القفزات التكنولوجية الحديثة منحت بعض الجيوش قدرات فائقة، تعطى الدول التى تمتلكها الميزة الحاسمة لتحقيق أغراضها، كما أن إنشاء وحدات سرية خاصة داخل المؤسسات العسكرية مكن بعض الدول من خلق وتنفيذ أدوات الحروب الحديثة أو ما تسمى باسم «الحروب اللامتماثلة». يمكن التنبؤ بنتائج الحرب التقليدية، انطلاقاً من موازين القوى التى تتداخل فى تكوينها، كحجم القوات ونوعية أسلحتها وتقنياتها، بينما تبدو معادلة النتائج فى الحرب الحديثة معاكسة تماماً، بحيث يمكن لفريق قليل الإمكانات التعويض عن تخلفه فى هذه الجوانب من خلال منظومة ممارسات ذات مرتكزات ثلاث: نوعية القتال الذى تخوضه، حرية اختيار مكان المواجهة وزمانها، والاستفادة من الدعم الذى تقدمه بيئته الحاضنة. نشأ التفكير فى الحروب اللامتماثلة بعد ما كشفته حروب أمريكا فى الهند الصينية وفيتنام وأفغانستان والعراق، والتى أسفرت عن خسائر فادحة تكبدتها الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول القوية. مما دفع المحللين العسكريين إلى البحث عن وسائل جديدة تناسب القوى السياسية العالمية وتضمن لهم تحقيق أغراضهم دون الدخول فى مواجهاتٍ مباشرةٍ. فقد اكتشفت القوى العظمى أنها لا تستطيع تحقيق النصر فى حروبها النظامية مقابل إرادة الشعوب، ومنها الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسى (1954 - 1961م)، والتى أرغمت حكومة باريس على الاعتراف باستقلال الجزائر بعد سبعة أعوام من الصراع، لأنها لم تعد تحتمل مزيداً من الخسائر البشرية التى بلغت 25000 جندى قتيل وأضعافهم من الجرحى، فى حين كان الجزائريون مستعدين لمتابعة القتال رغم سقوط أكثر من مليون ونصف المليون شهيد. لقد ثبت للدول المتقدمة حتمية انهزام الجيوش الكبرى أمام تنظيمات شبه عسكرية؛ صغيرة العدد، ضعيفة التجهيز، محدودة الوسائل. هذا الكابوس المرعب للجيوش النظامية، وأدى بالدول القوية لاختراع جيل جيد من الحروب أطلقوا عليه تسمية: الحرب اللامتماثلة أو الحرب اللانمطية...فى الملف التالى نتناول آثار وتداعيات تلك الحرب، الحديثة وبالخصوص على الأمن القومى المصرى العربى. وكيف يمكن أن نستعد لما هو قادم؟ ◄ د.غادة عامر: الاستعداد للهجوم يتطلب استيعاب علوم العصر «القاسم المشترك بين أجيال الحروب الثلاث الأولى أنها كانت تستهدف القطاع العسكرى لينهار فتسيطر على المدنيين. أما فى الحروب الحديثة أو اللامتماثلة يمكن للعدو أن يستهدف الشخصيات والقطاعات المدنية وإرادة ووعى الشعوب ليضع الدولة تحت ضغط خفى ليصل إلى نفس نتيجة الحروب التقليدية وهى الانهيار ثم السيطرة»... هكذا بدأت حديثها معنا د.غادة عامر استاذ هندسة القوة والنطم الذكية بكلية الهندسة جامعة بنها وزميل ومحاضر بكلية الدفاع الوطنى ومؤلفة سلسلة كتب بعنوان «الحروب اللامتماثلة». تشير عامر إلى مسميات الشكل الحديث من «الحرب»، فمنهم من أسماها «حرب الجيل الرابع» غير المتماثلة مثل البروفسور الأمريكى «ماكس مايوراينج»، وحرب «الجيل الخامس» مثل الخبراء العسكريين فى البنتاجون، أو «حرب العولمة» الذى أطلقه عليها بعض المفكرين والسياسيين. لكن الكثير من المتخصصين وأنا منهم نتبنّى اسم «الحروب اللامتماثلة» وذلك لاختلافها الكبير عن المواجهة بالرجال والعتاد إلى استخدام مباغت لتكنولوجيا يتم تطبيقها فى أشكال مفاجئة وغير مُتوقعة، ليتم استخدامها فى إعلام اجتماعى وبواسطة منظمات ارهابية وكما يتم بها تنفيذ عمليات استخباراتية وحروب نفسية واقتصادية. هذا فضلا عن استخدام الفضاء الخارجى. كل ذلك لتقوية نفوذ الجهة المُعتدية فى البلد المستهدف. ولعل أبلغ تعريف لهذه الحرب الجديدة هو ما قدمه البروفسور الأمريكى «ماكس مايوراينج» فى محاضرة له فى معهد الأمن القومى الإسرائيلى، حيث قال