هذه هو دوس القرون الماضية، فقد ادت الحرب العالمية الاولى الي انهاء نظام عالمي، وابرز ملامحه ال 14 مبدا الذي اقرها الرئيس الامريكي ويلسون، تم خلاله انشاء عصبة الامم، وجاءت الثانية لترسي نظاما عالميا جديدا، قام علي انشائه دول التحالف المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وخلقت نظام ثنائي القطبية امريكا وحلفائها من ناحية ، والاتحاد السوفيتي والدائرين في فلكه من ناحية آخري، وقد تعددت الاحداث في تغيير ملامح النظام العالمي المستقر منذ اربعينات القرن الماضي، منها انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه وتفككه وانقسامه، الي دول بعضها ليس علي وفاق مع موسكو ،وكذلك هجمات الحادي من سبتمبر 2001 ،والتي شكلت اخطر ضربة للقدرات الامريكية، ناهيك عن الغزو الامريكي للعراق في ابريل من عام 2003 ،والذي كرس سطوة امريكا علي العالم، ويومها دعي بوش الاب الي نظام عالمي جديد، واصبحنا امام القطب الواحد الذي يسيطر علي مقدرات الامور الدولية . ولهذا ليس من المبالغه، الحديث عن ملامح النظام العالمي الجديد، مع بداية دخول ترامب مكتبه البيضاوي، تكشف كل مواقفه عن سعيه الي اسقاط النظام العالمي، الذي استمر 80 عاما، و ساعدت واشنطن علي بنائه، فهو صاحب رؤية ان (هناك فجر عصر جديد) ، حيث تعتمد الدول علي نفسها، وفي تخلي عن النظام المستقر سابقا، ورغم ان امريكا كانت تميل للعزلة، يساعدها في ذلك الجغرافيا السياسية لها ، ولكنها في خلال الحقب السابقة ، نجحت في التوازن بين ذلك، والالتزام بالامن العالمي، والتجارة الحرة، ومع ذلك فان ترامب يراهن علي احداث صدمة، قد تعيد رسم خارطة الاقتصاد العالمي ،كطريق لاعادة ترتيب النظام العالمي، وفقا لمصالح واشنطن، كاداة هيمنة، وليس كاداة حماية، كما انه يستهدف اللاعبين الكبار الثلاثة في النظام العالمي القديم، وهم الاتحاد الاوربي، والصينوروسيا، فهو يعتبر الصين- مثلا - ليس مجرد منافس اقتصادي، بل تهديد استراتيجي شامل، ويسعي الي تفكيك اوربا كجزء من مخطط كونها قوة مستقرة ،ومن الكيانات الكبري ، واستبدلها بشركاء اضعف، كما ان واشنطن تعتمد علي التحالفات الثنائية الانتقائية، بدلا من الشراكات متعدد الاطراف . ولعل ابرز تلك الملامح ايضا، تصريحات الرئيس، ومجموعة الاوامر التنفيذية التي داب علي توقيعها علنا ،وفي حضور اجهزة الاعلام، في ممارسة سياسة( الصدمة والترويع )، حسب وصف الصحفي الاميركي الشهير توماس فريدمان، خاصة وان بعضها، كان خارج العقل والمنطق، من ذلك دعوته الي ضم اراضي ودول مجاورة، فقد كشف ترامب علنا، عن مطالبه بضم جزيرة جرييلاد بطريقة او باخري، واستعادة السيطره علي قناة بنما ،وتحويل كندا الي الولاية 51، ولم يخفي هدفه وسعيه لاستعادة عظمة بلاده ، ويرفع شعار آمريكا اولا، حتي لو كان الامر علي حساب علاقات وتحالفات مستقرة منذ حقب طويلة . ودعونا نتفق علي امر النظام العالمي الجديد، ليس مرهونا فقط بالارادة الامريكية، بل علي القوي الكبري الاخري، فعلي الصعيد الاوربية شكل