كان أول ماقلته لكاتب بيرو الكبير ماريو بارجاس يوسا حين قابلته في القاهرة قبل سنتين هو: كيف لم تنتبه جائزة نوبل لانجازك الأدبي العظيم حتي الآن؟ فجاء رده مفاجئا, حيث قال ضاحكا: يكفيهم جابرييل جارثيا ماركيز!! كان بارجاس يوسا يشير بذلك الي واقعة مؤسفة كانت موضوع لقاء جري بيننا قبل ذلك بنحو سنة في لندن, حيث كان يقيم, ذلك أنه كانت هناك قطيعة كاملة بين كاتبي أمريكا اللاتينية الكبيرين بارجاس يوسا وماركيز يعود تاريخها لأكثر من30 عاما رغم الصداقة التي كانت تجمع بينهما قبل ذلك. وأسباب تلك القطيعة من الأمور الغامضة التي لم يفصح عنها أي من الطرفين لكن المعروف انه في عام1976 كان كل من بارجاس يوسا وماركيز في زيارة للمكسيك, وأثناء وجودهما في قصر الفنون الجميلة بالعاصمة احتدم بينهما نقاش عنيف انتهي بأن لكم يوسا ماركيز في وجهه لكمة أوقعته علي الأرض, ومنذ ذلك الوقت قطعت كل العلاقات بينهما, وقد رفض كل منهما الحديث في هذا الموضوع بعد ذلك. أما السبب الذي دعاني لمفاتحة بارجاس يوسا في هذا الموضوع حين قابلته عام2007 في لندن فهو أنه في ذلك الوقت صدرت طبعة احتفالية من رائعة ماركيز مائة عام من الوحدة ووافق بارجاس يوسا أن يؤخذ جزء من رسالته الجامعية عن ماركيز والتي كان قد حصل بها علي درجة الدكتوراه من جامعة كومبلتنس الاسبانية كمقدمة لتلك الطبعة, وتصورت أن القطيعة بين الرجلين قد انتهت, لكني فوجئت ببارجاس يوسا علي موقفه من ماركيز حيث أكد لي انه لن يتحدث معه ثانية. وفي العام التالي قام ماريو بارجاس يوسا بأول زيارة له الي القاهرة هو وزوجته, وحين التقينا لم أكن أريد أن أفاتحه ثانية في موضوع ماركيز بل كنت أرغب في أن أحييه علي موقفه الشجاع من مأساة الشعب الفلسطيني بعد زيارة قام بها آنذاك للأراضي المحتلة.لكني فوجئت به يشير إلي ماركيز ساخرا في رده علي سؤالي حول نوبل. أما عن زيارته للأراضي المحتلة فقد أخبرني أنها كانت من أسوأ التجارب التي مر بها حيث لم يكن يتصور أن معاناة الفلسطينيين وصلت إلي هذا الحد غير الإنساني وقال أنه ينوي أن يكتب في هذا الموضوع, كما أنه صور فيلما توثيقيا لما شاهده من أعمال وحشية علي حد تعبيره. وقد صعد نجم ماريو بارجاس يوسا في الستينيات الماضية بروايته الأولي المدينة والكلاب(1961) والتي تلتها البيت الأخضر(1965) ثم حديث في الكاتدرائية(1969), ويتنوع انتاج بارجاس يوسا مابين الرواية والمسرحية والمقالات الصحفية التي مازال مواظبا عليها في كبري الصحف الاسبانية وهي جريدة إلباييس, لكن اهتمامه بالسياسة كان واضحا منذ روايته الأولي التي هاجم فيها المؤسسة العسكرية الحاكمة في بيرو آنذاك مما دعاهم لحرق الكتاب واتهامه بالعمالة للإكوادور المعادية للحكم في بيرو. وقد كان هذا الاهتمام بالسياسة هو مادفع الكاتب لخوض تجربة الترشح للرئاسة في بلاده عام1990 امام الرئيس السابق ألبرتو فوجيموري, وقد سألت فوجيموري أثناء مقابلة معه نشرت في الأهرام عام1998 وكان في فترة رئاسته الثانية, عن سبب فوزه علي بارجاس يوسا رغم شعبية الكاتب الكبير فقال إن خطاب الكاتب كان مغرقا في التقنيات السياسية, وان أسلوبه الارستقراطي باعد بينه وبين الناخبين, وقد عجبت لهذا الرأي, فرغم المظهر الأنيق لماريو بارجاس يوسا إلا أن والده كان سائق أتوبيس, كما أن حملته الانتخابية ركزت علي الديمقراطية وحقوق الانسان, وقد كانت التجاوزات في هذين المجالين خاصة الأخير منهما هو السبب الذي من أجله يقضي فوجيموري الآن عقوبة الحبس في أحد سجون بيرو, وهو أيضا السبب الذي من أجله فاز غريمه بجائزة نوبل التي ورد في حيثياتها أن أعماله الأدبية ذات المضمون الانساني كشفت النظم السلطوية ودعت الي حرية الفرد وحقوق الانسان.