الإحصائيات تكشف تصاعد التعامل بها فى مصر رغم حظرها خبراء: الوعى المالى السلاح الأقوى لمواجهتها.. غسل الأموال والأضرار الاقتصادية والاحتيال أبرز مخاطرها يبدو أن هناك عالمًا آخر وراء بريق العملات الرقمية.. فقد باتت هذه العملات المشفرة ظاهرة تجذب الملايين حول العالم، اختُرع البيتكوين فى عام 2008 من قبل شخص مجهول يُعرف باسم ساتوشى ناكاموتو.. واعدا العالم بالثراء السريع والاستقلال المالى. لكنه لم يذكر أنه فى المقابل ستحمل فكرته مخاطر تهدد الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى، خاصة فى دول نامية مثل بلدنا مصر.. ومع تزايد انتشار العملات المشفرة، يُروج لها كوسيلة سهلة للاستثمار، بينما تُستخدم غالبًا فى عمليات احتيال وغسيل أموال، مما يضع الشباب فى دائرة الاستغلال والخسارة.. تُظهر الإحصائيات العالمية أن القيمة السوقية للعملات الرقمية تجاوزت 1.7 تريليون دولار فى عام 2024، مع تداول أكثر من 23 ألف عملة مشفرة. فى مصر، تشير تقارير إلى إنه رغم عدم الاعتراف القانونى بها، فإن 15% من الشباب بين 18 و35 عامًا فكروا فى الاستثمار بها..على الجانب الآخر.. «الأخبار» فى هذا التحقيق ترصد مخاطر العملات الرقمية على المجتمع والأفراد ووجهت الأسئلة للخبراء والمتخصصين لمعرفة أبعاد هذه الظاهرة وكيفية التصدى لها ومواجهتها. اقرأ أيضًا| «بلاك روك» الأمريكية تطلق أول منتج تداول بتكوين في أوروبا مع تزايد هذه المخاطر التى ذكرناها وسنذكرها فى التحقيق، يصبح من الضرورى العمل على تنظيم سوق العملات الرقمية فى مصر، من خلال تشريعات واضحة تضمن حماية المستثمرين والاقتصاد، بالإضافة إلى ذلك، يجب نشر التوعية بين الشباب حول مخاطر التداول غير المنظم وتعزيز التعاون الدولى لتتبع العمليات المشبوهة والحد من الجرائم المرتبطة بهذه التكنولوجيا. بادئ ذى بدء يبلغ سعر عملة «البيتكوين» الواحدة 101 ألف دولار، ويمكن التداول على أجزاء منها، إذ تضم العملة الواحدة نحو 100 مليون «ساتوشى» (الوحدة الأصغر فى البيتكوين)، وفق مواقع مالية عالمية.. ويخرج من هذا السوق آلاف العملات الرقمية المشفرة بأسماء وشعارات عديدة.. وتتفاوت أسعار هذه العملات باستمرار بناءً على العرض والطلب فى الأسواق العالمية.. فمثلا البيتكوين (BTC) يبلغ سعرها حوالى 98٫347.98 دولار أمريكى، مع قيمة سوقية تقارب 1.95 تريليون دولار.. أما الإيثريوم (ETH) تُتداول بسعر حوالى 3٫657.35 دولار أمريكي، وقيمة سوقية تبلغ نحو 440.62 مليار دولار.. وغيرها مثل عملة سولانا (SOL) التى تُتداول بسعر حوالى 190.682 دولار أمريكى، مع قيمة سوقية تقارب 91.96 مليار دولار. اقرأ أيضًا| انخفاض حاد لأسعار بتكوين والعملات الرقمية وسط مخاوف من حرب تجارية عالمية ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول حجم سوق تداول العملات الرقمية فى مصر، فإن المؤشرات تكشف عن وجود سوق نشطة آخذة فى الاتساع. ملاحقات أمنية خلال عام 2021 وحده، أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط ستة تشكيلات إجرامية متورطة فى تداول العملات الرقمية وتعدينها، وكانت هذه التشكيلات تعمل فى القاهرة ومحافظات أخرى. وفى مارس 2023، ألقت السلطات القبض