في حالات عدم النضوج الاقتصادي او عدم الرغبة في الاعتراف بالأبعاد الاقتصادية لأسباب ارتفاعات اسعار السلع والمنتجات جرت العادة علي اطلاق تبرير جاهز بما اصبح يعرف ب(متلازمة جشع التجار) فبمجرد تحرك سعر البيع النهائي للمستهلك لأي سلعة يكون المتهم الاول هو التاجر وليس فقط اي تاجر بل تحديداً التاجر النهائي الذي يتعامل مع قاعدة المستهلكين الواسعة. ومع بدايات انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها علي الساحة الاعلامية في معظم دول العالم اكتشفنا ان هذه المتلازمة تكاد تكون هي المسيطرة علي اي رد فعل مبدئي حال ارتفاع سعر اي سلع مما يجعل (متلازمة جشع التجار) ليست فقط تبريراُ جاهزاً ولكنه اصبح ايضا جزء لا يتجزأ من الوعي الاجتماعي الزائف الذي هو نتاج للفكر الذي كان سائداً في عهود الانظمة الشيوعية في اوروبا الشرقية والانظمة المماثلة التي دائماً ما تستدعي في الشعرات الجوفاء لتبرير فشلها الاقتصادي بالاتهامات المعلبة والتقديرات الخاطئة وغياب البيانات والدراسات الرصينة الكاشفة عن الاسباب الحقيقية لارتفاع اي سلعة. لتأتي الصدمة المفاجأة من اعلي سلطة سياسية في العالم ... من امريكا وعلي لسان رئيسها نفسه ليشن هجوما يكشف عن ضحالة الفكر الاقتصادي واللجوء للخيارات السهلة وعلي رأسها (متلازمة جشع التجار) فقد شنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجومًا لاذعًا على سلسلة المحال الشهيرة وول مارت، مُحذرًا من رفع الأسعار على المواطنين بسبب الرسوم الجمركية، ومؤكدًا على مواقع التواصل الاجتماعي أن على عملاق التجزئة تحمُّل التكاليف الإضافية الناجمة عن تلك الرسوم. وانتقد ترامب في منشوره على موقعه "تروث سوشيال" شركة التجزئة التي توظف 1.6 مليون شخص في الولاياتالمتحدة ويقع مقرها بنتونفيل بولاية أركنساس وقال انه يجب عليها التضحية بأرباحها من أجل أجندته الاقتصادية التي يقول إنها ستؤدي في النهاية إلى المزيد من الوظائف المحلية في قطاع التصنيع وذلك عبر عبارة (حققتم مليارات الدولارات .. وسأراقب محالكم). وكتب ترامب: "على وول مارت أن تتوقف عن محاولة إلقاء اللوم على الرسوم الجمركية كسبب لرفع الأسعار في جميع أنحاء السلسلة فقد حققت وول مارت مليارات الدولارات العام الماضي، وهو رقم يفوق التوقعات بكثير لذلك يجب على وول مارت والصين –علي حد قوله- أن تتحملا اعباء الرسوم الجمركية وأن تتوقفا عن فرض أي رسوم على عملائهما وكتب (سأراقب الوضع وكذلك عملاؤكم!) ويعكس منشور ترامب سلسلة الخيارات المحرجة المتزايدة التي تواجهها العديد من الشركات الأمريكية الكبرى نتيجة رسومه الجمركية بدءًا من تدهور المبيعات واحتمالية إثارة غضب ترامب. من جهتها، قالت وول مارت إنها تعمل دائما على إبقاء أسعارها منخفضة قدر الإمكان وانها ستحافظ على الأسعار منخفضة قدر المستطاع ما دام بوسعها ذلك نظرا لواقع هوامش الربح المحدودة للبيع بالتجزئة" وأن السلسلة لن تستطع استيعاب جميع تكاليف الرسوم الجمركية بسبب هوامش الربح الضئيلة للبيع بالتجزئة ومع ذلك فإنها ملتزمة بضمان ألا تؤدي التكاليف المتعلقة بالرسوم الجمركية على البضائع العامة الواردة من الصين في الأساس إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل مبالغ فيه. واعتقد ان لجوء ترامب الي هذه الاتهامات الجاهزة رغم انه في دولة تتوافر فيها كمية هائلة من المعلومات عن كافة عمليات الاسواق وتتمتع بشفافية غير عادية في التعامل معها انما يرجع الي طبيعة سياسة ترامب الشعبوية ولا علاقة لهم باي معايير اقتصادية خاصة ان هناك اسباب محددة وواضحة لرفع الاسعار وهي الرسوم الجمركية التي فرضها علي معظم دول العالم وعلي رأسها الصين اكبر شريك تجاري للولايات المتحدةالامريكية. وهو ما يجعل شركات التجزئة في موقف شديد الصعوبة فهي لا تستطيع فعليا تحمل فرق هذه الرسوم خاصة في السلع الغذائية التي تتراوح هوامش ارباحها بين 2% الى 5% علي احسن تقدير ويتم تعويضها بهوامش ربح اعلي في السلع الغير غذائية كما هو متبع ولما كانت الرسوم الجمركية تتسم بالشمول الي حد كبير فإن خيارات استيعاب شركات التجزئة لفارق الرسوم يبدو صعباً ان لم يكن مستحيلاً ورغم ان ترامب يعلم ذلك يقيناً الا انه يحاول تحقيق اعلي المكاسب السياسية عبر الضغط الشعبوي وهي سياسية ترامب المعتادة في تحقيق اهدافه في كل الملفات بما فيها ملف الفيدرالي الامريكي الذي يضغط عليه ترامب بشتي الطرق لتنفيذ اجندته رغم انخفاض سعر الدولار عالمياً امام جميع العملاء بما يحسن فرص الصادرات الامريكية ويحقق لترامب احد اهم اجندته المعلنة.