إن كل ما حولنا من أحداث ساخنة تحاول سرقة التاريخ يستدعى الانتباه لما يقدم لأطفالنا على قناة «ماسبيرو زمان» شاهدت حلقة من مسلسل موجه للأطفال منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضى، الحلقات باسم «نادى الخالدين» وكانت عن أديب العربية الأشهر «الجاحظ»، وبالطبع لفت نظرى أن الأطفال زمان كانوا يحظون بمن يهتم بتثقيفهم ويقدم لهم موضوعات مفيدة عن شخصيات مؤثرة فى تاريخ الأدب والطب والكيمياء والفلك والفنون العربية ذات المجد التليد. كان الجاحظ شديد الدمامة بارز العينين فى جحوظ، قصير القامة، مشلولا، مصابا بالنقرس، طال عمره وساء فأله وأنقذته إرادته من الاستسلام أو الانتحار كمدا.. لكنه مع ذلك لم يفقد روح السخرية حتى من نفسه حين لزمت القفشة أو القافية فوصف عينيه الجاحظتين بأنهما «بطن حوت مبتور» ومما روى عن نفسه أن أحدهم قال فيه بيتا: لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ما كان إلا دون قبح الجاحظ ويرد الجاحظ ببرود يحسد عليه: لا فض فوك! بل تركوا خلقته إلى خلقه ودينه فرموه بالضلالة والجهل والزندقة وجردوه من الروح الإنسانية. لكنه تجاوز عن كل ما سبق بسمو روحى نادر وقدرة غير ذات نظيرعلى تحويل الحجارة التى رموه بها إلى تلة عالية من الإنتاج والأدب والموسوعية المتفردة عربيا وعالميا بكتب: «الحيوان» و«البخلاء» و»البيان والتبيين»... وغيرها من درر العربية الخالدة. وما شاهدته على قناة ماسبيرو زمان من هذا البرنامج وغيره من البرامج الموجهة للأطفال على شاشة التليفزيون المصرى خلال سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى تربط بين الماضى والحاضر لا بد أن يثير تساؤلا حول ما يقدم للأطفال حاليا فى عصر يسابق الريح فى تقدمه، ولست أقصد برامج الأطفال على سبيل التحديد، بل كل ما يمكن تصنيفه على أنه موجه للطفل؛ فلعلها لا تلقى حاليا منهم حظا للمتابعة وسط سيول قنوات الكارتون على عشرات الفضائيات المختلفة وبعضها مخصص للطفل، وهو ما يلفت النظر إلى حظ الطفل المصرى من هذه القنوات غير المصرية وغالب ما تقدمه إنتاج أجنبى مترجم أخطر ما فيه أنه أحيانا يحمل أفكارا بها ما يعارض الأعراف والتقاليد والأديان، واللافت للنظر أنها ناطقة بالعربية بلهجات معظمها غير مصرى بمفرداتها ونطقها، وهو ذات الأمر مع الدراما الأجنبية كالتركية مثلا المعربة إلى لهجات الشام والخليج، وأحيانا يكون بها مفردات شائعة الاستخدام هناك لكنها فى اللهجة المصرية قد تعطى معنى مخالفا للعرف المصرى يلوكها الصغار والشباب والفتيات بنطقها وتعبيرها بما يثير أحيانا انتباه البعض استغرابا أو استقباحا للفظة لا يرى الطفل أو الطفلة أو الشاب أو الشابة ما يعيبها وقد سمعها عشرات بل مئات المرات فيما يتابعه من أعمال للصغار أو للكبار. وهو ما يرصده كتاب «سموم القوى الناعمة فى أوانى الجاذبية» للدكتورة رشا يحيى فنانة الأوبرا، التى تشير إلى أن الكثير من أفلام «الكارتون» التى تم تعريبها تبث بشكل غير مباشر أفكارا مسمومة، وتدعو للإلحاد والشذوذ والدموية، وتمتلئ بنشر الخرافات والسحر وتصور للأطفال إمكانية التعامل مع الجن والشياطين، بالإضافة لنشرها شعارات الماسونية والإباحية!!.. حتى «توم وجيرى»، واللذين استوحتهما شركة «تيرنر براذر» اليهودية من المصريين القدماء والقصص المرسومة على بردياتهم، فقد قيل إنهم صنعوا هاتين الشخصيتين حتى يمحوا المصطلح المهين الذى ساد عنهم فى أوروبا، حيث كانوا يلقبون بالفئران القذرة، فأرادوا أن يغيروا الصورة الذهنية للفأر ويجعلونه محبوبا ولطيفا وذكيا، والأهم أن يرسخوا فكرة أحقية الوافد (الفأر) على صاحب الدار (القط)، وبالتالى يرسخون حق اليهود فى فلسطين! إن كل ما حولنا من أحداث ساخنة تحاول سرقة التاريخ يستدعى الانتباه لما يقدم لأطفالنا، نعم هناك محاولات فى السنوات الأخيرة لكنها تحتاج للتكثيف وزيادتها وتخصيص قنوات للأطفال، بدلا من ترك ناشئينا وهم يتجرعون سموم الأعمال الموجهة لتشويه عقولهم والمدمرة لذائقتهم على المحمول وألعاب ومواقع الشبكة العنكبوتية الخفية.