ولما كان اليوم السادس فى مهرجان كان، الذى انطلقت دورته الثامنة والسبعون فى 13 مايو وتستمر فعالياتها حتى 24 مايو 2025، لم يعرض حتى الآن فيلم رائع بمعنى الكلمة، رغم أننى شاهدت كل ما عرض -حتى كتابة هذه السطور-من أفلام المسابقة الدولية ومسابقة نظرة ما وعدد قليل من أفلام المسابقات والبرامج الموازية، فمستوى الأفلام لا يرقى لتوقعاتى التى رفع سقفها تصريح تيرى فيرمو مدير المهرجان بأنه استقبل أكثر من 3000 فيلم، وقد تم اختيار أفضلها بالقطع! فى كل الأحوال فالوقت ما زال مبكرًا على الحكم، وهناك خمسة أيام وعدد كبير من الأفلام لأسماء منتظرة ويضع عليها الجميع رهانًا كبيرًا. اقرأ أيضًا | الجناح المصري يفوز بجائزة أفضل تصميم من مهرجان كان السينمائي | صور ما يلفت الانتباه خلال الأيام الأولى، بعيدًا عن فيلم الافتتاح الكوميدى الموسيقى «إرحل يومًا واحدًا» وهو خارج المسابقة، أن الأفلام يسيطر عليها العنف والدم والقسوة، وحالة من الغضب والإحباط، حتى أفلام العالم الأول الأسعد حالًا، ففى بعض الأفلام تشعر أن قسوة السرد السينمائى تتجاوز الواقع بمسافة، فيبدو أن صناع الأفلام بما يطاردهم من أحداث مجنونة حول العالم، لم تعد أعينهم ترى إلا القسوة والعنف. فى اليوم الأول للعروض، ثانى أيام المهرجان كان الفيلم الأوكرانى «Two Prosecutors»»المدعيان العامين» لسيرجى لوزنيتسا شارك فى إنتاجه فرنسا وألمانيا ولاتفيا ورومانيا وليتوانيا إلى جانب أوكرانيا، والفيلم متوسط المستوى الفنى، يبدو كمونولوج طويل، شديد الكآبة والقسوة، ومفهوم أن يتم اختياره للتضامن مع أوكرانيا، وتشويه النظام الروسى بالكامل ومن الجذور، فالفيلم عن الفساد فى الاتحاد السوفيتى، من خلال سجين يتم ظلمه وتعذيبه فى عهد ستالين ومحاولة تبدو خارقة للمدعى العام لكشف فساد النظام بالكامل. وفى نفس اليوم عرض الفيلم الألمانى «Sound of Falling» صوت السقوط» لماشا شيلينسكي، مزيد من العنف والقسوة والأمراض النفسية المركبة، التى تعود لحياة بائسة فى ظل النظام الشيوعى بألمانيا الشرقية، خيال دموى تفوقت به المخرجة على منافسيها الرجال فى هذه الدورة، وهوس جنسى مريض، وسرد لأحداث مرعبة، من ذاكرة ألما، الفتاة بطلة الأحداث التى تمتد عبر أجيال، توثقها الصورة دائما وفى القلب منها موتى العائلة الغريبة، موهبة حاضرة للمخرجة تشهد بها كل لقطة فى الفيلم ولو تحررت من توجهاتها التى انعكست على لغتها السينمائية ولم تمعن فى كآبة السرد لتلقى بظلال سوداء مخيفة على النظام الشيوعى، لكان فيلمها أفضل. فى اليوم الثالث كان فيلم المسابقة الفرنسى «Case 137» «قضية 137» لدومينيك مول، المخرج الفرنسى، وهو من أفضل أفلام المسابقة حتى الآن، يتعرض للعنف الهمجى للشرطة وتعاملها غير الآدمى مع المواطنين، من خلال قضية حقيقية خلال احتجاجات السترات الصفراء عام 2018، حيث أطلقت الشرطة رصاصها المطاطى على المتظاهرين، وبينهم شاب صغير يصاب إصابة بالغة، وتحقق فى هذه القضية محققة شجاعة، تتبع الوثائق والفيديوهات والشهادات حتى تصل لإدانة الشرطة، وأحد الضباط الذى ركل الشاب المصاب بعنف بدلًا من إنقاذه، ويكشف الفيلم الجرىء واقع النظام البوليسى فى فرنسا، وشبكة فساد مهنى وأخلاقى تواجهها المحققة بقوة.. فى نفس اليوم كان الفيلم الفرنسى الإسبانى «Sirat» لأوليفر لاكس، وجنون يفوق الخيال، فى رحلة بحث أب عن ابنته المفقودة فى شمال إفريقيا، وخيال جامح مجنون نتابع معه فريق البحث الذى يجوب الصحراء، بإيقاع مثير مفاجئ، يضرب بخبث حقائق ومعتقدات، وينتهى للعدم! فى اليوم الخامس كان الفيلم التونسى «البنت الصغرى» للمخرجة الفرنسية من أصل تونسى حفصية حرزى، وهو الفيلم الطويل الثالث للمخرجة، التى قررت أن تغازل الغرب وجوائزه، بفيلم عن فتاة سحاقية... وعلى خطى المخرج الفرنسى تونسى الأصل عبد اللطيف كشيش الفائز بالسعفة الذهبية عام 2013 عن فيلمه الذى يتناول قصة حب بين فتاتين مثليتين «حياة أديل» تسير حرزى بثقة وجرأة صادمة، وأعتقد سيمنحها المهرجان إحدى جوائزه ولن يتركها تخرج دون تكريم! ثم نعود للعالم المجنون مع الفيلم الأمريكى «Eddington» لأرى آستر بطولة واكين فينيكس وإيما ستون وبيدرو باسكال، أسماء كانت تدعو للتفاؤل بشدة، إلا أن الفيلم فانتازيا تعيد علينا أحداث وباء كورونا، أمعن فى الهوس والجنون، والعنف غير المبرر، ورغم أداء فينيكس الجيد جدا، لكن الشخصية الجامحة التى يلعبها والأحداث اللامنطقية التى حشرها المخرج فى الفيلم أخذت كثيرًا من أى متعة بصرية. اليوم السادس كان موعدًا لالتقاط الأنفاس نهارًا، والفيلم الفرنسى «Nouvelle Vague» موجة جديدة» لريتشارد لينكلاتر الذى عاد بنا للزمن الجميل، وقت إنتاج الفيلم الشهير «Breathless» لجان لوك جودار، لكن أبى المهرجان أن يختتم اليوم بسلام، فكنا على موعد مع منتهى العنف والجنون والشطط والهوس الجنسى، فى الفيلم الأمريكى «Die My Love» «مت يا حبيبى» للين رامزى، بطولة جنيفر لورانس وروبرت باتنسون، وهو فيلم لا يليق بمسابقة مهرجان كبير! الغريب واللافت للنظر أيضا أن كل هذا العنف والجنون فى أفلام هذه الدورة من إخراج الجنس الناعم!!