السينما العالمية فى 2019 لها مذاقها الخاص؛ وتنوعها الفريد؛ وقدرة مبدعيها على أن يغوصوا داخل الشخصيات ويصبحوا جزءا لايتجزأ منها؛ وبالتالى ستفاجأ مع كل عمل فيها بالجديد مع نخبة من مبدعيها على رأسهم رينيه زيلويجر بطلة فيلم جودى عن سيرة ذاتية 2019 عن المغنية والممثلة الأمريكية جودى جارلاند؛ الى جانب أفلام بطولة ميريل ستريب ؛برد بيت ؛و ودى نيرو وبيشى وآل باتشينو. على الرغم من أن هناك افلاما عديدة قدمت عن عالم المثليين ولكن فيلم "إليسا ومارسيل"؛" Elisa & Marcela" أثيرت حوله الكثير من الحكايات ونال قدرا كبيرا من الاهتمام العالمى ؛ بدأ بتحقيق كبير فى الجارديان عن اكتشاف امرأة أرجنتينية تبحث عن معلومات عن أسلافها من أن جدتها كانت رائدة فى زواج المثليين ؛ الفيلم للمخرجة إيزابيل كويكست؛ قصة حقيقية عن زواج مثلى غير رسمي، ففى عام 1901 تزوجت مارسيلا جراثيا إيبياس وإليسا سانشيز لوريجا بعد أن أعادت أليسا تعميد نفسها كرجل سرًا؛ ويعد هذا العمل تكريسا لما يراه البعض أنتصارًا للمثلية وخاصة فى أسبانيا منذ تشريع زواج المثليين هناك فى عام 2005، شارك الفيلم ضمن المسابقة الرسمية بمهرجان برلين 2019، وهو من إنتاج شركة "نتفليكس".الفيلم الإسبانى استخدم الأبيض والأسود فى التصوير ، ويعد الفيلم الأول ل "Netflix "، الذى تنافس على جائزة الدب الذهبى فى مهرجان برلين السينمائى لعام 2019. ولأنه من الصعب جدا أن تقرأ كتابا عن دهاليز الفساد المالى فى العالم ؛وكيف تضفى عليه غطاء قانونيا ؛ والأصعب أن يحول ذلك الكتاب بكل مايحوى من تفاصيل ووثائق الى عمل سينمائى ؛ ومن هنا كانت أهمية فيلم «The Laundromat» للنجمة ميريل ستريب ؛ الفيلم مقتبس عن فضيحة تسريب بيانات المعاملات المالية الخارجية المعروفة باسم أوراق بنما، وتشتمل على تسريب ملايين الوثائق من شركة «موساك فونسيكا القانونية» فى بنما فى أبريل 2016. وقامت شركة «نتفليكس» بالحصول على حقوق الكتاب وقامت بتحويله إلى فيلم روائى إنتاجه جون ويلز. لينقلك بإبداع وسلاسة الى عالم الملاذات الضريبية الآمنة، بعد أن سرب مجهول تفاصيل التعاملات الضريبية لمئات الألوف من العملاء من شركة «موساك فونسيكا» القانونية، ومقرها بنما. المخرج الأمريكى ستيفن سودربرج استعان أيضا بكتاب (عالم السرية) للصحفى الأمريكى جاك برنشتاين. الفيلم يقترب بأسلوب السرد المتوازى الذى يحتاج الى مزيد من التركيز الى عالم تدفق النظام الدورى المخفى تحت سطح التمويل العالمي، حيث يحمل تريليونات الدولارات من الاتجار بالمخدرات والتهرب من الضرائب والرشوة وغيرها من المؤسسات غير القانونية، وتحجب هذه الشبكة هويات الأفراد الذين يستفيدون من هذه الأنشطة، بمساعدة من المصرفيين والمحامين والمدققين ؛ ومن خلاله نرى ميريل ستريب التى تقدم دورامرأة من الطبقة المتوسطة مات زوجها غرقًا ولم تحصل على التعويض من شركة النقل البحرى، وتبدأ فى طرح الأسئلة ؛ لنكتشف أن الموضوع خطير للغاية، وأن الجرائم التى تم الكشف عنها فى أوراق بنما راح ضحيتها الكثيرون. وثلاثة من نجوم الأوسكار شاركوا فى فيلم « الأيرلندي» لسكورسيزى ودى نيرو وبيشى وآل باتشينو، هذا الفيلم الذى يقدم ضماناً لا شك فيه لعائدات خيالية؛ ستعوض بكل تأكيد الميزانية الضخمة الناتجة من رغبة سكورسيزى فى استخدام تقنية، حديثة يستطيع الممثل خلالها لعب دور أقل من عمره الحقيقى بسنوات، دون اللجوء إلى المكياج ؛ إذ يلعب دى نيرو فى « الأيرلندي» دور فرانك شيران فى ثلاث مراحل عمرية مختلفة، وهو استخدام رائع للتكنولوجيا فى العمل السنيمائي. الأيرلندى فيلم سيرة ذاتية أمريكى من إخراج مارتن سكورسيزى وكتبه ستيفن زايليان؛ وتستند الأحداث إلى قصة حقيقية مقتبسة من كتاب لتشارلز براندت بعنوان «سمعت أنك تطلى المنازل» ويحكى قصة القاتل المحترف فرانك شيران وشهرته «الايرلندي» الذى تحول من أحد أبطال الحرب العالمية الثانية إلى قاتل مأجور والذى أخبر براندت فى أثناء عمله على الكتاب بأنه قتل زعيم النقابات العمالية جيمى هوفا عام 1975 . والايرلندى بمثابة التعاون التاسع بين دى نيرو وسكورسيزي، والتعاون الرابع بين دى نيرو وآل باتشينو (بعد العراب الجزء الثاني، الحرارة والقتل المبرّر) وأول فيلم لباتشينو من إخراج سكورسيزي. ونحن أمام فيلم يخطو لا محالة إلى ترشيحات الأوسكار، فتكلفة الفيلم مرتفعة تعدّت ال 150 مليون دولار، وهوالحلم الرائع الذى كان يحلم به سكورسيزى منذ عام 2007. واستخدم 117 موقعًا مختلفًا لتصوير 309 مشاهد. ومن المعروف أن مهرجان نيويورك السينمائى افتتح دورته السابعة والخمسين به؛ و تبدأ «نتفليكس» بعرضه على منصتها فى 27 نوفمبر.. من يصدق أن ميل جيبسون يفقد حماسه لفيلمه الأستاذ والمجنون The Professor and the Madman أنتج عام 2019، الذى حققه بعد 21عامًا من الانتظار؛ فلا يشارك فى الدعاية له؛ ووصل الأمر إلى حد تجاهله تمامًا ...الفيلم من إخراج فرهاد صافينيا (تحت الاسم المستعار P. B. Shemran)، وتأليف وسيناريو تود كومارنيسكى وصافينيا، استنادا إلى قصة 1998 (جراح كروثورن سيمون وينشستر). بطولة ميل جيبسون، وشون بنز الحكاية بدأت عام 1998 عندما اشترى ميل جيبسون الرواية لتحويلها الى فيلم سينمائي، يستكمل به مسيرته فى الإخراج واستمر تأجيل المشروع إلى عام 2016، على أن يقوم بالإخراج فرهاد صفيانى الذى قدم معه من قبل Apocalypto عام 2006. ولأن شركة الإنتاج رفضت التصوير بجامعة أكسفورد بعد أيرلندا، لذلك تم Post Production مع المخرج تود كورمانيكى المشارك فى كتابة الفيلم مع صفيانى . الفيلم يعد بمثابة سيرة ذاتية لفترة هامة فى حياة جيمس موراى المعجمى والفقيه اللغوى الاسكتلندي، ويلعب دوره (ميل جيبسون)؛ و كان المحرر الرئيسي لقاموس أكسفورد الإنجليزى من سنة 1879 إلى وفاته.. أما فيلم Rocketman الذى يتناول حياة التون جون ؛ فمستند إلى حياة الموسيقى التون جون؛ ومن إخراج دكستر فليتشر وتأليف لى هال ، وقام ببطولته تارون إجيرتون فى دور جون ، مع جيمى بيل فى دور بيرنى تاوبين ، وريتشارد مادن فى دور جون ريد ، وبرايس دالاس هوارد فى دور شيلا إيلين. الفيلم متأرجح بين إظهار ادمان وانحراف جون التون وتقديم صورة أخرى متباينة لجون بعقلية رزينة متزنة بعيداً عن تأثير مسببات الإدمان، مثل الكحول والمخدرات، وقادر على التركيز على تأليف الموسيقى ؛ومع ذلك الفيلم ركز أكثر على الأحداث التى وقعت فى آخر الثمانينيات والتى شهدت تحول إلتون جون من مدمن مثير للجدل إلى مغن متزن محبوب، وأيقونة لموسيقى البوب الإنجليزية وهى الصورة التى حافظ عليها فى ال25 سنة الماضية أما فيلم الجوكر Joker فى نسخته الجديدة بلغت تكلفة انتاجه 55 مليون دولار أمريكى، ومقتبس من القصة الأصلية للمهرج آرثر فليك، والتى تعد أشهر شخصيات عالم Dc Comics، ومن يشاهد أحداث الجوكر يشعر بالمجهود الجسمانى الذى فعله