فى قلب تل أبيب، عُلّقت لافتة عملاقة تحمل صور قادة إقليميين ودونالد ترامب، وتحتها العبارة الآتية: «تحالف إبراهيم: حان الوقت لشرق أوسط جديد» لافتة واحدة اختزلت أحلام نخبة إسرائيلية ترى أن الحرب على إيران، واتفاقات التطبيع المقبلة، يمكن أن تفتح أبواب الجنة السياسية على الأرض لكن اللافتات لا تبنى شرقًا أوسطًا، كما أن الأمن لا يُصاغ بطمس المأساة المركزية للمنطقة: القضية الفلسطينية. كل ما يحدث الآن محاولة قسرية لصناعة شرق أوسط لا يعترف بالفلسطينيين، ولا يقيم وزنًا لعدالة تاريخية مغيّبة شرق أوسط مشوّه، يقوم على تحالفات عسكرية وتطبيعية تُبنى فوق أنقاض غزة، وحطام جنين، وتوسّع استيطانى لا يرحم. «تحالف درع إبراهيم»، الذى يقف خلف الحملة، ليس كيانًا مدنيًا محايدًا، بل تحالف أمنى - دعائى يروّج لخريطة إقليمية تستبعد فلسطين من كل الحسابات موقعه الرسمى لا يتحدث عن سلام حقيقي، بل عن «درع حديدى ضد إيران»، و«فرصة دبلوماسية لإدماج إسرائيل» فى المنطقة لا ذكر لفلسطين لا حديث عن الحقوق لا اعتراف بالاحتلال، ولا بكلفة دم مستمر منذ 75 عامًا. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: إيران بلا عمائم ما يُقدَّم كسلام هو فى حقيقته إعادة هندسة المشهد الإقليمى بما يضمن أمن إسرائيل وشرعنة واقعها الاستيطاني، عبر بوابات تطبيع مغطاة بخطاب الاقتصاد والتنمية لكن هل يمكن لأى نظام إقليمى أن يُكتب له الاستقرار، فيما شعبٌ بأكمله يُداس على حقوقه ويُحرم من دولته؟ هنا يبرز تصريح الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى كعلامة فارقة، صوت الدولة فى وجه تسويق الوهم فى زمن تُهرول فيه بعض العواصم نحو اتفاقات لا تملك حتى الحد الأدنى من التوازن، قالها السيسى بلا تجميل: «لا سلام ولا استقرار فى المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية» ليس هذا موقفًا عاطفيًا أو رمزيًا، بل خلاصة حسابات استراتيجية لدولة تعرف تمامًا أن ما يُبنى على القفز فوق المظالم سيتحوّل إلى تهديد مزمن. إن كلمات الرئيس تعيد تعريف أولويات الأمن القومى العربي: فليس الأمن فى مواجهة إيران وحدها، ولا فى صفقات طائرات مسيّرة، بل فى حلّ الجرح المركزى الذى تنزف منه المنطقة منذ نكبة 1948 أى محاولة لبناء شرق أوسط لا يتضمن اعترافًا كاملاً بدولة فلسطينية مستقلة هو مشروع هش، مؤقت، ومفخّخ من الداخل. ظهور صور ترامب وقادة إقليميين على لافتة فى تل أبيب ليس حدثًا عابرًا إنها إشارة مقلقة على أن هناك من يظن أن تل أبيب صارت مركز اتخاذ القرار الإقليمي، وأن الشرق الأوسط يمكن أن يدار من تل أبيب وأن بعض العواصم العربية مستعدة للانضواء ضمن هندسة جديدة للمنطقة تُدار من هناك. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: فاسدون حيثما حلّوا لكن هذه الرؤية تتجاهل أمرًا جوهريًا: لا يمكن أن تنجح أى خريطة تحالف، مهما عظمت أدواتها، إذا كانت تنطلق من إنكار جذور الصراع، المنطقة لا تحتاج إلى «تحالفات تأمين لإسرائيل»، بل إلى تحالفات عدالة تنهى الاحتلال. كل ما عدا ذلك هو إعادة إنتاج للفوضى بتغليف جديد. تحالفات تُبنى فى الغرف المغلقة، وخرائط تُرسم على لافتات فى تل أبيب، وتصريحات تتلوّن بلغة المصالح... لكنها جميعًا تسقط أمام حقيقة واحدة لا تتغير: لا شرق أوسط جديد بلا فلسطين حرة. وإن لم تكن هناك دولة فلسطينية، فلا معنى لكل هذه المسرحيات، ولا قيمة لأى تحالف، لأن السلام الحقيقى لا يولد من رحم الإنكار، بل من رحم الاعتراف وما لم يتم الاعتراف بالحق العادل بدولة فلسطين، فكل «شرق أوسط جديد» لن يكون سوى غلاف هش فوق برميل بارود ينتظر لحظة الانفجار.