نصا «إنها الحرب بالإكراه وإفشال الدولة وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يراعى مصالح الدولة المعتدية». لقد نظرنا إلى دور التكنولوجيا فى خلق وتطور جميع أجيال الحروب، فلكل شكل من أجيال الحروب تكنولوجيا وتكتيكات خاصة بها تميزها عن سابقتها. إلا أنه فى الحروب اللامتماثلة وجدنا أن التكنولوجيا الحديثة سهّلت الوصول لتكتيكات وأسلحة فعالة للنفاذ مباشرة للمجتمع، وليس على حدود الدولة السياسية. يتم ذلك باختلاق مُعضلات محلية وأزمات اقتصادية ونشر أوبئة بيولوجية أو آليات متناهية الصغر، فضلاً عن جيوش إلكترونية. هذه التكنولوجيا لا تستهدف فقط البُنية التحتية للدولة، بل تمتد لأجساد المواطنين وعقولهم. ولعلنا جميعاً لمسنا نموذجاً أوّليا من تلك الحروب فيما أطلق عليه «الربيع العربي»، والتى لعبت على وتر المعاناة لتهييج العواطف واستفزاز الجمهور. وأوضحت عامر إن مسرح العمليات فى الحروب الحديثة أصبح مسرحاً «هجيناً» ذابت فيه حالات الحرب والسلم والعنف واللاعنف، وصارت الجبهة بلا تعريف. فبعد كل الممارسات المعهودة فى أجيال الحروب السابقة أثبتت الحروب اللامتماثلة خفاءها ومرونتها الفائقة لحسم المعركة، فأخذت الهجمات أشكالاً مبتكرة يصعب الاستعداد لها دون استيعاب حقيقى لعلوم وتكنولوجيا العصر وبعقول وأيدى أبناء الدولة المستهدفة أنفسهم حتى لا يتم التلاعب بتلك الدفاعات من أبواب خلفية يعيها فقط مطورى تلك التكنولوجيا وهو ما شهدناه مثلا فى هجمات «البيجر» وأشارت عامر إلى أن العلوم الحديثة أصبحت توفر تطبيقات تكنولوجية قد تخرج من حدود إدراك البعض.حيث إن الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية تفتح مجالات للتطبيق لم تكن متاحة سابقاً. كما إن تسارع ظهورها يؤهل بعضها ليتم تصنيفها كأسلحة حروب غير متماثلة. وترى أن تعريف الأمن القومى حديثاً تعدى بكثير أول تعريف له وضعه «والتر ليبمان» عام 1943، والذى قال فيه: «إن أمن الدولة يجب أن يكون مساوياً للقوة العسكرية التى تملكها». لقد تجاوز التعريف إلى مفهوم شامل يعتنى بامتلاك القوة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والتكنولوجية، إلى جانب الجيوش الوطنية والأجهزة الأمنية كدرع حامى للنظام والوطن. فالهجمات الحديثة تعدت الاقتصار على الهجوم على حدود الدولة، وانما تدمير للأمن القومى - أى كيان الوطن - ومن الداخل. إنه يتسلل بين «الواقع» و«العالم الافتراضي»، ينمو بشكل مرعب لا يُرى به الفعل وإنما تتحقق فيه النتيجة. ونكرر بأن هذه التكتيكات والهجمات تعمل من خلال تكنولوجيا فائقة جديدة أو خفية تستغل قصور الدولة فى استيعاب أبعاد وإمكانات العلوم الحديثة لتلعب - مثلا - على النعرات القومية والطائفية، وتستخدم أسلحة وأدوات يصعب التنبؤ بها. بل قد تعمل على تجنيد الفرد العادى وتحويله إلى أداة من أدوات نجاح تلك الحرب ضد نفسه ووطنه. ◄ الغباري: الحرب النفسية الأداة الأكثر تأثيرا والمدنيون فى مرمى الاستهداف المباشر أكد اللواء اللواء دكتور أ.ح محمد الغبارى الخبير العسكرى مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق أن الحرب النفسية هى احد الأدوات الأكثر تأثيرا فى الحروب الحديثة حيث تستهدف وعى الشعوب والمدنيين من خلال أكاذيب محترفة ومستمرة ومتطورة ومتجددة تعدها الدول أو الجماعات لمحاولة السيطرة على شعوب الدول المستهدفة. ويتم فى إطارها استخدام الوسائل الإعلامية التقليدية وغير التقليدية للتأثير على هذه الشعوب عن طريق بث مقطوعات إعلامية معينة تثير وتجذب كافة فئات المجتمع داخل الدولة المستهدفة. ولا شك فى أن التطور التكنولوجى قد لعب دوراً كبيراً فى هذا السياق. وأضاف أن شعار فرقة العمليات النفسية الأمريكية يتكون من ثلاث كلمات، هى: