتيجيات تصنيع السيارات، أن مصر تمر بلحظة فارقة قد تعيد تشكيل خريطتها الصناعية، خصوصًا فى قطاع السيارات، وذلك فى ظل التوترات الاقتصادية المتصاعدة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وجمهورية الصين الشعبية. وأشار الصفتى إلى أن الحرب التجارية بين هاتين القوتين العالميتين تُمثل فرصة حقيقية لإعادة هيكلة سلاسل الإنتاج على المستوى الدولى، بما يمنح مصر الفرصة لاستقطاب استثمارات أجنبية جديدة، وتعزيز الإنتاج المحلى فى هذا القطاع الحيوى. وأكد أن البداية يجب أن تكون من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لا سيّما أن العديد من الشركات الصينية باتت تبحث عن مواقع جديدة لتجنب الرسوم الجمركية التى تفرضها الولاياتالمتحدة، مما يجعل من مصر وجهة مثالية بفضل موقعها واتفاقياتها التجارية. ولتحقيق هذا الهدف، يرى الصفتى أن على الحكومة أن تتبنى مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة، والتى تشمل تقديم حوافز استثمارية سخية، مثل الإعفاءات الضريبية، والتسهيلات الإدارية، لتشجيع الشركات العالمية على الدخول إلى السوق المصرية. أضاف الصفتي: "يجب العمل على تطوير بيئة الأعمال بشكل جذرى، عبر تبسيط الإجراءات البيروقراطية التى تعيق دخول المستثمرين، بالإضافة إلى الاستثمار فى تطوير البنية التحتية، لا سيما الطرق والموانئ، التى تُعد من العوامل الأساسية لجذب المستثمرين." كما أشار إل ى أهمية إنشاء مناطق صناعية خاصة توفر مناخًا مناسبًا للشركات الأجنبية والمحلية، تتيح لها الإنتاج بكفاءة عالية، مع العمل على تحسين الخدمات اللوجستية، وتطوير نظام النقل والشحن لتقليل الوقت والتكلفة المرتبطة بحركة البضائع. يرى الصفتى أن تعزيز الإنتاج المحلى يتطلب دعم الشركات الناشئة فى مجال صناعة السيارات، من خلال إنشاء صناديق استثمارية متخصصة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تطوير برامج تدريبية لتأهيل الكوادر الفنية ورفع جودة الإنتاج، وشدد على ضرورة تعزيز سلاسل التوريد المحلية، من خلال تشجيع الشركات الوطنية على إنتاج قطع الغيار داخل مصر، وهو ما سيؤدى إلى رفع نسبة المكون المحلى فى السيارات، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد. وأشار إلى أن انخفاض تكلفة الإنتاج فى مصر يمنح المنتجات المصرية ميزة تنافسية فى الأسواق الخارجية، حيث يمكن تقديم سيارات ذات جودة عالية بأسعار تنافسية، خاصة مع الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة المتعددة التى وقعتها مصر. ◄ مزايا تنافسية وأفاد الصفتى بأن مصر تمتلك حزمة من المزايا التنافسية التى تجعلها وجهة مثالية لصناعة السيارات، من أبرزها تكلفة العمالة المنخفضة وهى من الأدنى على مستوى المنطقة، ما يقلل تكاليف التشغيل ويرفع هامش الربح، توفر المواد الخام حيث تتواجد المواد الأساسية فى السوق المحلية يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويزيد من الاستدامة، الموقع الجغرافى القريب من أوروبا وآسيا يعزز من فرص التصدير، السوق المحلى الكبير فهناك سوق واعد ومتنامٍ يسمح بتحقيق مبيعات مرتفعة، فضلا عن الدعم الحكومى من خلال تسهيلات وحوافز ضريبية وإدارية متنوعة للمستثمرين. أكد الصفتى أن مصر تستطيع تسويق نفسها كمركز إقليمى لصناعة السيارات من خلال تعزيز التعاون الدولى، وتنظيم معارض صناعية كبرى، وتوقيع اتفاقيات تبادل الخبرات والتكنولوجيا مع دول رائدة فى هذا المجال، وأوضح أن التوجه نحو السيارات الكهربائية والذكية يجب أن يكون جزءًا من الخطة المصرية، داعيًا إلى دعم البحث العلمى والتطوير والابتكار فى هذا المجال الحيوى. ◄ رسوم جمركية بينما أوضح اللواء حسين مصطفى المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات أن أمريكا وأوروبا تضيقان الخناق على السيارات الصينية، حيث قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بفرض رسوما جمركية مرتفعة على السيارات الصينية، وصلت إلى حد منع دخول بعض السيارات السيدان إلى السوق الأمريكية، بحجة أنها لن تكون قادرة على المنافسة فى ظل هذه الرسوم، كما فرض الاتحاد الأوروبي رسوما بلغت 41.10 % على السيارات الصينية للسبب ذاته، ما دفع الشركات الصينية للبحث عن مواقع بديلة لإنتاج سياراتها وتصديرها من تلك الدول لتفادى الرسوم الجمركية العالية. وأضاف أن مصر تعد موقعا جاذبا لتلك الشركات، خاصة أن الرسوم الجمركية المتبادلة بين مصر والولاياتالمتحدة لا تتجاوز 10 %، مشيرًا إلى أن علامات صينية كبرى مثل "جيلي" و"شيري" و"بى واى دي" تعمل بالفعل فى السوق المصرية وتنتج