كان الرئيس الأمريكى ترامب يتحدث إلى الصحفيين أول أمس على هامش احتفالية للترويج لكأس العالم فى كرة القدم المقرر أن تستضيفها أمريكا فى العام القادم، والذى يخشى الكثيرون أن تؤثر سياسات ترامب سلبيًا عليها «!!».. عندما سئل عما يجرى فى غزة وأجواء التصعيد فى المنطقة، اختار ترامب أن يبدو إنسانيًا بقدر المستطاع، واعدًا بأن يحاول إدخال «بعض الطعام» لأهل غزة الذين يعانون كثيرًا.. ليس بسبب القتل أو حصار الجوع الإسرائيلى، وإنما لأن «حماس» تسرق الغذاء «!!» فى ترديد لا يليق بالرئيس الأمريكى لأكاذيب إسرائيل، وكأنه لم يسمع تأكيدات نتنياهو فى نفس اليوم ولا تهديدات بن غفير بأن مواجهة الفلسطينيين وهم جوعى أفضل خيار بالنسبة لإسرائيل!! وكأنه لم ير ما يراه العالم كله من اصطفاف آلاف الشاحنات على الحدود المصرية مع غزةالفلسطينية بعد منع إسرائيل دخولها وإغلاقها للمعابر وإعلانها حرب الجوع بموافقة واشنطون وتأييدها العلنى!! يتحدث ترامب عن إرسال «بعض الأطعمة» لمليونى فلسطينى محاصرين بالجوع ومهددين بالقتل اليومى. لا يذكر كلمة واحدة عن إعلان نتنياهو عن «توسيع حرب الإبادة» على غزة، ولا عن مخطط إعادة احتلال غزة وإجبار أهلها على النزوح للجنوب تمهيدًا لفرض التهجير القسرى الذى لا يتوقف مجرم الحرب عن التصريح بأنه الهدف المشترك له ولترامب منذ أن أطلق الأخير مشروع «ريفيرا الشرق» الذى رفضه العالم كله إلا نتنياهو وعصابة زعماء الإرهاب الإسرائيلى، والذى واجهه العالم بالإجماع على رفض أى حديث عن التهجير، والالتفاف حول المشروع المصرى «الذى أصبح عربيًا وإسلاميًا ودوليًا» أيضًا لإنهاء الحرب وتعمير غزة وبمشاركة أهلها وفى وجودهم، وفى إطار الدولة الفلسطينية المستقلة والموحدة على كل حدودها القانونية.. ولا كلمة عن استمرار الجريمة الصهيونية والتوسع فيها رغم أن نتنياهو يربط بدء المرحلة الأخطر فى حربه المجنونة بنهاية زيارة الرئيس الأمريكى للمنطقة هذا الشهر. يكتفى «ترامب» بالحديث عن «بعض الطعام» وبالصمت عن الكثير من أسلحة القتل التى تنهال من الترسانة الأمريكية إلى آلة القتل الإسرائيلية التى حصدت حتى الآن أكثر من 175 ألف قتيل وجريح ثلثاهم على الأقل من الأطفال والنساء «!!».. لم تكن فلسطين يومًا فى حاجة إلى الطعام من أمريكا، وإنما كانت ومازالت فى حاجة إلى أن توقف أمريكا شراكتها للنازيين الصهاينة الذين لم يرتكبوا كل جرائمهم إلا بدعم واشنطون وترسانة أسلحتها، والحسابات الخاطئة التى تفقد فيها حتى بعض القوى الكبرى الرؤية والطريق، لتصل إلى الاختيار الأسوأ: بعض الأطعمة هنا، وكثير من الأسلحة هناك.. والباقى للصفقات المشبوهة والسلام المستحيل. نحترم الانشغال الأمريكى بوصول «بعض الطعام» إلى الصامدين فى غزة ليتهم ينشغلون أكثر بأن يتوقفوا عن إرسال أسلحة القتل، وأن يقفوا أمام الحقيقة الأساسية فى كل ما يجرى: هناك احتلال لابد أن ينتهى، وحرب إبادة لابد أن تتوقف، وحقوق مشروعة لابد أن تعود لأصحابها.. ومن يرفض ذلك عليه أن يستعد لدفع الثمن الذى يدفعه كل من سار فى طريق لا نهاية له إلا السقوط المحتوم!!