الإقناع (Persuade) - التغيير (Change) - التأثير (Influence). وهذه الكلمات مرتبة بدقة؛ حيث يجب العمل أولاً على إقناع الشعب المستهدف بأن ما لديه ليس الأفضل، ليقوم بالمطالبة بإحداث تغييرٍ ما فى بلده، وبمجرد البدء فى هذا التغيير يتم التدخل من قِبَل الدولة المعتدية فى مسار الأحداث للتأثير عليه وفق مقتضيات مصالحها هى. ومن المبادىء التى تؤمن بها فرقة العمليات الأمريكية النفسية أولاً: لا تتطلب العمليات العسكرية القوة فقط فى ميدان المعركة. ثانيا يمكن تحقيق الأهداف العسكرية باستخدام وسائل غير قتالية عبر عمليات الدعم المعلوماتى.ثالثا تدريب جندى العمليات النفسية على القدرة على التعامل فى بيئات مختلفة.ورابعا التدريب على تكتيكات الإقناع والمهارة فى استخدامها. وتقوم الفرق النفسية بالعمل على نشر ثقافة التغيير ومنهجيات التفكير واستراتيجيات التحول الحضارى، وتوفير الأدوات العلمية المساهمة فى إحداث ثورات حضارية اجتماعياً وسياسياً، وتدريب كوادر مؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب على استراتيجيات ووسائل التغيير، وتقديم الاستشارات للحكومات والمؤسسات والأحزاب والأفراد التى تسعى لتنمية مجتمعاتها، والراغبة فى التعاون معها.وتأجيج الغضب لاحداث مواجهة بين القطاعين المدنى العسكرى فى الدولة المستهدفة، بما يؤدى فى نهاية المطاف إلى انتشار الفوضى وتحقيق الدول الأخرى لمصالحها فى هذه الدولة البائسة. ◄ العمدة: القوة لمن يمتلك المعلومات يؤكد اللواء عادل العمدة المستشار بكلية الدفاع الوطنى أن أهم ما يميّز «الحروب اللامتماثلة» عن مثيلاتها من أنواع الحروب الأخرى هى «حرب المعلومات»، والتى تحظى بأهمية بالغة حيث تشكّل أهمية قصوى وقد شاهدنا تلك الحرب فى معركة غزة حيث استخدمت المقاومة الفلسطينية فى البداية «حرب المعلومات» بصورة مبدعة حيث أخفت جزء كبير من خططها الدفاعية عن أجهزة استخبارات العدو، والتى تملك أجهزة وعملاء وتكنولوجيا قادروة على رصد وجمع أدق المعلومات والصور من على الأرض ثم بعدها استخدمت اسرائيل حرب المعلومات ضد حماس من خلال استهداف القيادات نهاية باستهداف حسن نصرالله طبعا ليس بمفردها ولكن بالاستعانة بقدرات مخابرات الجيشين الأميركى والبريطانى، ويحسب للمقاومة نجاحها إخفاء الأسرى الصهاينة عن كثير من العيون التى تترقب مكانهم، من الأرض ومن السماء، كلَّ هذه المدة، وإفشالها كثيراً من المهمّات الخاصة، التى حاولت قوات العدو القيام بها من أجل تحرير عدد منهم. لذلك أرى أن الحروب القادمة ستكون هى القوة لمن يمتلك المعلومات ويستطيع تحليلها ليحصل على نتائج تتضمن له التفوق. ◄ ياسر عبد العزيز: الإعلام نصف المعركة أكد د. ياسر عبد العزيز الخبير الاعلامى أن للإعلام دورا مهما للغاية فى الحروب الحديثة وأوضح ان الإعلام هو نصف المعركة أو الحرب والدليل على ذلك عندما قال أيمن الظواهرى الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة فى عام 2004، وأرسل رسالة مناصحة لأبو مصعب الزرقاوى الذى كان زعيم الرافضين فى العراق فى هذا الوقت كتب فى هذه الرسالة « تذكر يا أخى أن نصف معركتنا فى الإعلام « ومن هنا يبرز قوة الإعلام وتأثيره. وأشار د. عبد العزيز إلى ان الأخبار الكاذبة يمكن أن تشعل ثورات وحروباً وتؤدى إلى سقوط أنظمة وهزائم عسكرية مريرة واستهداف وعى الشعوب من خلال امتلاكهم لمنصات التواصل الاجتماعى والمواقع الاليكترونية وهو ما نراه اليوم من تحذيرات امريكية لكل من الصين وايران من التدخل فى الانتخابات الامريكية للتأثير على الراى العام من خلال بث أخبار كاذبة حول المرشح الذى تريد كل دولة دعمه أو اسقاطه. وهناك قصة شهيرة عن الأخبار الكاذبة وتأثيرها فى صناعة الحروب هى قصة مصنع الجلسرين، باعتبارها تظهر إلى مدى يمكن للأخبار الكاذبة أن تؤدى إلى دخول أمة فى حرب.. القصة أن الصينيين يريدون دخول الحرب العالمية ولم تكن لديهم مبررات أو أسباب، لكن القادة رأوا أنه من الضرورى دخول الحرب، فاختلقوا خبر أن ألمانيا تحرق جثث الأسرى وتذيب تلك الجثث وتحولها لجلسرين لاستخدامها فى صنع مدافع وقنابل ونتيجة لهذا الأمر أصبح الشعب الصينى مهيأً تماماً لدخول الحرب، لأنه شعر ببشاعة الإجرام الألمانى. وأضاف د.