سياراتها محلياً. ويرى أن هناك عدة مزايا تجعل من مصر بيئة جاذبة للاستثمار الصناعي، منها قانون الاستثمار الذى يمنح تسهيلات كبيرة مثل تخصيص الأراضى بالمجان فى المناطق الأولى بالرعاية، وإمكانية استرداد جزء من تكلفة المشروع فى حال البدء المبكر بالإنتاج، كما أشار إلى انخفاض تكلفة العمالة مقارنة بدول أخرى، والموقع الجغرافى الفريد الذى يسهل التصدير، بالإضافة إلى توافر موردى المكونات المحليين، وعامل الأمان والاستقرار، كما أن الحوافز الحكومية هى العنصر الحاسم فى جذب الاستثمارات الكبرى، مطالباً بسرعة إصدار الاستراتيجية الصناعية المتوقفة منذ سنوات. وأضاف أن تراجع الرئيس الأمريكى مؤخرًا عن منح إعفاءات جمركية عالمية، مع استثناء الصين من هذا الإعفاء، يُعد مؤشراً على استمرار الضغط الأمريكى على الصين، ما يجعلها الدولة الأقرب لتوطين صناعتها داخل مصر وتصدير سياراتها منها إلى أسواق أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول التى لا تجمعها علاقات تجارية جيدة بالصين، خاصة فى ظل قرب مصر الجغرافى من أوروبا. وأكد أن القيادة السياسية والوزراء فى مصر يشرفون بأنفسهم على قدوم الاستثمارات الجديدة، ويشاركون فى المفاوضات والتعاقدات مع الشركات، ويوفرون الدعم اللازم مثل تخصيص الأراضى وتقديم التراخيص والإعفاءات الضريبية. ◄ اقرأ أيضًا | ناجي فرج: مصر أمام فرصة ذهبية للاستفادة من الحرب التجارية بين الصينوأمريكا ◄ زيتون: فرصة ذهبية.. سعد: نمتلك تنافسية بيئة جاذبة للاستثمار ◄ حضور صناعي في حين يرى منتصر زيتون عضو الشعبة العامة للسيارات أنه فى ظل تصاعد وتيرة الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، تسعى العديد من الشركات الصينية إلى البحث عن بدائل إنتاجية خارج حدودها لتفادى الرسوم الجمركية الأمريكية، وتعد مصر، بموقعها الجغرافى الاستراتيجى واتفاقياتها التجارية المتعددة، خيارًا واعدًا لهذه الشركات، خاصة فى ظل تنامى التوجه نحو الاستثمار فى قطاع السيارات والصناعات المغذية له. ورغم أن للصين حضورا صناعيا قائما بالفعل فى مصر، خاصة من خلال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وشركة "تيدا" المطور الصناعى، فإن أغلب هذه الاستثمارات تتركز فى المناطق الحرة وتستهدف التصدير فقط. ويرجع ذلك إلى أن المستثمرين يواجهون صعوبات واضحة عند توجيه منتجاتهم للسوق المحلية، أبرزها ضرورة دفع الجمارك على جميع المكونات المستخدمة فى التصنيع، إلى جانب القيود على إعادة تحويل الأرباح للخارج، أما فى حالة إعادة التصدير، فإن المكونات تدخل معفاة من الرسوم الجمركية، وتُعاد تصدير المنتجات النهائية دون عوائق، مما يسمح بتحقيق الأرباح وتحويلها بسهولة، فضلاً عن إمكانية استخدامها فى استيراد مكونات إنتاج جديدة. ◄ مصانع للسيارات في حين يقول خالد سعد أمين عام رابطة مصنعي السيارات إنه فى الأونة الأخيرة بدأ يأتى إلى مصر وفود من المستثمرين الصينيين المتخصصين فى مجالات السيارات لكى يتم البدء فى توقيع العديد من الاتفاقيات للاستثمار فى قطاع السيارات المصرى، وذلك بأرقام واستثمارات مرتفعة، والهدف لديهم ليس تقديم توكيلات فقط لطرازات صينية بل الهدف الأكبر هو إنشاء مصانع للسيارات أو مصانع لمنتجات أخرى عديدة،وجميعنا نعرف السوق الصينى الذى يتصف ب"التنين الصينى" والهدف من ذلك هو تنفيذ صناعة مصرية صينية للهروب من القوانين الجمركية التى أقرتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على دولة الصين، ومن ثم غزو أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا من خلال الاتفاقيات الدولية التى نتمتع بها،لأن مصر تمتلك العديد من الاتفاقيات التى تؤهل المستثمرين الصينيين لذلك. وأضاف أن القيادة السياسية فى مصر تهتم اهتماماً مباشراً بتشجيع الاستثمارات الجديدة وتسهيل إجراءاتها، من خلال تقديم تسهيلات تشمل تخصيص الأراضى، وتبسيط إجراءات التراخيص، إلى جانب توفير حوافز ضريبية متنوعة، لجذب المزيد من الشركات العالمية. وقال: تتمتع مصر بمزايا تنافسية عديدة تجعلها بيئة جاذبة للاستثمار، من بينها قانون الاستثمار الذى يقدم تسهيلات تشمل إمكانية الحصول على الأراضى مجانًا في مناطق مميزة للمستثمرين، فضلاً عن دعم تكلفة تنفيذ المشاريع، كما تبرز مصر بتكلفة عمالة منخفضة وموقع جغرافي استراتيجي يعزز قدراتها التصديرية، ولكن بالإضافة إلى ما سبق يجب وجود استراتيجية متكاملة لتحفيز الاستثمار، تتضمن حوافز تستهدف تعميق التصنيع المحلى، وتشجيع الإنتاج، وجذب الاستثمارات الصديقة للبيئة، كما أن منح حوافز خاصة للشركات الكبرى.