فينيكس ليؤدى شخصية الجوكر؛ بداية من فقدانه السريع لهذا الوزن الكبير للوصول إلى شكل الشخصية بطريقة مذهلة ؛ مما يجعل المشاهد يقتنع ان ما حدث فى حياته كان مؤثرا على حالتك النفسية؛ وجعله يقترب من الجنون إلى جانب إتقانه لضحكة الجوكر المميزة، ولضمان إتقانها استعان بالمخرج تود فيليبس مرارا وتكرارا ؛ وخاصة أنه أراد ألا يقلّد أى نسخة سابقة للجوكر. ولأنه ثمة افلام صادمة فى فكرتها وطريقة تناول موضوعها ؛ ومن تلك الاعمال فيلم المخرجة الألمانية نورا فينجشايدت بفيلمها «محطمة النظام» - System Crasher ؛حيث نالت عنه جائزة ألفريد باور لأفضل إسهام فنى بعد أن تناولت بحرفية واقتدار قصة (بيني) التى تنتابها نوبات الغضب المتفجرة، والتى تضعها فى مواقف محرجة وتضع من حولها فى خطر، حيث تتنقل بين بيوت الرعاية ولا تمكث بها لفترة طويلة، مما يدفع مؤسسة حماية الطفل لإطلاق تسمية على حالتها (محطمة النظام).وفى الحقيقة أن هذا العمل هو أكثر الأفلام التى تخاطب قلبك قبل عقلك ؛وتجعلك تبكى بين مشاهده متأثرا؛ بتلك الصغيرة التى تعانى وتتألم وفى نفس الوقت تعذب من حولها ؛وأزمتها كلها تكمن فى افتقارها الى حنان الام التى تركتها الى دور الرعاية؛ لأنها لاتقوى على تحمل هذا القدر الهائل من العنف الموجود لدى الطفلة. اما إحدي ايقونات 2019 السينمائية فيلم ألم ومجد pain and glory ؛ والذى اختِيرَ للتنافس على جائزة السعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائى لعام 2019.ولتمثيل إسبانيا فى جوائز الأوسكار، وهذه المرة السابعة التى تختار إسبانيا عملا لبدرو ألمودوفار لتمثيلها فى سباق الأوسكار. وألم ومجد من تأليف وكتابة بيدرو ألمودوبار المخرج الإسبانى الذى نال أخيرا جائزة الأسد الذهبى فى البندقية عن مجمل مسيرته و من بطولة أنتونيو بانديراس، أسير إتكسينديا، بينيلوب كروز، واحداث الفيلم مقتبسة من فيلم الدراما «ثمانية ونصف» للمخرج الإيطالى الراحل فيديريكو فلينى عام 1963.ألمودوفار اسم له حضور فى الساحة السينمائية العالمية، من خلال أفلام خاطبت عين المشاهد ووجدانه، وتعتبر رؤيته السينمائية أحد واجهات السينما الإسبانية المعاصرة، أما السينما الجميلة التى تمنحك الكثير من المتعة ؛ والمساحة الهائلة من التفكير فيما يدور حولك وبداخلك ؛ من بين أعمالها هذا العام الفيلم الافتتاحى لمهرجان فينسيا، تلك التحفة الفنية التى جمع فيها المخرج اليابانى هيروكازو كورى صاحب فيلم «سارقو المتاجر» الفائز بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائى للعام 2018، بين أيقونتين من السينما الفرنسية، كاثرين دينوف وجولييت بينوش مع النجم الأمريكى إيثان هوك بطل الثلاثية الشهيرة «قبل الشروق».»THE TRUTH» مقتبس عن مسرحية للكاتب الأمريكى كارا إيدا قدمت منذ 15 عامًا، وكانت أحداثها عن زوجين فرنسيين يعودان إلى بلدهما من الولاياتالمتحدة. دينوف فى هذا الفيلم تقترب من حياتها الحقيقية ؛ وهى كما قالت فى حوار لها من قبل أن فيلم»THE TRUTH» به بعض من حياتها الخاصة. الى جانب أن كاثرين فازت بجائزة سيزار ؛وكانت متعددة العلاقات . وهناك فيلم أد أسترا (Ad Astra) فيلم ملحمى، خيال علمى، إثارة من إخراج جيمس جراى وتأليف جيمس وإيثان جروس. الفيلم من بطولة براد بيت، تومى لى جونز، روث نيجا، دونالد سثرلاند، جيمى كينيدي.