ياسر انه عندما حدثت الحرب الروسية الأوكرانية فقدنا الثقة فى الموضوعية والمهنية حيث سقط القناع ووجدنا الإعلام الغربى يفعل كل شىء للانحياز للرؤية الأوكرانية الغربية على حساب الرؤية الروسية بل ويمنع وسائل الإعلام الروسية ويشيطن الجانب الروسى ويحرض على قتله فى وسائل التواصل الاجتماعى الخاضعة لشركات كبرى فى الولايات المتحدة. ◄ حجاج: الحروب السيبرانية.. معركة خفية تهدد الأمن العالمي يطالب المهندس وليد حجاج خبير أمن المعلومات ومستشار الهيئة الاستشارية العليا لتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبرانى بضرورة تطوير استراتيجيات الدفاع العربى من خلال تعزيز الأمن السيبرانى والاستثمار فى تقنيات الدفاع السيبرانى وحماية البنية التحتية الحيوية. وتعزيز التعاون بين الدول العربية لمواجهة التهديدات السيبرانية المشتركة وتبادل المعلومات. وتعليم الأفراد والشركات كيفية حماية أنفسهم من الهجمات السيبرانية التى تعد احد أشكال الحروب الحديثة...مؤكدا ان الحروب السيبرانية هى المعركة الخفية التى أصبحت تهدد الأمن العربى والعالمي. ويوضح أن الانفجارات المتزامنة التى شهدتها لبنان فى عددٍ من أجهزة اتصالات «بيجر» التى يستخدمها عناصر حزب الله فى التواصل تعدُّ تطورًا للهجوم السيبرانى، وتطور للحروب الحديثة، وهذا ما يفتح الملف لدراسة تبعاته وأساليب المواجهة لتحقيق الأمن القومى العربى. وتطلب مواجهة هذه التهديدات استراتيجيات شاملة تشمل التعاون الدولى، تعزيز الأمن السيبرانى، وزيادة الوعى العام. فى عالم يتجه نحو مزيد من الاعتماد على التكنولوجيا، يصبح الأمن السيبرانى ضرورة ملحة لحماية المجتمعات والدول.وفى عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت الحرب السيبرانية واحدة من أخطر التهديدات التى تواجه الأمن العالمى. تتعلق هذه الحرب بالصراعات التى تُخاض عبر الإنترنت، حيث تتعرض الأنظمة المعلوماتية والبنية التحتية الحيوية لهجمات من قبل دول، جماعات غير حكومية، أو حتى أفراد. وبعض الجوانب المهمة لفهم هذه الظاهرة وتلعب الجماعات الإرهابية- والهاكرز المستقلون دورًا مهمًا فى تنفيذ هجمات سيبرانية لأسباب سياسية أو مالية. ويمكن أن تؤدى الهجمات السيبرانية إلى تقويض الثقة فى الحكومات والأنظمة السياسية.كما تتسبب الهجمات فى خسائر مالية ضخمة، وتتطور أساليب الهجوم بسرعة، مما يتطلب من الدول والشركات تحديث إجراءاتها الأمنية بشكل مستمر. ويحتاج المجتمع إلى فهم مخاطر الحرب السيبرانية وطرق الحماية منها. ◄ الغباشي: القوة النووية لم تعد كافية أكد اللواء محمد الغباشى الخبير العسكري أمين مركز آفاق للدراسات الاستراتيجية، أن التطورات الحديثة فى التكنولوجيا والأسلحة وحتى فى الأساليب السياسية والإعلامية ساهمت فى تعزيز قدرة التهديدات فى الحروب الحديثة أو اللامتماثلة فى الحفاظ على قدر من التأثير، فالانتقائية التى تستخدمها التهديدات فى تلك الحروب الحديثة تجعل من القوة التقليدية أو حتى النووية غير قادرة على الردع. فعندما نتحدث عن دولة نووية تم شن هجوم سيبراني على مفاعلاتها النووية أو تم استهداف نظامها الاجتماعى فكيف تستفيد من قوة الردع النووية التى تمتلكها وبالتالى أن هذه الحروب الحديثة تعتمد على الانتقائية وتركز على نقاط