مواقف ترامب من حرب اوكرانيا تحديدا صدمة حقيقة لها ،يضاف الي ذلك ميله الي الانفتاح علي روسيا، مع دعوته الي رفع معدلات الانفاق الدفاعي، ولهذا فان دول الاتحاد تحمل واشنطن مسئولية، قطع وعرقلة الطريق علي امكانية نشوء قوة عسكرية اوربية دفاعية، بعد ان ركنوا علي فكرة قيام واشنطن بالدور، وسعيها الي قيادة العالم، ووصل الامر الي ان دول مثل السويد وفنلندا، سعت الي احداث تغييرات جذرية في عقيدتها الحيادية، ودفع بها الى احضان الاطلنطي، بعد ان وجدت نفسها في عين العاصفة، مع اول صراع محتمل مع روسيا، ولهذا فلم يكن من الغريب ان نجد خبيرا عسكريا بريطانيا وهو ايد نولد من مركز الأبحاث البريطاني، يتوقع امكانية انخراط دول حلف الاطلنطي في مواجهة عسكرية مع روسيا خلال عامين القادمين اما الصين، وهي في مقدمة المستهدفين من سياسات ترامب، وقد قبلت التحدي، رغم انها تاريخيا حريص علي عدم الدخول في اي مواجهات مع واشنطن،و بعد قرار ترامب برفع الرسوم الجمركية مؤخرا 145 بالمائة وعلي سلع آخري 245 بالمائة، فقد تعددت ردودها من فرض نفس النسبة، وزادت عليها حظر تصدير المعادن النادرة، والتي تدخل في تصنيع منتجات عديدة، والتي ستسبب ج في كوارث لشركات مثل تسلا لصناعة السيارات الكهربائية، علي سبيل المثال لا الحصر ، كما تسعي بكين الي ايجاد موطأ قدم لصادراتها في دول وتجمعات مختلفة، منها تكتل بريكس ،الذي يسعي الي نظام للتعامل والمبادلات بين اعضائه، بعيدا عن الدولار، وهناك توقعات بالنظر في امكانية تحقيق اصطفافات صينية واوربية ، علي ضوء ذلك | وتظل روسيا، والتي تكون اكثر من استفاد من وجود ترامب في البيت الابيض، فقد نجح ترامب خلال اقل من مائه يوم، في فك العزلة الغربية عن بوتين، التي استمرت سنوات الحرب مع اوكرانيا، واصبح اميل الي تبني سياساته ومواقفه، بالنسبة الي انهاء الحرب في اوكرانيا، والضغط علي رئيسها، والقبول حتي بفكرة سيطرة موسكو علي شبه جزيرة القرم، والتي تمثل خطا احمر لاوروبا، ويذكر في هذا الاطار ان روسيا مازالت تناور بعلاقاتها مع دول مثل ايران، بعد بدء العمل باتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بعد التوقيع عليها خلال اجتماع بوتين، مع نظيره الايراني في يناير الماضي. واخيرا، فهناك مخاوف من ترسيخ مفاهيم ترامب، لتكون جزء من سياسة امريكية معتمدة، حتي بعد نهاية ولايته الحالية، يضاف الي ذلك عدم وضوح مواقفه من الركائز الاساسية للنظام العالمي، الذي ظهر عام 1945 ، منها حلف شمال الاطلنطي ،ومعاهدة منع الانتشار النووي، والاممالمتحدة ومؤسساتها، منها الصندوق والبنك الدوليين، ومجلس حقوق الانسان ومنظمة الصحة العالمية، ووكالة غوث اللاجئين، وبعضها انسحب منها بالفعل ، وانهي اي دعم مالي لها . والخلاصة، ان امريكا هي من ترسم خريطة العالم الجديد، وتبدو اوربا اكبر( الخاسرين) , والصين مازالت تناور، بين عدم رغبة في الصدام، والقدرة علي الدفاع عن مصالحها، اما روسيا فقد تكون (اكبر الفائزين، اذا نجحت في خلق علاقة مختلفة مع ادارة ترامب.