على شبكة قامت بالاحتيال على عشرات المواطنين باستخدام تطبيق يُدعى «هوج بول»، حيث استولت على مبلغ 19 مليون جنيه، مستغلة فكرة استثمار الأموال فى العملات الرقمية. عقب الكشف عن هذه الشبكة، أصدر البنك المركزى المصرى تحذيراً للمواطنين يدعوهم إلى عدم التعامل مع مثل هذه الأنشطة، مؤكداً أنها مجرّمة قانوناً وفقاً للمادة 206 من قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى الصادر عام 2020. هذه المادة تحظر إصدار أو تداول العملات المشفرة أو إنشاء منصات لتداولها أو الترويج لها دون الحصول على التراخيص اللازمة. غير جائز شرعًا على الصعيد الدينى، أفتى د.على جمعة، مفتى مصر الأسبق، عام 2018 بحرمة التعامل بعملة «البيتكوين». واعتبر أن تداولها غير جائز شرعاً بسبب ما تحمله من مخاطر تتعلق بالغرر والجهالة والغش، فضلاً عن تأثيراتها السلبية على الأفراد والاقتصادات الوطنية، مشيراً إلى أنها لا تحظى باعتراف الجهات المختصة كوسيط تبادل رسمى. ورغم حظر التعامل بالعملات المشفرة وفقاً لقانون البنك المركزى، فإنه لا يوجد فى مصر قانون محدد ينظم التعامل بها أو يفرض عقوبات واضحة على المتداولين. توخى الحذر وفى هذا الصدد يرى د.عبد الرحمن عليان أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن تداول العملات الرقمية خطير على الاقتصاد القومى وأيضا للأفراد، فهناك دول رفضت تقنين تداول تلك العملات داخل أراضيها، مشيرا إلى أن البنك المركزى المصرى لا يعترف بها كوسيلة دفع رسمية. ومع ذلك، قد يتأثر الاقتصاد المصرى بتداول هذه العملات بطرق غير مباشرة، مثل استخدامها فى أنشطة غير مشروعة كغسيل الأموال أو تأثيرها على استثمارات الشباب الباحثين عن الثراء السريع.. لذلك، نصح أستاذ الاقتصاد المصريين دائمًا بتوخى الحذر والاطلاع الجيد قبل الاستثمار فى هذه الأصول الرقمية، نظرًا لتقلباتها العالية والمخاطر المحتملة المرتبطة بها مثل التعرض للنصب والاحتيال. بنية قوية أما د.يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا فيرى أن التعامل بالعملات المشفرة يتطلب وجود بنية أساسية قوية لضمان حماية المستخدمين وتنظيم السوق بشكل فعّال. وأشار إلى أهمية رفع مستوى الوعى لدى المصريين بشأن هذه العملات، محذراً من مخاطرها باعتبارها عملات وهمية قد تُعرّض المتعاملين للنصب والاحتيال. وأضاف أن انتشار هذه العملات يؤدى إلى امتصاص القوة الشرائية للمواطنين، مما يشكل تهديداً للاقتصاد الوطنى ويزيد من الأعباء المالية على الأفراد. إطار قانونى أوضح د.أسامة حسنين، أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن التعامل مع العملات الرقمية يحتاج إلى قواعد منظمة وتشريعات واضحة تتكامل فيها أدوار البنك المركزى وكل أجهزة الدولة. وأكد أن هذه العملات ترتبط بشكل أساسى بالاقتصاد الرقمى، مما يتطلب بنية تحتية كافية لضمان تنظيم المسألة بشكل فعال ومنع أى استخدامات غير مشروعة لها. وأكد د.حسنين أنه فى حال شراء العملات الرقمية والتعامل بها عبر منصات معروفة ومعترف بها خارج مصر، فإن ذلك لا يُعد مخالفة قانونية. ومع ذلك، شدد على أن زراعة العملات المشفرة مثل البيتكوين داخل مصر تُعتبر نشاطًا مخالفًا للقانون، نظرًا لما يتطلبه من استهلاك هائل للطاقة والبنية التحتية غير المؤهلة، فضلًا عن غياب التشريعات المنظمة لهذه الأنشطة. واختتم د.