الضعف للدول فى محاولة منها لإحداث التأثير المطلوب من التهديد. ومن هنا تتطلب المواجهة فى عصر الحروب الحديثة تبنى استراتيجيات ردع غير تقليدية وتتسم بقدرتها على الحد بشكل كبير من خطورة التهديدات اللامتماثلة، ومن جانب آخر كانت نظرية توازن التهديد أحد أهم الطروحات الفكرية في ميدان الدراسات الدولية والاستراتيجية والردع هنا يتطلب تكاتف كل المستويات (أفراد، مؤسسات، منظمات، شركات، دول، تحالفات) لتحقق شكلاً ونمطاً جديدا من ممارسة الردع إزاء التهديدات اللامتماثلة، وستكون هذه الممارسات فاعلة لتحقيق الأهداف المرجوة من الردع، إضافة إلى ذلك فإن الاستراتيجيات المسخدمة فى الردع ستعتمد على تكتيكات خاصة تنسجم مع طبيعة وتأثير التهديدات اللامتماثلة. وأضاف الغباشى أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت مخيفة، وهى العدو الأول لنا فى المستقبل، فالجهة المُصنعة لكل الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة المستخدمة مع كل فرد الآن، من الممكن أن تتحكم فيما صنعته بمنتهى السهولة وبضغطة زر، وهذا تطور خطير، فكل التكنولوجيا التى نستخدمها الجهة المصنعة لها القدرة على اختراق حياتنا وتدميرنا فى الوقت الذى تراه مناسباً.. وهذا يحتم على كل دول العالم أن تتخذ خطواتها، فى أن يكون لها منتجاتها الخاصة بها،ولا تعتمد على استيراد أى تكنولجيا حديثة قادمة من الخارج، لا يتحكم أحد بها سواء من أجهزة اتصالات أو السيارات الكهربائية أو الطائرات المسيرة، خاصة أن هذا يعتبر أحدث أجيال الحروب، وهى استخدام التكنولوجيا الحديثة التى نستخدمها جميعاً ضدنا وأن تكون هى السلاح الموجه لنا دون أن ندرى. ◄ هشام الحلبي: توطين التكنولوجيا ضروري لتحقيق الأمن القومي العربي ■ كتب: إسلام الراجحي يرى اللواء طيار د. هشام الحلبي المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن تاريخ تطور المعارك والحروب بدأت مع «الحرب الكلاسيكية» - الجيل الأول - وفيه تم الاعتماد على قوة الرجل وما يحمله من سلاح أما «حرب الثورة الصناعية» - الجيل الثانى - فقد اعتمدت على قوة النيران فى الجبهة أكثر من القوة البشرية ثم ظهرت «حرب المناورة» - الجيل الثالث - والذى نشأ مع اتساع دائرة النار بوجود الطائرات والصواريخ بعيدة المدى لتعتمد على قوة المناورة خلف خطوط العدو أما الجيل الأحدث من المواجهات فهى «الحروب الحديثة اللامتماثلة» ففيها تظهر طرق وأساليب تفاجئ الطرف المستهدف بوسائل ليست فى الحُسبان وغير مُتوقعة. وفى هذا النوع من الحروب يتم تطويع المعرفة للوصول لتكنولوجيا فائقة يصعب التحديد المسبق لأبعادها وامكانياتها، ليكون من الصعب أن ينتصر فيها الطرف المستهدف، لأنه لا يعلم بوجودها أصلاً، وأحيانا كثيرة لا يشعر فيها عندما تُشن عليه، ولكنه يلمس نتائجها.. وأشار الحلبى إلى أن منهجية الحروب اختلفت فى الفترة الأخيرة؛ فالحروب الحديثة تجاوزت أنماط حروب الجيل الرابع التى كانت تستهدف تفكيك المجتمع من الداخل وبث اليأس والاحباط لتقسيمه واحداث فتنة وبلبلة تنتهى برحيل الأنظمة، ولكن ما يشهده العالم حاليا هى أنماط الحروب الحديثة التى تعتمد بشكل رئيسى على التكنولوجيا فى تحقيق ضربات موجعة داخلية تهدد الامن القومي الداخلي لأي دولة. واضاف ان ما حدث من تفجير أجهزة البيجر هو انتقال نوعى وتحذير شديد للعالم أجمع ان هناك أنماط جديدة مستحدثة ستكون أدوات الصراع فى الفترة القادمة ولن تكون موجهة فقط للأنظمة العسكرية كما كان يحدث مسبقا بل ستنال الحياة المدينة لإحداث إرباك واسقاط ضحايا أبرياء لإظهار بعض الدول غير قادرة على حماية امنها القومى فقد نرى تعطيل فى منظومات البنوك وكذلك شبكات الكهرباء والبورصة وبعض التطبيقات الإلكترونية لذلك من المهم توطين