أعاد ارتفاع تكلفة رحلات الحج هذا العام، الجدل مرة أخرى بشأن تمويل قرض لأداء مناسك الحج لمساعدة الراغبين على أداء الفريضة بالتقسيط، وتباينت آراء العلماء حول مدى مشروعية «قرض الحج»، فبينما اعتبرها البعض جائزة شرعًا كنوع من التخفيف، وأنها تدخل من باب المرابحة المباحة، اعتبرها البعض الآخر ليست ضرورة، وأن الحج لمن استطاع إليه سبيلًا. تراوحت تكلفة الحج هذا العام ما بين 300 إلى مليون و400 ألف جنيه، ورغم أن قروض الحج والعمرة هى أحد المنتجات المصرفية التى قدمتها بعض البنوك منذ سنوات، وتروج لها بشكل سنوى تزامناً مع موسم الحج إلا أن الجدل ثار بسبب اهتمام الشارع الواسع بها الآن فى ظل ارتفاع الأسعار لهذا العام. ◄ غنايم: يجوز شرعًا ولا خلاف في ذلك الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، يؤكد أن الاقتراض من أجل أداء مناسك الحج يجوز شرعًا ولا خلاف فى ذلك، لكن يشترط فى هذا الاقتراض لأداء فريضة الحج، أن يكون الشخص الذى حصل على القرض يمتلك القدرة على السداد أو أنه يمتلك أملاكا سواء أراضى أو عقارات أو أى أملاك أخرى يستطيع من خلالها بيعها لسداد القرض فى وقت لاحق، ويوضح غنايم أن الشخص الذى اقترض لأداء فريضة الحج عليه أن يعجل فى السداد بعد رجوعه من أداء مناسك الحج فورًا، كما يشترط له أن يوصى أبناءه أو ورثته بسداد هذا القرض الذى أصبح دينًا عليه إذا تُوفى ولم يسدد ما عليه، مُحذرًا من أنه لا يجوز أداء مناسك الحج بقرض يحتوى على فائدة ربوية، لذلك نقول يجوز للشخص الحصول على قرض من البنك من أجل القيام بتأدية الحج أو العمرة، ولا يوجد مانع، لأنه فى هذه الحالة إذا توسطت السلعة أو توسطت الخدمة انتفى الربا. ◄ التقسيط مُباح كما يرى الدكتور سيد مندور، الداعية الإسلامي، أنه يجوز شرعًا أداء الحج والعمرة بالتقسيط وبالاتفاق المسبَّق بين الطرفين، موضحًا أن ذلك يعد من قبيل المرابحة المباحة شرعًا ولا تدخل فى باب الربا، مُضيفًا أن الحكم الشرعي قد بيّن فيما يتعلق بوجود بعض الشركات التى تتيح أداء العمرة أو الحج للمواطنين عن طريق التقسيط على أن يدفع المواطن جزءًا من قيمة التكاليف، ويُسدد باقى القيمة بعد أداء العمرة أو الحج على أقساط شهرية لمدة تتراوح بين 18 ل24 شهرًا مع إضافة هامش ربح عن تلك المدة، وأنه فى حالة وفاة المُعتمر أو الحاج أثناء العمرة أو الحج أو بعد عودته، وفى حالة امتناع الورثة، أو عجزهم عن سداد الدَّين تسقط الشركة الدَّين بالكامل بطيب خاطر وبسماحة تامة، ويُسدد الدَّين من المال المُجنب من الأرباح المخصصة لمواجهة مثل تلك الحالات، موضحًا أن رحلات الحج والعمرة المعمول بها بالشكل القائم حاليًا، الذى تكون فيه تكاليفها من انتقالات وإقامة ورسوم موانئ وأشباه ذلك محددةً سلفًا، ويتم الاتفاق فيها بوضوح بين الطرفين - الجهةِ المتعهدةِ بالرحلة من جهة والحاج أو المعتمر من جهة أخرى- ولا تعدو أن تكون نوعًا من الخدمات التى يجوز التعاقد عليها شرعًا. ويوضح مندور، أنه من المُقرر شرعًا أنه يصح البيع بثمن حالى وبثمن مؤجل إلى أجل معلوم، والزيادة فى الثمن نظير الأجل المعلوم جائزة شرعًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ لأنها من قبيل المُرابحة، مُشيرًا إلى أن ذلك لا يُعد من قبيل الربا؛ لأن القاعدة الشرعية أنه إذا توسطت السلعة فلا ربا، والخدمات التى يُتعاقَد عليها هى فى حكم السلعة، وبما سبق يجوز الحج بالتقسيط أو الاقتراض طالما هناك مال يُغطى المبالغ المالية، التى تُنفق على الرحلة سواء مرتباً أو معاشاً يكفى لسداد الدين. ◄ اقرأ أيضًا | إنفوجراف| بعثة القرعة تقدم إرشادات صحية لحجاجها قبل يوم عرفات ومنى ◄ أمين: أصبح مناسبة اجتماعية لا عبادة ربانية ◄ لمن استطاع إليه سبيلًا في المقابل، يرى الشيخ حسام أمين من علماء وزارة الأوقاف، أن الحج عبادة عظيمة، لا تُفرض على الإنسان كل عام، بل فرضها الله مرة واحدة فى العمر، وجعلها مشروطة بشرط مهم، ألا وهو الاستطاعة، أى أن من ترك الحج مع الاستطاعة فقد فرّط فى ركن من أركان الإسلام. ولكن نرى كثيرا من الناس فى أيامنا هذه قد قلبوا المفاهيم، وخالفوا مقاصد الشريعة، واتبعوا العادات بدلًا من شرع الله. فنرى بعض الناس، لا يملك من المال ما يكفيه، فيقوم ليقترض أو يستدين أو يرهق نفسه أو يُقصِّر فى حق أسرته، فى سبيل أداء الحج، ظنًا منه أن ذلك من التقوى، أو خوفًا من كلام الناس، أو حرصًا على الوجاهة الاجتماعية. وأكد أنه: «لا يجب الحج إلا على من استطاع إليه سبيلًا، كما نص القرآن الكريم، والاستطاعة هنا تشمل القدرة المالية، والبدنية، وأمن الطريق، وضمان النفقات لمن يعولهم أثناء الغياب»، مُشيرًا إلى أن الإمام النووى رحمه الله عرّف الاستطاعة هنا بالزاد والراحلة، وأن يملك ما يكفيه للحج ذهابًا وإيابًا، ويكفى من يعولهم دون نقص، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنى أريد الحج، وعلىّ دين، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم كما فى سنن ابن ماجه «اقضِ دينك، ثم حجّ»، أى أن قضاء الدين مُقدَّم على الحج، وهذا دليل واضح على أن من عليه دين لا يجوز له أن يقدم على الحج قبل سداده. ◄ مناسبة لا عبادة ويؤكد أمين، أن الحج صار مناسبة اجتماعية، لا عبادة ربانية، حيث نرى بعض الناس يحج كل عام، ويتباهى بأنه «الحاج فلان»، أو «الحاجة فلانة»، بينما جيرانه جائعون، وأهله فى ضيق شديد، وأقرباؤه فى حاجة، والمساجد تحتاج، والمساكين ينتظرون، لكنه يظن أن الحج المتكرر أفضل من كل ذلك، لافتا إلى أن الحج شُرع ليكون دورة إيمانية يتطهّر فيها المسلم من ذنوبه، ويعود إلى ربه بقلب نقى، كما جاء فى الحديث حيث يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه.» «رواه البخارى ومسلم»، وليس الحج لمن يملك المال فقط، بل لمن ملك المال مع وجود النية الصادقة، والنية الصالحة، والقدرة البدنية، ولم يكن عليه دين أو مسئوليات أولى.