قد تكون فنلندا أسعد دولة فى العالم، لكن الحقيقة أن المدينة والمواطنين دائمًا فى ترقب واستعداد دائمين.. أسفل أرصفة العاصمة «هلسنكي» تمتد شبكة ضخمة من المخابئ والأنفاق، تكفى لإيواء السكان من خلال 60 ألف ملجأ فى جميع أنحاء البلاد.. هذا النظام ليس طارئًا، بل هو ثقافة متجذرة تُلزم كل مبنى كبير بملجأ خاص، وتدمج التدريبات الدفاعية فى نسيج الحياة اليومية. كما يتدرب الشعب بانتظام على استخدام هذه المخابئ والتعامل مع أنماط مختلفة من الأزمات والكوارث.. وحين سُئل أحد المسؤولين الفنلنديين عن سبب ذلك، أجاب: «هناك شعور تاريخى لدينا بضرورة الاستعداد دائمًا. ولا يقتصر الأمر على هذا الجيل بل يتواصل مع الأجيال القادمة، ونضع فى حساباتنا احتمالات أن تهاجم روسيافنلندا بطريقة ما، كما حدث فى الماضى». اليوم، لم تعد الحروب الحديثة تقتصر على الجبهات العسكرية والمخابئ فقط، بل تمتد تأثيراتها إلى كل مواطن داخل الدولة..وكما يقول المثل الشعبى: «الذى لا يرى من الغربال أعمى»، وكذلك الذى لا يرى الحقائق ماثلة أمام عينيه أعمى..مخاطر الحروب التجارية والتهديدات الأمنية أصبحت محدقة بالمصريين اليوم أكثر من أى وقت مضى، مما يستدعى استعدادًا شعبيًا واستراتيجيًا عاجلاً.. لا مفر من أن الدول التى ستنجو من الأزمات والحروب هى تلك التى يكون شعبها جزءًا أساسيًا من خطة الدفاع والمواجهة. مع التطور الهائل فى أسلحة الحروب الحديثة، لم يعد هناك ما يُسمى ب»الجبهة» التى يحارب عليها العسكريون فقط، بل أصبح كل مواطن معرضًا لتداعيات الصراع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لذا، فإن إعداد الدولة للدفاع لا يقتصر على امتلاك قوات مسلحة وشرطة قوية، بل من الضرورى أيضًا إعداد الشعب، بحيث يصبح كل المجتمع وأفراده فى حالة إدراك دائم، وقادرين على التكيف مع الظروف الطارئة دون انهيار. فى العلوم العسكرية، أصبح الحفاظ على الأمن القومى يتطلب تطبيق فعال لاستراتيجيات إعداد الشعب للدفاع..الهدف من ذلك هو تحقيق الاستخدام الأمثل للقوى البشرية للدولة فى جميع المجالات، مما يساعد على تدبير أكبر قدر من الموارد وقت السلم والاستقرار لتلبية الاحتياجات الضخمة فى الكوارث والأزمات بمختلف أشكالها. اليوم، لم يعد هناك مكان للمتفرجين أو المنعزلين عما يحدث حولهم، فالمخاطر أصبحت تُطرق كل الأبواب.. الاستعداد لم يعد خيارًا، بل أصبح فريضة واجبة على كل فرد ومؤسسة..وكما أمرنا القرآن الكريم: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»..الجميع معرض للخطر، والجميع مطالب بالاستعداد..الأزمات لا تأتى بإنذار مسبق، وعلى الإعلام أن يمارس دوره فى نشر التثقيف الدفاعى لإعداد أجيال واعية قادرة على التعامل مع التهديدات الأمنية المعاصرة. الإعلام أداة أساسية لتعزيز الأمن القومى، ويحتاج إلى تبنى استراتيجيات واضحة ومدروسة تضمن تحقيق التوازن بين حرية التعبير والحفاظ على الأمن القومى. ويمكن للإعلام أن يلعب دورًا مهمًا فى تعزيز جاهزية المجتمع لمواجهة الكوارث والأزمات، من خلال تقديم إرشادات عملية حول كيفية التصرف فى الأزمات ونشر خطط الطوارئ التى تعتمدها الدولة. والأهم هو استعراض أساليب مواجهة التحديات الجديدة التى تواجه الأمن القومى، مثل الجرائم السيبرانية والحروب الاقتصادية، مما يمكّن المواطنين من فهم طبيعة هذه المخاطر ودورهم فى مواجهتها. وبدلاً من انتظار الأزمات، يجب توظيف وسائل الإعلام لنشر استراتيجيات إعداد الشعب للدفاع، وترسيخ ثقافة التأهب كخط دفاع أول ضد أى تهديدات. اليوم، لا بديل لنا..إما أن نكون أمة مستعدة تقودها إرادة أبنائها، أو نكون ضحايا ينتظرون مصيرهم. الخيار بين أيدينا اليوم قبل الغد.