عن مهندس تابع لإحدى فصائل الجيش يقوم بالبحث عن والده عبر المجرة، حيث اختفى الأخير فى مهمة بحث عن حياة فضائية منذ عشرين عامًا بدأ التصوير المبدئى للفيلم فى منتصف أغسطس 2017 فى سانتا كلاريتا، كاليفورنيا ؛ والطريف أن النقاد فى العالم اتفقوا أيضاً على أن أداء براد بيت فى الفيلم كان مبهراً. ويلعب براد بيت دور مستكشف الفضاء روى ماكبرايد، وتدور أحداث الفيلم فى المستقبل حيث أصبح سفر البشر إلى النجوم أمراً سهلاً ويسيراً، بل بدأت الأعمال التجارية تغزو القمر وكواكب المجموعة الشمسية، وباتت رحلات الفضاء السياحية متاحة للعامة. أما الفيلم الذى طلب مخرجه من الرئيسَ الفرنسى مشاهدته ؛ فهو فيلم البؤساء الفرنسى والبعيد تماما قصته عن رواية فيكتور هوجو؛ ووجهة نظر المخرج «لادج لي» عندما دعا الرئيسَ الفرنسى لمشاهدة الفيلم؛ رغم أن كانت أحداثه لا تدور حول مطالب حركةِ السترات الصُفْر؛ ولكنها توضح الأسباب التى أدت اليها ؛ بل وأنه يشير الى تفسير أسباب الغضبِ فى الضواحى فى عام 2005 ؛وأنه لا شيءَ تغيّر منذ ذلك الحين. فالمخرج أعلن مررًا فى أحاديث له أن السترات الصُفر عانت كثيرًا من عُنف الشرطة. الرائع أن هذا العمل نال اهتماما كبيرا أيضًا فى مهرجان كان واستقبل ممثلوه بالتصفيق والإعجاب وهم يسيرون على البساط الأحمر؛ من قبل نقاد السينما الذين شاهدوا الفيلم ،بل ونافس على السعفة الذهبية فى المهرجان بدورته الثانية والسبعين . وفى الواقع أن المخرج الفرنسى لادج لى استطاع باقتدار العزف على الغضب الذى يشتعل تحت جلود الفرنسيين من اصل افريقى وعربى ؛وكان لا يبدو على السطح الفرنسى الهادئ، فالعالم لايعرف شيئا عن حياة المهمشين فى ضواحى باريس الفقيرة، والتى تتعامل معها الشرطة بمنتهى القسوة. أما فيلم «فيتالينا فاريلا» vitalina varela، فحائزعلى الجائزة الكبرى بمهرجان لوكارنو السينمائى فى سويسرا، كما حصل الفيلم على جائزة «الفهد الذهبي»، فضلا عن نيل بطلته جائزة أفضل ممثلة عن أدائها المبهر. إننا هنا أمام أقصوصة فيتالينا، الأرملة القادمة من الرأس الأخضر (كاب فيردي)، التى تصل إلى لشبونة بعد ثلاثة أيام من جنازة زوجها الذى تركها بحثا عن عمل فى أوروبا قبل 40 عامًا. «فيتالينا فاريلا» ، امرأة تبلغ من العمر 55 عامًا ؛ تصل حزينة مقهورة وبداخلها العديد من الاسئلة الحائرة ؛وهى التى كانت تنتظر تذكرة الطائرة الخاصة بها لأكثر من 40 عامًا؛ تذهب الى الحى الذى كان يسكنه زوجها، وسط الظلام والبرد ؛حيث كل شيء يخيم عليه الحزن والصمت، والفقر؛ومع كل هذا تصر البطلة على البقاء فى البرتغال .وهكذا يعود المخرج بيدرو كوستا بعد أكثر من خمس سنوات منذ Horse Money ، لنفس اسلوبه ؛ والذى يحصد به الجوائز ؛ولكن ثمة صعوبة فى أن يكون فيلما جماهيريا.ويستعرض الفيلم الأكواخ المتداعية ، المليئة بزجاجات الخمور الفارغة. فى ذلك الحى القاتم ، المكتظ بالمهاجرين ؛المفتقد للأمل؛ هنا يعيش رجال كل حلمهم الحصول على علبة من التونة أو الفاصوليا؛ حتى الكاهن المحلى يفقد إيمانه ، فكيف يصلّى فى كنيسة فارغة ، بحوائط بلا طلاء ؛وأرضية أسمنتية.وجميع الشخصيات بالفيلم تقف فى منطقة الظل ، محدقة فى الفضاء ، لايعرفون الابتسامة؛ ليظل السؤال لماذا يوافق هؤلاء على العيش فى غربة الأكواخ الخرسانية ، وهل هذا هو الوجه المظلم من البرتغال التى لاتزال تعاملهم وكأنهم عبيد ؛ولكن هذه المرة بإرادتهم الكاملة . وفى النهاية سينما 2019 كانت متنوعة وجميلة وعازفة على المشاعر الإنسانية .