أثارت فتوي دار الإفتاء المصرية الخاصة بجواز أداء الحج بالتقسيط جدلا بين العلماء فمنهم من يري أنها صحيحة شرعا تيسيرا علي الناس في أداء الفريضة المقدسة بينما يري البعض الآخر أن التقسيط بعائد فائدة وهامش ربح مشكوك في أمره ويدخل في باب الربا المحرم شرعا. كان د. شوقي علام مفتي الجمهورية قد أكد بأنه يجوز شرعًا أداء الحج والعمرة بالتقسيط وبالاتفاق المسبق بين الطرفين. موضحًا أن ذلك من قبيل المرابحة المباحة شرعًا ولا تدخل في باب الربا وذلك ردا علي سؤال لأحد المواطنين حول حكم الشرع في وجود بعض الشركات التي تتيح أداء العمرة أو الحج للمواطنين عن طريق التقسيط. بأن يدفع جزءًا من قيمة التكاليف ويسدد باقي القيمة بعد أداء العمرة أو الحج علي أقساط شهرية لمدة تتراوح بين سنة ونصف وسنتين مع إضافة هامش ربح عن تلك المدة. أجاب المفتي: إن رحلات الحج والعمرة المعمول بها بالشكل القائم حاليا والذي تكون فيه تكاليفها من انتقالات وإقامة ورسوم موانئ وأشباه ذلك محددةً سلفا ويتم الاتفاق فيها بوضوح بين الطرفين -الجهة المتعهدة بالرحلة من جهة والحاج أو المعتمر من جهة أخري- لا تعدو أن تكون نوعًا من الخدمات التي يجوز التعاقد عليها شرعًا". د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر من مؤيدي هذه الفتوي فيقول إنه من المعلوم أن السلعة سواء كانت عينية أو منافع إذا توسطت بين عوضين "مالين" فلا ربا هذا ما قرره أئمة العلم وأخذت به دار الإفتاء المصرية.. والتقسيط معاملة مالية جائزة في حدود الأركان والشروط المرعية من غير إرهاق ولا غلو في العائد المتحصل مقابل التقسيط ويستأنس لهذا أن الفقه المالكي يري أن الحج يجب علي الفور وليس علي التراخي ولو كان بديون يرجي قضاؤها وعلي ضوء ذلك فلا بأس بالحج بنظام التقسيط شريطة المقدرة علي السداد أو وجود من يكفل هذا من أولياء المدين حال عجزه أو وفاته. أما بالنسبة لتحديد مدة السداد فلا إلزام للشريعة بها بل هي حسب الاتفاق والتراضي بين الطرفين مع مراعاة الرفق بينهما فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلي ميسرة". أضاف د. كريمة أنه مما تقرر شرعا أن الخروج من العهدة مستحب بمعني أن الإنسان إذا أمكنه أن يفي بالغرض حال تمكنه سارع لأدائه مثل الصلوات المفروضة في أول وقتها وإخراج الزكاة عند تمام الحول وبلوغ النصاب مثلا وإيجاب صوم رمضان عند زوال المانع كبلوغ صبي وإفاقة مجنون وطهارة حائض ونفساء وإقامة مسافر وصحة مريض. أشار أن هناك للأسف فهما قاصرا في تفسير ودلالة "من استطاع إليه سبيلا" فهناك من يسوف ويرجئ مع تمكنه من الذهاب بوسيلة المواصلات ويجعل هذا طوال العمر ويقدم أمورا دنيوية ترفيهية وكمالية علي الحج ويؤديه للأسف في فترة الشيخوخة والمرض ليس علي الوجه المنشود أو المأمول ولذلك نرجح قول المالكية إن الحج يجب علي الفور ويستدل بذلك قوله صلي الله عليه وسلم "حجوا قبل ألا تحجوا". عدم الاستطاعة د. محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة والرئيس السابق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية يري أن الإنسان طالما غير قادر علي أداء الفريضة يدخل ذلك في نطاق عدم الاستطاعة الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالي "ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا".. إذن طالما أن الإنسان غير مستطيع ماديا أو صحيا تم إعفاؤه من أداء هذه الفريضة. أضاف أن هناك فرقا بين تحقيق هامش ربح وبين القرض بفائدة حتي لو كانت هذه الفائدة بنسبة قليلة فالمرابحة لا تطبق في خدمات الحج والإنسان الذي يريد أداء المناسك لابد أن يكون ماله حلالا وليس مشكوكا فيه فكونه يتحمل نسبة فائدة علي القرض الذي أعطته الجهة الأخري فهذا ربا لأنه بفوائد ولذلك علينا أن نخرج من هذا الأمر المشكوك في صحته ونؤدي الفريضة عندما يمتلك الإنسان مالا طيبا لأن الله طيب يحب الطيب. سبل الاجتهاد مفتوحة أكد د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر أن الله سبحانه وتعالي عندما قال في كتابه الحكيم "ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" ترك السبل مفتوحة للناس للاجتهاد للوصول إلي عرفات فإذا كان الإنسان عنده مال غائب عنه أو كان عنده أمل في أن يصل إليه المال في فترة موقوتة بعد الحج فلا ضير إذا قام بالحج علي هذا النحو "بالتقسيط" أما إذا كان الإنسان لا يملك مالا حاضرا ولا غائبا فإن الله سبحانه وتعالي قال "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".. ويجب أن نعلم بأن الأعمال بالنيات ولذلك قال الله سبحانه وتعالي علي لسان سيدنا إبراهيم "واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" فالإنسان إذا نوي الحج واشتاق لأداء الفريضة ولكنه لا يجد سبيلا إلي ذلك فينطبق عليه "إنما الأعمال بالنيات" ولا يجب علي الإنسان أن يضيق علي نفسه وأهله بأن يؤدي ما لا يستطيع تأديته والخوف في ذلك أن يموت وعليه دين للناس والنبي أخبرنا أن الذي يموت وعليه دين لا يدخل الجنة حيي وإن كان شهيدا. يري أن فتوي دار الإفتاء إنما هي تيسير للناس أن يقضوا الفريضة بالقسط طالما أنه قادر علي السداد بعد العودة من الرحلة المقدسة فالدين يسر لا عسر ويجب علي الإنسان أن يكون علي ثقة بربه "إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" وأنا علي ثقة في أن الإنسان إذا أنفق في سبيل الله شيئا من ماله فإن الله سيعوضه عنه "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه".