طارق فهمى من الواضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعى لتكرار نموذج الحاكم المدنى الأمريكى للعراق، بول بريمر تخطط الولاياتالمتحدة لتعيين حاكم أمريكى لإدارة مؤقتة لقطاع غزة، فى إطار خطة تهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع فى القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي. يشير هذا التطور وفقا للطرح الأمريكى لجملة من النقاط أهمها أن ستكون الإدارة الأمريكية المؤقتة لغزة مدعومة بعدد من التكنوقراط الفلسطينيين الذين سيتم إشراكهم فى تسيير الشئون المدنية والخدمية، فيما ستبقى الإدارة قائمة حتى يتم نزع سلاح الفصائل المسلحة فى القطاع وعلى رأسها حركة حماس وفقا للتصور الإسرائيلي، كما ستتم خطوة تعيين الحاكم العسكرى بشكل مشترك بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل ولا تشمل الخطة حركة حماس، كما لن تتضمن السلطة الفلسطينية، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل التمثيل السياسى الفلسطينى فى غزة فى حال تنفيذ هذه الخطة. وقد تزامن هذا الإجراء مع المشروع الأمريكى الجديد لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر نقاط توزيع تُدار من قبل شركات أمريكية يشرف عليها ضباط أمريكيون، مما يعد تطورًا خطيرًا فى البُعد الإنسانى والسياسى للعدوان على غزة، ويكشف عن تحول جوهرى فى استراتيجية الولاياتالمتحدة تجاه القطاع، من «الدعم الإنساني» إلى «الإدارة المباشرة»، ما يحمل دلالات استعمارية والهدف المعلن أمريكيا وإسرائيليا فتح نقاط توزيع مساعدات غذائية فى مناطق «آمنة» بوسط وجنوب القطاع، بزعم إنقاذ السكان من المجاعة التى سببتها الحرب أما الجهة المنفذة فستكون شركات أمريكية خاصة مثل Fogbow أو ALS يُشرف عليها ضباط عسكريون أمريكيون، بمعزل عن المؤسسات الفلسطينية والدولية. من الواضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعى لتكرار نموذج الحاكم المدنى الأمريكى للعراق، بول بريمر، فى قطاع غزة، وهو الذى عينته الإدارة الأمريكية على رأس السلطة فى بغداد فى 6 مايو 2003، وأصدر بريمر عشرات القرارات والقوانين المثيرة للجدل كما تسعى الولاياتالمتحدة إلى دعوة دول أخرى للمشاركة والانخراط فى الإدارة المدنية المؤقتة، فى محاولة لتوزيع الأعباء السياسية واللوجستية، وتوفير نوع من الشرعية الدولية للخطوة التى قد تقدم عليها الولاياتالمتحدة. تجد هذه الخطوة مرجعيتها فى إشارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أن غزة ستكون «تحت إدارة أمريكية»، وأن خطته فى غزة ستحقق السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط وتنفيذ مخطط الهجرة الطوعية عبر إجراءات وتدابير أقدمت الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها خلال الفترة الأخيرة. ومن المتوقع أن تُثير هذه الخطوة ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية واسعة، خاصة فى ظل الرفض الفلسطينى الواسع لأى وجود أجنبى مباشر فى إدارة شئون القطاع، وتزايد القلق من محاولات فرض حلول أمنية على حساب الحلول السياسية وقد سبق أن أعلنت إسرائيل عن تعيين العقيد الاحتياط العاد جوفرين حاكما لقطاع غزة ومسئولا للإدارة الخدمية لقطاع غزة. ومن المرشحين لتولى المنصب بشار المصرى وهو المستشار السرى والمقرب من آدم بولر، مبعوث ترامب لشئون الرهائن، والرجل الذى يحاول إيجاد حل فى مواجهة حماس والمصرى وضع نفسه كلاعب رئيسى ومركزى فى خطط إدارة الرئيس ترامب فى مرحلة ما بعد الحرب فى غزة. الفارق بين تجربة بول بريمر الحاكم المدنى الأمريكى للعراق، وبين المستشار الأمريكى المدنى المقترح لإدارة شئون غزة أن بريمر كان مقيما فى بغداد ولكن المستشار المدنى الأمريكى المقترح سيقيم فى المنطقة قريبا من غزة، ولن يدخل إلى قطاع غزة وفقا للمتداول، حتى لا تظهر الإدارة الأمريكية بمظهر من يتحكم فى مستقبل القطاع. والواقع أن ما تدرسه واشنطن من تعيين مستشار مدنى أمريكى لإدارة شئون غزة يؤكد على مسعى أمريكى للتعامل مع القطاع برؤية مباشرة دون احتكام لأية ضوابط، كما حدث بتعيين بريمر حاكما مدنيا للعراق، وكذلك تماما مثل حكومة «فيشي» فى فرنسا التى تعاونت مع قوات الاحتلال النازى الألمانى فى فترة الحرب العالمية الثانية وأن ما تطرحه الولاياتالمتحدة يعد استنساخا لما حدث فى السبعينيات فى الضفة الغربية حين قامت قوات الاحتلال بتعيين ما أطلق عليها «روابط القرى» لإدارة بعض مناطق الضفة الغربيةالمحتلة وفشل هذا المشروع لاحقا. وقد بات من الواضح أن إسرائيل بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة تسعى لإعادة تجربة الحكم العسكرى لقطاع غزة ولكن بشكل مدني، وأن القرار الجديد يمثل المرحلة الأولى لتشكيل إدارة عسكرية خاصة بحكم القطاع، وذلك يكشف نوايا نتنياهو لإعادة احتلال غزة وأن إسرائيل معنية بالبقاء لفترة طويلة داخل القطاع، وتمسكها بمفاوضات التهدئة بمحاور نتساريم وفيلادلفيا وموراج مما يمثل مؤشرا قويا بهذا الشأن، وستعمل على استحداث مناصب أخرى لإدارة غزة. وفى المجمل فإن ما يجرى ليس مجرد خطة إغاثية، بل هندسة سكانية جديدة تركز على الأبعاد السياسية التى تستهدف تشكيل إدارة جديدة فى غزة كمنطقة استراتيجية / اقتصادية ما بعد السيادة، تحت رعاية أمريكية وإسرائيلية مباشرة.