تطورات مُتسارعة يشهدها الاقتصاد العالمى خلال السنوات الأخيرة، وازدادت حدة هذه التطورات مؤخرًا بسبب قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.. إلا أن التطور الأكثر إثارة للقلق هو ارتفاع معدل الدين العالمى الذى سجل مستويات قياسية ليصل إلى 324 تريليون دولار خلال الربع الأول من العام الحالى بزيادة 7.5 تريليون دولار وفق تقرير لمعهد التمويل الدولي، مدفوعًا بآثار الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها أمريكا وما نتج عنها من حرب تجارية مع الصين، وما يشهده العالم من اشتعال العديد من الحروب والصراعات بالعديد من المناطق، ليعيش العالم حالة من الشك وعدم اليقين على مختلف الأصعدة. أكد خبراء الاقتصاد، أن مصر سجلت انخفاضًا فى معدل الدين كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي، ما يعكس نجاح سياسات الانضباط المالى وكفاءة إدارة الدين العام وبرامج تعميق الصناعات المحلية. اقرأ أيضًا | وزير المالية :الاقتصاد المصري يتطور للأفضل بمؤشرات جيدة وطموحة تأثيرات سلبية كما شدد الخبراء على أن مصر ليست بمنأى عن التأثيرات السلبية للأزمة العالمية، خاصة مع ارتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة تحميل المؤسسات المنتجة للسلع فوائد ديونها على قيمة منتجاتها التى تصدرها لدول العالم، مما ينتج عنه تضخم مستورد وارتفاع فى أسعار السلع بالأسواق العالمية، وهو ما يتطلب استمرار مبادرات الحكومة فى دعم الصناعات المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات من الخارج، مما يجعل الاقتصاد أكثر قدرة على مواجهة التطورات المفاجئة فى البيئة العالمية..كما أجمع الخبراء، على أن تراجع معدلات الدين خلال الفترة الأخيرة فى مصر، يُعد خطوة إيجابية تُحسب للحكومة، ويعكس قدرًا من الانضباط المالى واستمرار الإصلاحات، لكن ورغم هذا الإنجاز، لا يمكن فصل الاقتصاد المصرى عن التحديات العالمية، فمصر قد تُواجه ضغوطًا متعددة، من بينها ارتفاع تكلفة الاستيراد بسبب تقلبات الأسواق العالمية أو تراجع فى معدلات التصدير المستهدفة فى حال تباطؤ النمو العالمي. كما أكدوا أنه ومع كل هذه التحديات، تظل هناك فرص واعدة، فمصر بما تملكه من قدر نِسبى من الاستقرار المالى مقارنة بدول ناشئة أخرى خاصة إذا واصلت الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح وتحسين مناخ الأعمال، كما أن التركيز على دعم الصناعات المحلية يقلل من الاعتماد على الواردات، وهو أمر ضرورى فى ظل الاضطرابات المتكررة التى يشهدها الاقتصاد العالمي. زيادة كبيرة قال الخبراء إن حجم الديون حول العالم وصل إلى مستوى لم يسجله التاريخ من قبل، حيث بلغ 324 تريليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، وهذا الرقم يمثل زيادة كبيرة جدًا تُقدَّر بحوالى 7.5 تريليون دولار فى فترة زمنية قصيرة، وذلك وفق آخر تقرير نشره معهد التمويل الدولي. وأوضحوا أن هذه الأرقام الكبيرة تدعو إلى التفكير والقلق بشأن مستقبل الاقتصاد العالمى، ولا يمكن فهم هذه الزيادة الكبيرة فى حجم الديون على مستوى العالم بمعزل عن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، كما اتجهت العديد من الحكومات والشركات فى مختلف أنحاء العالم، إلى اقتراض المزيد من الأموال لمواجهة الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة والمتغيرة، وكانت الصين مثالًا واضحًا على ذلك، حيث زادت ديونها بما يقارب 2 تريليون دولار وحدها من إجمالى الدين العالمي. وأشاروا إلى أن تراجع الإيرادات الأمريكية الناتج عن خفض الضرائب، قد يضطر الولاياتالمتحدة إلى المزيد من الاقتراض، بينما قد يؤدى استمرار الرسوم الجمركية إلى إبطاء وتيرة النمو العالمى مما يُفاقم من عبء الديون فى مختلف الدول، وكل هذه المؤشرات تدفعنى إلى القول بأننا أمام بيئة مالية أكثر تعقيدًا وصعوبة، خاصة على الدول التى لازالت تخوض معركة تحقيق الاستقرار والنمو. السندات الأمريكية وكشف د.أحمد شوقى الخبير الاقتصادى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع والإحصاء، أن من أهم الأسباب وراء ارتفاع معدلات الدين العالمى لذلك المستوى خلال الربع الأول من العام الحالى، يرجع إلى الإقبال على شراء السندات الأمريكية الحالية مقارنة بالسندات التى يعتزم البنك الفيدرالى الأمريكى إصدارها بعائد منخفض بعد توجهها لخفض أسعار العائد فى الاجتماعات المستقبلية، وهو دفع العديد من الدول إلى زيادة الاستدانة.. وأوضح شوقى، أن المؤسسات تقوم بتحميل فوائد الديون التى تحصل عليها على قيمة المنتجات التى تصدرها، مما ينتج عن ذلك تضخم مستورد وارتفاع بأسعار السلع فى الأسواق العالمية، وهو ما ينعكس بالطبع على اقتصاديات الدول المستوردة لتلك المنتجات والخامات فى جميع دول العالم ومن بينها مصر، وهو ما سيؤثر سلبًا على معدلات النمو نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج. وشدد شوقى، على ضرورة استمرار مبادرات الحكومة فى دعم الصناعات المحلية والاعتماد على الإنتاج المحلى لتلافى ما سينتج من زيادة مُعدلات الدين العالمى من آثار سلبية على الأسواق العالمية والعمل على حوكمة الدين، حيث توجد علاقة طردية بين حوكمة الدين والنمو، فكلما ارتفعت حوكمة الدين، كلما قَلَّ التأثير السلبى للدين العام على مُعدلات النمو الاقتصادي، حيث تلعب حوكمة الديون دورًا وسيطًا فى العلاقة بين الدين والنمو مما يعزز التنمية المستدامة. كما أرجع د.على الإدريسى الخبير الاقتصادي، زيادة معدلات الدين العالمى إلى زيادة إصدار السندات الأمريكية من أجل تمويل عجز الموازنة الأمريكية بعد حزمة الإعفاءات الضريبية والاعتماد على الرسوم الجمركية كمصدر بديل للإيرادات مما فاقم العجز فى الموازنة الأمريكية ودفعها نحو المزيد من الاقتراض، وقد تسبب ذلك فى رفع المعروض العالمى من أدوات الدين وأدى إلى مزيد من الضغوط على الأسواق. خدمة الدين وأشار الإدريسى، إلى استمرار البنوك المركزية حول العالم فى سياسة رفع أسعار الفائدة، ما زاد من تكلفة خدمة الدين على الحكومات والشركات، وعلى الرغم من هذا التصاعد العالمي، سجلت مصر انخفاضًا فى مُعدل الدين كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى ما يعكس جهودًا واضحة لضبط الأوضاع المالية العامة وكفاءة إدارة الدين العام، مشددًا على أن الأولوية للسياسات الاقتصادية، الحفاظ على الاستقرار المالى والبحث عن تمويلات منخفضة التكلفة للدول النامية خاصة منطقة الشرق الأوسط التى تشهد توترات جيوسياسية وانكماشًا فى مُعدلات نموه الاقتصادي.. وشدد على ضرورة تبنى سياسات مالية مرنة بالإضافة إلى تنويع مصادر الدخل والطاقة وتعزيز تنافسية الاقتصاد المصرى ليكون أكثر قدرة على مواجهة أى تطورات مفاجئة فى البيئة العالمية.