حين نُحدّق في جداريات مصر القديمة، لا نجد آلهة وأبطالًا فحسب، بل نلمح ظلال رفيقٍ صبورٍ وعميق الأثر «الحمار» الذي يحتفل العالم في الثامن من مايو من كل عام، ب «اليوم العالمي للحمار»، وهو احتفال هدفه الدفاع عن هذا الحيوان الأليف والدعوة إلى مزيد من الإعتناء به وإبراز مساهمته في اقتصاد الدول، ودائما مصرنا سباقة. لم يكن هذا الكائن الصغير مجرد دابة تُستخدم للحمل أو التنقل، بل كان رفيق الإنسان في صراعه اليومي مع الأرض والزمن ففي كل نقش، ينبض الحمار بالحياة، يتنقّل في الحقول، يُجاهد في الصحاري، ويُرافق القوافل إلى بلاد بعيدة. نحن هنا لا نتحدث عن "حيوان" بلا قيمة، بل عن حيوان عاشر حضارةٍ صنعت التاريخ بخطى صامتة. اقرأ أيضًا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4643280/1/%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D9%85%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%8F%D8%AF%D9%85%D9%91%D8%B1-%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D9%84-%D8%AD%D8%AA%D8%B4" title="حكايات| "تحتمس الثالث" لم يُدمّر تماثيل "حتشبسوت" بدافع الانتقام"حكايات| "تحتمس الثالث" لم يُدمّر تماثيل "حتشبسوت" بدافع الانتقام تؤكد د. رانيا ممتاز دكتور الآثار الجزيئية وحفظ التراث أن الحمار في مصر القديمة لم يكن مجرّد دابة للحمل أو جرّ المحراث، بل كان رفيقًا لصيقًا بحياة الإنسان، يسير معه في دروب الزراعة والسفر، ويشاركه صمت الصحراء وضجيج الحقول. على جدران المقابر، لم يُرسم الحمار ككائن عابر، بل كجزء من مشهدٍ مكتملٍ للحياة، وجزء من الاستعداد لما بعد الموت. من هنا تبدأ رحلتنا نحو فهم مكانة هذا الكائن المتواضع في حضارة عُرفت بدقّتها، واحتفاءها بالتفاصيل. الحمار من البرّية إلى بيت الإنسان تبدأ قصة الحمار في مصر القديمة منذ آلاف السنين، حين دُجّن من سلالته البرّية الأفريقية Equus africanus المنتشرة في النوبة. وبينما ظلّ يُصاد كطريدة، بدأ في الوقت نفسه يُروّض كشريك للحياة. استأنس المصريون العديد من الحيوانات من بيئتهم المباشرة لتوفير حيوانات الجر «للأعمال الميدانية، وفي مواقع البناء، ولنقل البضائع» وُصفت الحمير والماشية منذ العصر القديم. وسُجلت قطعان الحيوانات المستأنسة في البرديات لإدارة ممتلكات الدولة والمعابد. وتُعدّ الحمير حيوانات أساسية لحمل الأثقال في مواقع البناء وأثناء البعثات إلى المناجم والمحاجر. وتُختار الماشية إما للتسمين، أو لإنتاج الحليب، أو للعمل الزراعي. وتتيح لنا المصادر مقارنة المعلومات المستمدة من نقوش المقابر بنصوص من الوثائق الإدارية «للمحافظات وممتلكات المعابد» وتلعب الحمير والماشية دورًا أساسيًا في الاقتصاد في ذلك العصر. أشهر أسماء الحمار في مصر القديمة في مصر القديمة، وردت عدة تسميات للحمار في النصوص والنقوش، وتفاوتت الألفاظ بحسب المرحلة الزمنية «من الهيروغليفية إلى القبطية»، لكن أكثرها توثيقًا ما يلي: 1- ʿȝ ʿȝ (عا عا) المعنى: الحمار وهذا هو الاسم الأكثر استخدامًا