التكنولوجيا تصنيعها فى الوطن العربى ضرورة لتحقيق استقرار داخلى وومصر قطعت شوطا كبيرا لتوطين الصناعات التكنولوجية الهامة لأدراكها أهمية ذلك لحماية أمنها القومى. ◄ غزةوأوكرانيا نموذج مثالي يمكن اعتبار الحرب التى تجرى فى قطاع غزة والضفة ولبنان نموذجا مثاليا، يضم كل أشكال الحروب الحديثة أو الامتماثلة منذ ما يقارب العام سواء من ناحية استخدام التكنولوجيا الحديثة والهجمات السيبرانية أو العمليات النفسية أوعدم وجود مسرح عمليات واضح وثابت ففى «الحرب اللامتماثلة» يحاول الطرف الأضعف سواء كان دولة أو جماعة، تطويع ما يتوافر له من إمكانات متواضعة نسبياً لتحقيق إنجازات كبيرة، ومكاسب متعددة، بالإضافة إلى محاولته حرمان عدوه، صاحب الإمكانات الهائلة والأدوات الحديثة، من الاستفادة من تلك الإمكانات بقدر الإمكان، بالإضافة إلى القيام بتوجيه الضربات المؤثرة للعدو من خلال عمليات خاصة وحرب شوارع وفى الأماكن التى لا يتوقعها وعلى نحو يضمن زيادة حجم التأثير والفعالية فى نتيجة المعركة والتى عادة ما تكون طويلة ولا تنتهى بسرعة، كما يحدث فى «الحرب التقليدية». كما تعد الحرب الروسية الأوكرانية التى تدخل فى عامها الثالث أحد نماذج الحروب الحروب الحديثة اللامتماثلة، وقام الباحثان د.أيمن الدسوقى ورهف الخزرجى. بأعداد دراسة جديدة بعنوان «الحرب اللامتماثلة وآفاق الحرب الروسية-الأوكرانية» وقاما خلالها باختبار تأثير توظيف تكتيكات وأدوات الحرب اللامتماثلة على مسار الحرب الروسية-الأوكرانية ومستقبلها وترى الدراسة أن تلك الحرب تعد أحد أبرز الصراعات الدولية فى العصر الحديث التى تُوظف بكثافة هذا النوع من التكتيكات والأدوات اللامتماثلة. وتستعرض الدراسة بالتفصيل مظاهر الحرب اللامتماثلة فى الصراع الروسي-الأوكراني فمن ناحية، توظف أوكرانيا أدوات المقاومة المدنية وحرب العصابات والوكلاء، بينما تدعم روسيا الروس فى إقليم الدونباس وتوظف عناصر من مجموعة فاجنر العسكرية. وينخرط الطرفان فى حرب معلوماتٍ وهجماتٍ سيبرانية وضرباتٍ متبادلة بالطائرات المسيرة، ويلجأن إلى تكتيكاتٍ مشابهة مثل استهداف المدنيين والمناطق المدنية والبنية التحتية، ومنشآت الطاقة، ووسائل النقل وغيرها. واستنتجت الدراسة أنه، بالإضافة إلى تأثيرها النفسى الغالب، هناك علاقة ذات اتجاهين بين استخدام الأساليب والتكتيكات اللامتماثلة وآفاق الحرب الروسية-الأوكرانية. فبسبب كثافة توظيف أدوات وتكتيكات الحرب اللامتماثلة من قبل الطرفين، ضمن متغيرات أخرى، تحولت الحرب الروسية-الأوكرانية إلى حرب موضعية ذات طبيعة استنزافية على طول خطوط المواجهة التى تبلغ أكثر من 1000 كم، من دون أن يتمكن أى من الطرفين من تحقيق اختراق كبير فى جبهات القتال. وفي الوقت نفسه، فإن الوضع الحالى للحرب يدفع كلا الطرفين إلى مزيدٍ من الاعتماد المكثف على الأساليب والتكتيكات اللامتماثلة، وخاصة الطائرات المسيرة. وأشارت الدراسة إلى أن تحقيق نصر حاسم في الحرب الروسية-الأوكرانية يتطلب من كل طرف دمج أنظمة قتال معقدة تجمع بين المجالين التقليدى واللامتماثل. ◄ حرب الاستنزاف مع إسرائيل أول الحروب اللامتماثلة يرى الخبراء العسكريون أن حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية (1968-1970) تعتبر الظهور الأول لمنطق الحرب الحديثة أو اللامتماثلة. فمركز الثقل الصهيونى الذى أرادت مصر مهاجمته كان يتمثل فى قدرة الصمود العسكرى، وبشكل خاص قدرة الجبهة الداخلية للكيان الصهيونى على الصمود (وتعنى رغبة القتال لدى المستوطنين والدعم الذى سيقدمونه للحكومة للاستمرار فى القتال). لذا حاولت مصر إبعاد الحرب عن اختبار القدرات العسكرية للطرفين، وتوجيهها إلى اختبار القدرة على الصمود، بتأكيد حقيقة مفادها أن ثمن احتلال