د. طلعت شاهين رحل الكاتب المثير للجدل ماريو بارجاس يوسا بعد أن قارب على التسعين من عمره، بعد حياة حافلة بالإبداع والمتناقضات. كان موهوبا أدبيا نعم، لكنه كان انتهازيا سياسيا واجتماعيا، وذاك وجه لا يتحدث عنه سوى من عرفه عن قرب وتابع مسيرته على مستوياتها جميعا. كان صديقا لجابرييل جارثيا ماركيز في مرحل حياتهما المبكرة، لكن موهبة ماركيز كانت أكبر فبدأ موقف بارجاس يوسا تجاه صديقه ويتغير، من ناحية ربما إحساس بفارق الموهبتين وغيرة من الاهتمام النقدي المبكر بأعمال ماركيز، شمل ماريو بارجاس يوسا نفسه الذي أعد اطروحته الجامعية عن أعمال ماركيز، كل هذا كان في مرحلة صعود اليسار في أمريكا اللاتينية بشكل عام والاهتمام الاعلامي بنجاح ثورة فيدل كاسترو في كوبا. مع الضغوط الامريكية الاستعمارية ونجاحها في تغيير بعض الانظمة اليسارية في عدد من دول أمريكا اللاتينية عبر انقلابات عسكرية بداية من انقلاب الجنرال اوغوستو بينوتشه في التشيلي عام 1973، والحصار الاقتصادي والعسكري المضروب على جزيرة كوبا، تم فرز مواقف المثقفين والمبدعين في المنطقة بكاملها، فيما ظل جابرييل جارثيا ماركيز على موقفه الداعم للثورة الكوبية، اختار ماريو بارجاس يوسا التوجه المعادي لشعوب تلك المنطقة، وصل به الحد إلى هجوم دائم ومستمر على الرموز اليسارية هناك وبالطبع على أهم مكوناته الثقافية التي كان يمثلها عدد من مبدعي تلك البلاد وعلى رأسهم ماركيز. ووصل تحوله إلى الهجوم المباشر على ما حققته ثورات عدة في أمريكا اللاتينية، وإمعانا في معاداته للثورات اليسارية تقدم للانتخابات الرئاسية في بلاده البيرو ممثلا لطبقة رجال الأعمال الليبراليين الموالين للتوجهات الغربية بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، ودعمت المصارف الرئيسية في بلاده حملته الانتخابية، لكنه خسرها في مواجهة مهندس زراعي مجهول الهوية من أصول يابانية هو ألببرتو فوجيوموري، شخصية مجهولة استغلت الرفض الشعبي لتحول بارجاس يوسا السياسي والاجتماعي ليتربع على كرسي الرئاسة في البيرو مع بدايات مبشرة لكن اليمين أفسده وحوله إلى دكتاتور. ماذا كانت نتيجة خسارة ماريو بارجاس يوسا للانتخابات الرئاسية في بلاده: أنه واصل تحوله نحو اليمين إلى درجة أنه تخلي عن جنسية الوطن الذي كان يطمح لتولي رئاسته ويطلب الجنسية الاسبانية بشكل رسمي، بل أنه انتقل من الهجوم على اليسار الأمريكي اللاتيني إلى الهجوم على اليسار الاسباني، بل أنه اختار أسوأ شخصيات اليمين الاسباني ليدعمه: خوسيه ماريا أزنار، رئيس حزب التحالف الشعبي، أحد داعمي الحملة الأمريكية على العراق بقيادة جورج بوش، واطلقت عليه الصحف الاسبانية وقتها، الثلاثي القبيح: جورج بوش وطوني بلير وخوسيه ماريا أزنار. وبمرور الوقت تكشفت جوانب أخرى في شخصية ماريو بارجاس يوسا: إحساسه بأنه ينتمي إلى الجنس الأبيض، ملامحه تشي بذلك، شعره الأشقر وتقاطيع وجهه أيضا، وممارسته في حياته الاجتماعية والسياسية في إسبانيا كانت دائما تبحث عن الفرقعات الاعلامية، معتقدا أن الاعلام أهم بالنسبة للكاتب من الموهبة، ودفع به هذا الاعتقاد إلى الارتباط عاطفيا بسيدة تدعى «ايسابيل بريسلر» معروف أنها لم تقرأ كتابا في حياتها، وتعيش كما يقول المثل الاسباني على خلق الحكايات من حولها، كل تاريخها ومواهبها أنها كانت ملكة جمال الفلبين، ثم قررت استغلال موهبة الجمال للبحث عن الشهرة والمال: تزوجت من المطرب الاسباني الشهير خوليو اجليسياس، ومن بعده ارتبطت بعدد من مشاهير الرجال الأثرياء وذوي النفوذ، منهم وزير الاقتصاد الاسباني إلى أن وصلت إلى ماريو بارجاس يوسا بعد حصوله على جائزة نوبل للآداب. وتحولت تلك العلاقة إلى حكاية أسطورية عاشها الكاتب بكل جوارحه، لأنها كانت تضعه تحت أضواء عدسات التصوير الاعلامي أينما حلا معا، وكثيرا ما تندرت عليه وسائل الإعلام الجادة ووصمته برفيق ايسابيل بريسلر بدلا من أن تكون هي رفيقة الحاصل على جائزة نوبل للاداب (؟!!) فوز ماريو بارجاس يوسا بجائزة نوبل للآداب لم يتعلم منه التواضع كما هو الحال في عدد كبير من الفائزين بتلك الجائزة وفي مقدمتهم ماركيز، صديقه السابق وعدوه اللدود، بل أصيب الكاتب بغرور جعله يبدو كالطاووس، يحاول لفت الأنظار لحضوره بكافة الطرق والوسائل، وهذا الأمر بدلا من أن يفيده في ابداعه عرضه لانتقادات حادة، بعد جائزة نوبل قرر أن يكتب المسرح، ومع أول نص له تدخل في إعداد النص عند تقديمه للجمهور وفرض على المخرج أن يتولى هو تأدية الشخصية الرئيسية في المسرحية مما عرض مشروع العرض إلى فشل ذريع، وفعل هذا أيضا عند تحويل روايته الأولى «المدينة والكلاب» لفيلم سينمائي تدخل في إعداد السيناريو حتى أفسده، وأراد أن يلعب شخصية البطولة في الفيلم، رغم تقدمه في السن والشخصية السينمائية تتحدث عن جندي يؤدي خدمته العسكرية، أي في سن المراهقة، لأنه حسب كلامه أنه كتب الرواية مستوحيا مادته من حياته أثناء تأديته للخدمة العسكرية، وانتهى الأمر بكارثة. عندما انحسرت الأضواء عن ملكة الجمال السابقة ايسابيل بريسلر انفصل عنها ليعود إلى زوجته السابقة، لكن التعاسة طاردته وفقد حضوره الشخصي، وحاول تعويض هذه الخسارة بابداء الرأي في القضايا السياسية الحساسة في اسبانيا، لأنه اعتبر نفسه مواطنا اسبانيا بعد تخليه عن جنسية البيرو، واستمر تحوله نحو اليمين يزداد تطرفا حتى أصبح احد علامات اليمين الاسباني الشهيرة.