وانتشارًا في النصوص الهيروغليفية، ويظهر في مشاهد الحياة اليومية ونقل البضائع. تطوّر العلاقة بين الإنسان والحيوان منذ عصور ما قبل التاريخ تشير الأدلة الأثرية إلى أن الإنسان في وادي النيل كان على اتصال وثيق بالحيوانات منذ العصر الحجري القديم المبكر «نحو 300,000 قبل الميلاد» في ذلك الزمن، لم يكن وادي النيل كما نعرفه اليوم، بل كان جزءًا من نظام بيئي يشبه السافانا، غنيًا بالحياة البرية، تتخلله الأنهار الموسمية، وتنتشر فيه مجموعات بشرية شبه رحل اعتمدت على الصيد وجمع الثمار كمصدرٍ أساسي للغذاء. ومع حلول الألفية السادسة قبل الميلاد، ومع تدهور المناخ وتحول السافانا إلى أراضٍ أكثر جفافًا، بدأت موجات هجرة سكانية نحو ضفاف النيل. في هذا السياق، ظهرت الحاجة إلى تدجين الحيوانات، ومنها الحمار، كوسيلة حيوية لنقل البضائع والقيام بالأعمال الزراعية. تضيف د. رانيا ممتاز أن الحفريات قد كشفت في مواقع مثل بني سلامة والمعادي عن بقايا عظام لحيوان الحمار Equus asinus، تُعد من أقدم الأدلة على وجوده في مصر. ورغم بعض الشكوك التي أثيرت حول هذه البقايا، إلا أنها تشير بوضوح إلى أن الحمار كان حاضرًا في حياة الإنسان المصري منذ عصور مبكرة. وتُظهر مواقع أخرى مثل نبتة بلايا في الصحراء الغربية إشارات إضافية إلى هذا الوجود، ما يعزز فرضية أن تدجين الحمار ربما بدأ في المناطق المتاخمة للصحراء، حيث احتُفظ به في سياقات معيشية مستقرة، قبل أن يُصبح عنصرًا رئيسيًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمصريين القدماء. لقد أصبح الحمار، إلى جانب الأبقار، جزءًا لا يتجزأ من النظام الزراعي المبكر، ومكوّنًا أساسياً في مشاهد الحياة اليومية والنقل والتبادل التجاري، وهو ما توضّحه النقوش المتعددة في مقابر المصري القديم. على ضفاف النهر، كانت الأراضي المزروعة محددة بدقة منذ أقدم العصور، وتشكل حدودًا واضحة بين الحقول المنظمة ومناطق البرية التي تشمل المستنقعات والسافانا. في هذه المناطق الانتقالية، ازدهرت أنشطة تربية الماشية فقد كانت القطعان تُقاد موسميًا من الحقول المزروعة إلى ضفاف المستنقعات خلال فترات الجفاف، وتعود مع ارتفاع المياه. وتوثّق النقوش في المقابر هذا الترحال الدوري، والذي يعكس تنظيمًا بيئيًا دقيقًا قائمًا على فهم فلكي ومائي للطبيعة. الحمير استُأنست هذه الفصيلة في مصر منذ زمن طويل. وربما ينحدر الحمار الأليف Equus asinus من فصيلة Equus africanus المعروفة في النوبة. ويبدو أنه، لآلاف السنين، كان يُصنّف كحيوان صيد وحيوان أليف في آن واحد. منذ عصر ما قبل الأسرات «حوالي 3200 قبل الميلاد»، تُعتبر الحمير من الحيوانات المأخوذة من غنائم الليبيين، كما يتضح من لوحة نذرية من هيراكونبوليس. أيضا في صور العديد من المقابر، مثل مقبرة تي، في سقارة «المملكة القديمة» ويُعد تصوير الحمير إلى جانب الماشية في مشاهد تعداد الماشية موضوعًا مكررا لمقابر أصحاب الثروات الكبيرة. الحمير جزء من الحياة اليومية الفلاح الذي يقود قطيعًا من الحمير نحو