حسنين حديثه بالتأكيد على أهمية بناء منظومة تشريعية متكاملة تتماشى مع التطورات العالمية فى مجال الاقتصاد الرقمى، مع تعزيز التعاون بين الدول لضمان السيطرة على استخدام العملات الرقمية وتنظيم تداولها بما يحقق التوازن بين الابتكار التكنولوجى والحفاظ على الأمن الاقتصادى. منصات وهمية ويلتقط منه طرف الحديث د.محمد الظواهرى الخبير فى الأمن السيبرانى ومكافحة الجرائم الإلكترونية الذى يرى أن العملات المشفرة، بما فيها «البيتكوين» وغيرها من العملات، تعتبر جريمة داخل الأراضى المصرية إذا تم استخدامها فى أغراض غير قانونية، مثل تمويل الإرهاب أو العمليات المشبوهة. وأشار إلى ظهور العديد من المنصات التى تدعى التعامل بالعملات الرقمية بينما لا تعمل فعلياً، مما يعرض المستخدمين لعمليات نصب واحتيال. وأضاف أن هناك منصات حقيقية تدير معاملات بالعملات المشفرة، لكنها تظل عرضة للخطر، حيث يمكن أن يتم التداول عبر وسطاء غير موثوقين مما يعرض الأفراد لمخاطر مالية. كما لفت إلى أن العملات المشفرة تعتمد على تقنية «البلوك تشين» أو سلاسل الكتل، التى تظل غير مفهومة للكثيرين حول كيفية عملها، ما يزيد من خطر التلاعب بها. أما المهندس وليد حجاج خبير أمن المعلومات ومستشار الأمن السيبرانى فأكد أن العملات المشفرة تعد بيئة خصبة لأنشطة غير قانونية، حيث يمكن أن تستخدم فى تمويل عمليات الإرهاب أو غسل الأموال بسبب طبيعتها اللامركزية وعدم وجود جهة رقابية قادرة على تتبع المعاملات. وأشار حجاج إلى أن هذا النوع من الأنشطة يعزز الجريمة المنظمة ويسهم فى تفشى عمليات النصب الإلكترونى على نطاق واسع، خصوصاً عبر منصات مجهولة لا تلتزم بأى معايير أمان. وفى الختام، دعا حجاج إلى ضرورة تكثيف حملات التوعية حول المخاطر المتعلقة بالعملات المشفرة، خاصة فى ظل التطورات التكنولوجية السريعة التى لا يستطيع الكثيرون مواكبتها. وأكد أهمية فرض قوانين أكثر صرامة على هذا المجال لحماية المواطنين والاقتصاد المصرى من التبعات السلبية لهذه الظاهرة. احباط واكتئاب وعن التأثيرات النفسية.. أكدت د.نيفين حسنى استشارى علم النفس الرقمى وعضو الهيئة الاستشارية العليا لتكنولوجيا المعلومات أن العملات الرقمية وتداولها ظاهرة حديثة نسبيًا فى مصر، وقد أثارت اهتمامًا متزايدًا بين الشباب. وعلى الرغم من محدودية الدراسات المحلية المحددة حول تأثيرها النفسى والاجتماعى، يمكن استنتاج بعض التأثيرات المحتملة بناءً على الأبحاث العالمية والتوجهات العامة.. فمن الناحية النفسية، أكدت د.نيفين بأنه يمكن أن يؤدى التذبذب الكبير فى قيمة العملات الرقمية إلى شعور المتداولين بالقلق والتوتر المستمر بشأن استثماراتهم. وعلى المستوى الاجتماعى، أكدت د.نيفين بأنه قد يؤدى الانشغال المفرط بتداول العملات الرقمية إلى تقليل التفاعل الاجتماعى، مما يساهم فى الشعور بالوحدة والعزلة. كما يمكن أن تتسبب الخسائر المالية أو الانغماس الزائد فى التداول فى توتر العلاقات مع الأصدقاء والعائلة، خاصة إذا كان هناك تأثير مباشر على الوضع المالى للأسرة.