من رحم المعاناة، يُولد الإصرار، ومن بين الركام يعلو صوت فلسطين مطالبًا بالحق والكرامة، هناك شعب ينزف ويقاوم، واحتلال لا يعرف سوى القتل والتدمير، وفى ظل تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والضفة الغربية، وما خَلَّفته الحرب من دمار هائل فى الأرواح والبنية التحتية، كان لنا هذا الحوار الخاص مع د. إيناس العطارى وزيرة العمل الفلسطينية، التى كشفت بالأرقام والمعلومات عن حجم الكارثة، وسَلَّطت الضوء على الجهود الحكومية المبذولة رغم الحصار والعدوان، ووَجَّهت رسائل صريحة للمجتمعين العربى والدولى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ودعم الشعب الفلسطينى فى صموده الأسطورى. اقرأ أيضًَا | 6 شهداء في قصف الاحتلال بلدة بني سهيلا شرق خان يونس كيف تُقيِّمون دور مصر فى دعم القضية الفلسطينية خلال الحرب الحالية؟ - بداية نُوجِّه تحية تقدير وإجلال للشعب المصرى الشقيق المساند والداعم للقضية الفلسطينية والذى يظهر جليًا بموقف الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يقود دورًا تاريخيًا فى حماية وحدة الصف العربى ودعم القضية الفلسطينية. نعم، لم تدخر مصر جهدًا فى دعم غزة، سواء بجهودها الكبيرة فى وقف الحرب المستمرة على قطاع غزة، والحصار المفروض على الشعب الفلسطينى، بالإضافة إلى الدعم المصرى لإغاثة شعبنا وإعادة الإعمار، كما كانت مصر أول مَن طرح حل الدولتين كسبيل عادل وشامل لإنهاء الصراع. كيف أثَّرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على فلسطين؟ - القضية تمر بمنعطف بالغ الخطورة منذ 7 أكتوبر 2023، الاحتلال يشن حربًا شرسة على قطاع غزة، ويُصعِّد عدوانه فى الضفة الغربية عبر الاقتحامات والاعتقالات والهدم المتعمد، كل هذا أدى إلى تراجع الناتج المحلى بنسبة 28٪، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تأثر جميع القطاعات فى فلسطين، حيث يُشكِّل قطاع العمل أكبر القطاعات التى تأثرت لما يشكله من عدد كبير من الأيدى العاملة. ما الأرقام التى توضح عمق الكارثة الإنسانية والاقتصادية؟ - فى لغة الأرقام، فإن المعطيات خطيرة، باستشهاد أكثر من 52 ألف فلسطينى، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 120 ألفًا، و70 ألف إعاقة. وتجاوزت معدلات البطالة فى فلسطين 52٪، فى غزة بلغت 80٪، وبلغت 35٪ بالضفة الغربية، فهناك أكثر من نصف مليون عاطل عن العمل، والحرب دمرت البنية التحتية وحرمت أكثر من 200 ألف عامل من وظائفهم، فضلًا عن احتجاز الاحتلال لأموال المقاصة.. بالإضافة إلى تواجد حوالى 3800 عامل من عمال قطاع غزة بالضفة الغربية بعد أحداث السابع من أكتوبر. كيف تتعامل الحكومة الفلسطينية مع هذه التحديات؟ - نواصل العمل رغم كل التحديات، شَكَّلنا غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة لدعم غزة، وذلك عن طريق المؤسسات الحكومية العاملة فى القطاع وتوجيههم من خلال المشاريع والبرامج المنفذة من قبل المؤسسات الداعمة لإغاثة المناطق المنكوبة والأكثر تضررًا، خاصة تجهيز أماكن إيواء، والخدمات الصحية. كما أننا نعمل من خلال مؤسساتنا الحكومية على تركيز جهودنا باتجاه التحول نحو الاقتصاد الرقمى والأخضر وذلك ضمن توجيهات القيادة الفلسطينية ممثلة فى الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء د. محمد مصطفى، بالإضافة إلى أننا نبذل جهودًا مع المؤسسات الدولية لتقديم الدعم الإنسانى والمالى العاجل. ما جهود وزارة العمل الفلسطينية تحديدًا فى هذه المرحلة؟ - نعمل فى الوزارة على تنظيم سوق العمل، وذلك من خلال تنظيم وإطلاق منصات رقمية من شأنها توجيه كل الجهود وتنظيمها، وإعداد قاعدة بيانات من شأنها مساعدة الوزارة فى وضع البرامج والمشاريع التى تسهم فى التخفيف من حدة البطالة، كما نسعى إلى تعزيز الريادة، ودعم التدريب المهنى والسلامة والصحة المهنية. هل لديكم برامج لدعم فئات معينة؟ - نعم، ندعم الشباب والنساء وذوى الإعاقة من خلال برامج تدريب وتشغيل، مثل المال مقابل العمل ودعم الأجور، وهناك أكثر من 70 ألف شخص من ذوى الإعاقة تأثروا بالحرب، ونوليهم اهتمامًا خاصًا فى جميع المبادرات. ما أبرز مطالبكم من المجتمع الدولى؟ - نُطالب بوقف العدوان فورًا، وتفعيل حل الدولتين، وتمكين الشعب الفلسطينى من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، كما نُطالب بدعم صندوق التشغيل الفلسطينى، وتمويل برامج الطوارئ لتوفير فرص العمل. هل لديكم رسائل خاصة للمحافل الدولية القادمة؟ - نعم، نُطالب بحشد وتأمين أكبر دعم ومساندة لدعم فلسطين فى الانضمام إلى منظمة العمل الدولية بصفة مراقب، وذلك خلال انعقاد مؤتمر العمل الدولى هذا الشهر، كما ندعو للتضامن مع عمال فلسطين ، لإدانة جرائم الاحتلال ضد العمال الفلسطينيين. كيف تُلخِّصون موقف الشعب الفلسطينى فى ظل هذه الظروف؟ - لن نتخلى عن أرضنا وكرامتنا رغم العدوان والشعب الفلسطينى صامد، متمسك بأرضه وحقوقه، ولا يخضع للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى التهجير أو الإذلال، نقول للعالم: لا سلام ولا تنمية ولا استقرار بالمنطقة إلا بزوال الاحتلال وتحقيق العدالة. ما الخطط الطارئة التى وضعتها الوزارة لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة والفقر فى فلسطين؟ - من خلال جهود وزارة العمل وبتوجيهات الرئيس أبومازن، ودولة رئيس الوزراء بوضع الخطط المناسبة للخروج من الأزمة وحسب الإمكانات المتوفرة، فإننا نسعى فى وزارة العمل إلى تطوير منظومة التعليم والتدريب المهنى، وتعزيز بيئة العمل، والشراكة مع القطاع الخاص، وتعزيز منظومة السلامة والصحة المهنية ودعم القطاع التعاونى، لذلك تم تطوير ثلاث منصات إلكترونية تهدف إلى تنظيم سوق العمل تضع حلولًا مستقبلية، وتساعدنا فى هذه المرحلة الصعبة، وهى: نظام سوق العمل الفلسطينى لتسجيل بيانات الباحثين عن عمل وتوفير قاعدة بيانات شاملة وحديثة حول القوى العاملة بفلسطين، ومنصة بوصلة سوق العمل الفلسطينية، لتوفير قاعدة بيانات دقيقة ومفصلة بغرض توحيد جهود المانحين وتوجيه تدخلاتهم فى قطاع العمل، لتفادى الازدواجية وتعظيم الأثر، ومنصة مواءمة المهارات لربط الباحثين عن عمل بفرص التشغيل محليًا ودوليًا، ويترافق ذلك مع توقيع اتفاقيات عمل عن بُعد واستقدام عمالة فلسطينية فى قطاعات متنوعة مع عدد من الدول العربية والأجنبية. وماذا عن الصندوق الفلسطينى للتشغيل؟ - ما زال العمل متواصلًا فى تقديم خدمات دعم التشغيل لكافة الفئات من خلال الصندوق الفلسطينى للتشغيل، بما فى ذلك برامج المال مقابل العمل، ودعم الأجور فى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك خدمات وبرامج تدريبية مجانية، خاصة فى الرقمنة والاقتصاد الأخضر، وذلك من خلال مراكز التدريب المهنى التابعة للوزارة والمنتشرة بمختلف المحافظات، لتوفير أيدى عاملة قادرة على المنافسة تتمتع بالمهارات المطلوبة لمواكبة متطلبات سوق العمل واحتياجاته، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات التدريب المهنى لمساعدة أهلنا فى المخيمات لإعادة إصلاح وإعمار ما دمره الاحتلال بمخيمات طولكرم وجنين، بالإضافة إلى إطلاق مبادرة لمسة أمل لتقديم خدمات مجانية للمواطنين فى المخيمات تتعلق بقص الشعر وخياطة الملابس، كما أنه وبرعاية دولة رئيس الوزراء، تَمَّ إطلاق مبادرة التشغيل الفلسطينية «إعادة بناء المستقبل»، إذ إن ألمانيا أول جهة مانحة للمبادرة بمبلغ 25 مليون يورو، نظرًا لأهميتها فى تمكين ودعم صمود أبناء شعبنا، لاسيما العمال الذين فقدوا سُبل عيشهم بسبب العدوان على قطاع غزة والضفة الغربية، حيث إن المبادرة تسعى لخلق حوالى 8000 فرصة عمل، وستشكل دعمًا للتعافى الاقتصادى على المدى الطويل، ووزارة العمل، من خلال ذراعها التنفيذية «الصندوق الفلسطينى للتشغيل»، تواصل جهودها باستهداف العاطلين عن العمل والشباب والنساء وذوى الإعاقة، والتى تأتى ضمن توجهات الحكومة لوضع الحلول الممكنة لمعالجة التحديات فى سوق العمل، ونعاهد العمال على مواصلة السعى نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان حقوقهم الكاملة، وفى مقدمتها حقهم فى العمل الكريم والعيش الآمن فى وطن حرّ مستقل. كيف تعمل الوزارة على تأمين الحد الأدنى من الحماية للعمال المتضررين من الحرب؟ - كما تعمل الوزارة على تنظيم قطاع العمل فى كافة المجالات ورعاية مصالح العمال والحفاظ على حقوقهم من خلال حل النزاعات القائمة بين العامل وصاحب العمل من خلال تقديم الاستشارات القانونية وجلسات التحكيم ودعم واسناد جلسات القضاء.. ودراسة إنشاء المحاكم العمالية من أجل سرعة البت فى القضايا العمالية.. وقامت وزارة العمل الفلسطينية بتوفير دعم مالى لكافة عمال قطاع غزة المتواجدين بالضفة الغربية بعد أحداث 7 أكتوبر، وأيضًا إيواء هؤلاء العمال وتقديم المساعدات لهم.. كما تعمل الوزارة وبالتنسيق مع منظمة العمل الدولية من أجل تحصيل حقوق العاملين داخل الخط الأخضر وتوفير بيئة عمل ملائمة. ما الرسائل التى توجّهينها للمجتمع الدولى فى ظل استمرار العدوان على الشعب الفلسطينى؟ - رسالتنا للمجتمع الدولى والعالم أجمع بدعم حقوق شعبنا الفلسطينى والممثلة بداية بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود ال 67 وعاصمتها القدس، بالإضافة إلى الضغط الدولى لوقف الحرب المستمرة على شعبنا، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة لشعبنا بقطاع غزة، كما نُطالب المجتمع الدولى بتحصيل الحقوق الفلسطينية لعمالنا والمتراكمة منذ عام 1970، بالإضافة إلى وقف سرقة أموال المقاصة، ودعم البرامج التشغيلية كالمال مقابل العمل، ودعم الأجور وبرامج دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والريادية من أجل تشغيل الشباب والنساء وذوى الإعاقة والعمال العاطلين عن العمل، إضافة إلى توفير الدعم من أجل تعزيز منظومة التدريب المهنى بكافة مكوناتها لتخريج عمالة ماهرة مؤهلة وقادرة على المنافسة فى الأسواق المحلية والدولية وبما يتماشى مع احتياجات سوق العمل.