القرية هو جزء من النقوش البارزة لمصطبة نيانخنوم وخنوم حتب في سقارة عمل الحمير ضروري لنقل المحاصيل. في أشكال مصطبة أخيت تيب، تحمل الحمير سلالاً ثقيلة من الحبوب في أشكال مقبرة في دير الجبراوي، تحمل الحمير حزم الكتان بعد الحصاد. سروجها محملة لا يزال هذا النوع من المشاهد النوعية ممثلاً في مقابر كبار الشخصيات الإقليمية في المملكة الوسطى. وهذا هو الحال أيضًا في مشهد مرسوم في مقبرة في طيبة: يتقدم الحمار بصعوبة، ويثير سرج الحمل وحمولته من الشعير غضبه، ويهدد الفلاح الحيوان بعصاه. هناك مشاهد قليلة استُخدم فيها الحمار كركوبة إلا أن مقبرة نيانخنم وخنوم حتب في سقارة تُعدّ استثناءً لهذه القاعدة في المملكة الوسطى، كان أتباع الإمارات التابعة لمصر يستخدمون الحمير مع أطفالهم (ركوبًا على ظهورها) لجلب مستحقاتهم إلى حاكم إقليم بني حسن. منذ العصر القديم، استُخدمت الحمير في الرحلات الاستكشافية طويلة المدى. يروي نص من المملكة القديمة رحلة حركوف، أمين الخزانة الملكي، التي أُرسلت في مهمة إلى النوبة مع قافلة من ثلاثمائة حمار بمهمة إعادة البخور وخشب الأبنوس وجلود النمر. في المملكة الوسطى، نجد رواية عن رحلة استكشافية إلى أرض بونت الغامضة. غادر هينو، بصفته خادمًا، (في صعيد مصر) مع ثلاثة آلاف رجل وقافلة من الحمير لحمل المعدات والماء والطعام: يظهر النقش على وجه صخرة وادي الحمامات. في المملكة الحديثة، تم إثبات العديد من الرحلات الاستكشافية من خلال النقوش التي تركت على الصخور التي تميز الطريق إلى سيناء. تم تجميع هذه النقوش معًا في مواقع استخراج التعدين. كانت البعثات تهدف إلى استخراج الفيروز من سرابيط الخادم، في عصر الدولة الوسطى. وفي عهد الملكة حتشبسوت «الأسرة الثامنة عشرة» نقوش في وادي الحمامات وسيناء تذكر الحمير التي ساعدت في التنقيب عن الفيروز. كما استخدمت الشعوب خارج مصر الحمير لنقل البضائع. وقد صُوِّرت هذه الممارسة في أحد النقوش البارزة في معبد الدير البحري: فخلال الحملة التجارية التي نظمتها الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت، رافق سكان بلاد بونت الموكب الرسمي، حاملين البضائع المحملة على الحمير إلى المصريين الذين نزلوا للتو من القارب. وفي وقت لاحق، يروي نقش يرجع تاريخه إلى عهد سيتي الأول الأسرة التاسعة عشرة، رحلة استكشافية إلى مناجم الذهب في النوبة: فبسبب الحرارة الشديدة وجفاف المناطق التي عبرتها، كانت قوافل الحمير المحملة بقرب النبيذ تجلب الماء بانتظام على طول طريق القوافل. تضيف د. رانيا ممتاز أن في نصوص أخرى، من الممكن استخلاص بعض الإشارات هنا وهناك إلى عمل حمير الحمل. «الأسرة الثامنة عشرة»، ذُكر أنه في أحد الحملات تم أسر «ثلاثة عشر آسيويًا وسبعة حمير حية وثلاثة عشر رمحًا برونزيًا» في القتال. وفي رسالة، يطلب بانحسي، وهو مسؤول في الإدارة الملكية الرعامسية، التحقق من المعلومات المتعلقة بمسك حسابات بضائع منطقة آمون الكرنك «أنشطة نقل البضائع وعدد الحمير المتاحة لهذه الخدمة». وفي دير المدينة، تشير وثائق القرية التي يعمل فيها حرفيو معابد ومقابر طيبة إلى الحمير المستخدمة في النقل اليومي «الماء، وحصص الطعام، والأدوات، إلخ». تصف إحدى الشقف الأثرية من حفريات أحد المواقع عملية تبادل حمار بين عاملين حرفيين، استأجره سقاء الماء لخدمة استمرت عدة أشهر في المقابل، كان على الاخر توفير حمولة من القش، وخمس جرار من الملح، وحمولة من الخشب، وكمية معينة من السماد. تشير د. رانيا ممتاز إلى أن المصريون استأنسوا الحمير والماشية، فهما أساسيتان في اقتصاد الدولة المركزية. وتُعنى بهذه الحيوانات، ويتم تعدادها اثناء عمليات التعداد. كانت العوامل التي سمحت بظهور الحضارة المصرية القديمة، بالطبع، وفي المقام الأول النهر نفسه وتنظيم المجتمع. لكن الحمار اندمج في هذا التنظيم، واستغل خصائصه بمهارة. أولاً، لأن المصريين نجحوا، في وقت مبكر جدًا من تاريخهم، في تدجين هذا الحيوان. ثانيًا، لأن الحمار مكّن من نقل منتجات الواحات ووادي النيل إلى موانئ النهر. الرمز والأسطورة في بعض النصوص، يرتبط الحمار بالنتر «ست» – ربّ الصحراء والعنف، مما يمنحه رمزية مزدوجة: رمزًا للقوة والتمرّد، وأحيانًا لخدمة الآلهة. وفي بعض المدافن، عُثر على حمير مدفونة بجانب أصحابها كأنها سترافقهم إلى الخلود، كما رافقتهم في الحياة. الحمار في الفن الساخر في مقابل الجدران الرسمية للمعابد والبرديات الممهورة بأوامر الملوك، أبدع المصريون وسيلة تدوين شعبية أكثر صدقًا وجرأة الشقفات (Ostraca)؛ وهي قطع من الفخار أو الحجر كانت بمثابة دفتر يوميات المجتمع، ومرآة لنبضه الاجتماعي والسياسي؛ فيما يمكن ان نطلق عليه أول كاريكاتير سياسي في التاريخ. في مشهد كاريكاتيري استثنائي وذي دلالة عميقة، يظهر حمار يجلس على كرسي في قاعة ، وإلى جانبه ثورٌ هائج يعمل كمساعد له، بينما يقف أمامهما أرنب هزيل خائف ينتظر الحكم. هذه المفارقة الساخرة لم تكن عشوائية، بل كانت صرخة رمزية في مشهد ساخر يحمل دلالات عميقة حول وانقلاب الأدوار أو سطوة القوة على الضعفاء، وهو ما يجعلنا نعيد النظر في مدى وعي المصري القديم بأهمية النقد الساخر كأداة اجتماعية وسياسية. المصري القديم استخدم هذا الأسلوب للتعبير عن نقده اللاذع للواقع، كانت تلك الرسوم الساخرة بلون واحد وسرعة تنفيذ، لكنها كانت ثاقبة، جريئة، ومليئة بالمعاني. فالحمار، في هذه السياقات، لم يكن مجرد رمز للبساطة أو العمل الشاق، بل أداة سخرية لاذعة تكشف عن مستوى مذهل من الابتكار الفكري والتعبير النقدي في مجتمعٍ يقدّس الفن والرمزية. ومن أشهر البرديات التي صورت مناظر الكاريكاتير، بردية المتحف البريطاني، بها مناظر الحياة اليومية الموجودة على مقابر طيبة، مع تصوير الحيوانات يمارسون أنشطة البشر ومنهم الحمار. ربما إشارة إلى حالة سوء الأوضاع في الحياة السياسية، والاجتماعية في هذه العصور، وربما كانت تصويراً لقصة خرافية لم يعثر على متنها، وقد تكررت مناظر تصور الحيوانات كفرق موسيقية على برديات أخرى وقطع الأوستراكا. جمعية الحمير وتستطرد د. رانيا ممتاز في حديثها عن الحمار حديثا حين أصبح الحمار رمزًا ثقافيًا ونبيلًا ففي سابقة فريدة من نوعها، تأسست في مصر عام 1930 جمعية غير تقليدية حملت اسمًا لافتًا: "جمعية الحمير"، على يد الفنان المسرحي زكي طليمات، ولم تكن الجمعية تسعى للسخرية كما قد يتبادر إلى الذهن، بل كانت تهدف إلى الدفاع عن كرامة هذا الحيوان، وتقدير دوره التاريخي والمجتمعي. جمعية الحمير لم تكن خالية من «النجوم»: فقد ضمّت في عضويتها كبار المفكرين والأدباء مثل طه حسين، وتوفيق الحكيم، والعقاد، الذين رأوا في الحمار رمزًا للصبر، والتحمل، والقوة الهادئة. ومع تطور الزمن، أُعيد إحياء الجمعية لتتحول إلى جمعية خيرية تُعنى برعاية الحمير في مصر، والتي يُقدّر عددها اليوم بحوالي نصف مليون. وأصبحت أهداف الجمعية أكثر وضوحًا وإنسانية: لقد مثّلت «جمعية الحمير» نموذجًا فريدًا لكيفية تحويل رمز حيواني بسيط إلى وسيلة ثقافية وإنسانية تدافع عن قيم مثل الكرامة، والاجتهاد، والعدالة، مما يعكس روحًا مصرية أصيلة تجمع بين الدعابة والجدية، وبين النقد والسعي للإصلاح. انقراضٌ الحمار هل تخيلت يومًا أن يصمت نهيق الحمار في قرى وحقول مصر؟ أن تغيب صورته عن المشهد الريفي الذي لطالما كان جزءًا أصيلًا من تفاصيله؟ في مشهد لا تصاحبه صرخات أو احتجاجات، تشهد مصر انقراضًا تدريجيًا صامتًا للحمير، التي كانت تمثل لعقود طويلة ركيزة أساسية في حياة الفلاحين والمجتمعات الريفية. وفقًا للإحصاءات الرسمية، تراجعت أعداد الحمير في مصر من نحو 3 ملايين إلى أقل من مليون خلال العقدين الماضيين، وهو انخفاض حاد يعكس تحوّلات اقتصادية وثقافية خطيرة. ترجع أسباب انقراض الحمير إلى تراجع استخدامها في النقل والزراعة مع انتشار الميكنة وازدياد الطلب غير المشروع على جلود الحمير، لا سيّما لتصديرها لاستخدامات طبية وتجارية في بعض الدول فضلا عن غياب التشريعات الصارمة لحمايتها من الذبح الجائر أو التجارة غير القانونية إلى جانب تهميش هذا الحيوان في الوعي الجمعي، رغم إرثه العريق في المجتمع المصري. رغم إطلاق منظمات دولية مثل "SPANA" تحذيرات متكررة من خطر انقراض الحمير في الدول النامية، إلا أن الأصوات المحلية ما تزال خافتة، ولا تتناسب مع حجم الخطورة المحتملة. وقد عبّرت نقابة الفلاحين في مصر عن مخاوفها من غياب هذا الحيوان الذي كان بمثابة "المحرّك الصامت" للريف المصري. وأعربت دكتورة رانيا ممتاز عن قلقها متسائلة هل نحن على أعتاب وداع نهائي لصديق التاريخ؟ وهل ندرك أن غياب الحمار لا يعني فقط خسارة حيوان، بل خسارة شريك ثقافي واقتصادي عميق الجذور؟ إنها دعوة للتأمل، والتحرّك، قبل أن يتحول الحمار من مشهد يومي حي إلى أثر من آثار الماضي، يُدرس فقط في كتب التاريخ والمتحف. واختتمت حديثها عن الحمير مؤكدة أن في حضارة عرفت الذهب والفيروز، لم تنسَ الحمار وخلّدته جدران المقابر، وأوراق البردي ورسمته بأدق تفاصيله فلم يكن أداة.. بل رفيق درب، حارس تعب، وصوت صامت يروي لنا اليوم قصة مجتمعٍ رأى في البساطة جمالًا، وفي الصبر بطولة.