سيناء سيكون فادحاً. اعتمد أسلوب القتال المصرى على القصف المدفعى وشن هجمات خاطفة على قوات الجيش الصهيونى المتقدمة المنتشرة على طول قناة السويس، ليس من أجل ضرب قدرة الجيش الصهيونى على العمل أو تدمير بنيته الأساسية، وإنما من أجل إجبار الكيان الصهيونى على نشر قوات إضافية على طول قناة السويس لفترة طويلة مكونة من قوات عسكرية كبيرة مركبة من وحدات نظامية واحتياطية. وهكذا نشأ عبء على الحقل الاقتصادى وعلى التجمع الاستيطانى الصهيونى بالتدريج ولفترة طويلة كان سيؤدى إلى تآكل إرادة القتال الصهيونية. وهذا التآكل كان سيتعزز نتيجة وقوع قتلى فى صفوف الجنود الصهاينة بشكل دائم خلال روتين العمليات اليومية وليس فى إطار معارك كبيرة يوجد إلى جانبها فائدة واضحة وقد استند المصريون فى حرب الاستنزاف على فرضيتين: أولهما أن الكيان الصهيونى لن ينتقل من حرب الاستنزاف إلى حرب شاملة، ولن يعبر قناة السويس من أجل إخضاع الجيش المصرى. ثانيهما أن الكيان الصهيونى لا يستطيع الرد على مصر بنفس العملة التى تؤدى إلى إرهاقها. ◄ المسيرات والجندي الخارق والأسلحة البيولوجية تقنيات المعارك الحديثة ◄ الهمشري: الحروب الذكية قادمة.. وساحة لاختبار القدرات التكنولوجية ■ كتب: محمد فايد لا شك أن الحديث المتزايد حول صراعات وحروب المستقبل يستدعى من الجيوش العالمية الاستعداد لمتطلباتها وفهم أدواتها، لتمكينها من مواجهة التحديات والتهديدات التى قد تمس الأمن القومى والمصالح الاستراتيجية للدول، ويرى العديد من الخبراء أن جيوش المستقبل ستختلف فى هيئتها ومهامها عن الجيوش التقليدية، سواء من حيث العنصر البشرى أو التسليح، وستقترب أكثر من نظرية «الجيش الذكي الصغير» الذى يتمتع بقوة شاملة مصغرة، قادرة على هزيمة جيوش تقليدية ضخمة بفضل عدد كافٍ من الأفراد المؤهلين والمعدات العسكرية المتقدمة، وقد أشار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في مايو 2021 إلى استعداد بلاده لصراع مستقبلى لا يشبه الحروب القديمة، مشيرًا إلى أن العالم قد يتجه نحو نمط جديد من الحروب يعتمد بشكل أساسى على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، الذى أحدث ثورة فى الصناعات الدفاعية والعسكرية، حتى وصفه البعض بأنه أقرب إلى الخيال العلمى، ومن هذه الابتكارات أجهزة الرؤية الليلية المتطورة، والنظارات الذكية التى تتميز بقدرات مثل التعرف على الوجوه وعرض البيانات المأخوذة من طائرات الدرون. كما جاء فى تقرير لمجلة «ناشونال إنترست» الأمريكية فى أغسطس 2020، أن الذكاء الاصطناعى وأجهزة الكمبيوتر سيجعلان الجيش أكثر فتكاً، وأنه من المتوقع أن تخوض بعض الدول حروبًا مستقبلية دون الحاجة للأسلحة التقليدية، معتمدةً على الأنظمة الذكية والمركبات والطائرات المسيّرة، وأوضح التقرير أن جنود المستقبل قد لا يكونون محملين بالأسلحة بقدر ما ستكون معداتهم مزودة بأجهزة استشعار توفر المعلومات لمراكز المراقبة التى تتولى تنفيذ المهام الهجومية عن بُعد،وتوقعت المجلة أن تُدار أنظمة القتال الهجومية عبر الإنترنت، مع التأكيد على أهمية تعزيز حماية الشبكات وأنظمة الاتصالات، خاصة فى ظل التهديدات المتزايدة من القرصنة الإلكترونية، ولم يعد الحسم فى المعارك يعتمد فقط على القدرة الهجومية، بل على مرونة الأنظمة القتالية فى مواجهة الأعطال والاختراقات. وفى تقرير نشرته «الجارديان» أبريل 2018، أُشير إلى أن استخدام الروبوتات فى الحروب سيصبح أكثر انتشارًا خلال السنوات القليلة المقبلة، وأكد التقرير على وجود أكثر من 381 نظام روبوت وأجهزة عسكرية مستقلة قيد التطوير أو الانتشار فى 12 دولة من بينها الصين وفرنسا والولايات المتحدة، وأشار تقرير آخر صادر عن معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولية فى نوفمبر 2017 إلى أن سباق إنتاج الأسلحة الذكية أصبح محور اهتمام رئيسى للشركات المصنعة للأسلحة، وفى مايو الماضى، اعتبر رجل الأعمال الأمريكى إيلون ماسك أن الأسلحة التقليدية أصبحت غير ملائمة للحروب الحديثة ووصفها بأنها «عفا عنها الزمن»، وحذر فى تدوينة له على منصة «إكس» من أن حاملات الطائرات والتقنيات التى يقودها البشر ستفقد أهميتها، محذراً من أن توازن القوى العالمى قد يشهد تغييرات جذرية إذا لم تدرك الولايات المتحدة ذلك قريباً. ◄ الحروب السرية أحد أنماط التغير فى الحروب الذى أصبح شائعاً حالياً ومن المتوقع أن يزداد انتشاراً فى المستقبل، هو ما يعرف ب»الحروب السرية»، والتى تتم إلى جانب استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى، فى هذا النوع من الحروب، تلجأ الدول إلى استخدام المرتزقة أو الأفراد المستأجرين بدلاً من جيوشها النظامية، وذلك من خلال الاستعانة بشركات عسكرية خاصة، لتجنب القوانين الدولية، وتقوم الدول التى تتبنى هذا الأسلوب بتوظيف تلك الشركات لمساعدتها فى مواجهة التهديدات سواء داخل أراضيها أو خارجها، سواء كان ذلك لمكافحة تمرد أو مواجهة منظمة إرهابية أو أى تهديد آخر، على سبيل المثال، فى أفريقيا الوسطى، قدمت مجموعة «فاجنر» الروسية دعمها للحكومة الجديدة بقيادة فاوستين أرشانج تواديرا وساهمت فى إيقاف تمرد سيليكا، كما أنها توفر حالياً الحماية للدولة، وفى بداية عام 2022 استعانت دولة مالى بمجموعة «فاجنر» لتوفير الأمن لها.. وفى السياق نفسه، دعا الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى فى عام 2022 المتطوعين من مختلف أنحاء العالم للمشاركة فى القتال ضد روسيا، ووفقًا لتقارير، شاركت أكثر من 70 شركة عسكرية خاصة مرتبطة بموسكو فى الحرب على أوكرانيا، من بينها شركة «باتريوت» التى يُعتقد أن لها صلة بوزير الدفاع الروسى، وتعمل منذ عام 2018، وهناك العديد من الشركات الأخرى مثل «إينوت»، «أنتى تيرور»، «أوريل»، «ريدوت أنتى تيرور»، و»آر إس بي»، وتضم هذه الشركات أفرادًا ليسوا فقط من الضباط السابقين، بل تقوم بعضها بتجنيد أفراد من خلفيات متنوعة عبر الإنترنت. ◄ الجندي الخارق فى عام 2018، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية تقريرًا بعنوان «جندى السايبورغ 2050»، حدد أربع حالات تقنية من المتوقع أن تصبح ممكنة بحلول عام 2050 أو قبل ذلك، هذه الحالات تعتمد على دمج التكنولوجيا المتقدمة فى أجساد الجنود بهدف تطوير «جندى خارق» قادر على أداء مهام غير تقليدية فى ساحات المعارك، تقوم فكرة هذا الجندى المتطور، المعروف بجندى السايبورغ، على دمج تقنيات متقدمة داخل الجسم تمنح الجنود ميزات إضافية فى القتال، يمكن تحقيق ذلك من خلال زرع أجهزة مثل الرادارات وأجهزة الاستشعار داخل أجسامهم، مما يتيح لهم اكتشاف الأهداف بسرعة أكبر، كما قد تمنحهم هذه التقنيات قدرات غير عادية، مثل التواصل مع بعضهم البعض عبر التفكير، أو التحكم فى المعدات والأسلحة باستخدام الدماغ، أو القدرة على رؤية أطياف موجية مختلفة لتمكينهم من الرؤية فى الظلام، وتسريع استجابات الدماغ والعضلات، كما ذكرت تقارير أخرى أن الصين تقوم بتجارب تهدف إلى تعديل الجنود بيولوجيًا، سعياً لإنشاء جنود بقدرات محسنة. ◄ الطائرات المسيرة فى الآونة الأخيرة، أصبحت الطائرات بدون طيار سلاحًا فعالًا متعدد المهام، حيث سعت الدول والجماعات المسلحة إلى امتلاكها لما لها من أهمية فى توجيه ضربات قوية للعدو بتكاليف منخفضة، وقد أسهمت هذه الطائرات فى اختصار العديد من المتغيرات فى الحروب، مثل التكاليف البشرية والمادية، والزمن والمكان، ومفهوم القوة، كما قدمت تسهيلات متعددة لكل من يمتلك هذه التقنية، ولعبت دورًا بارزًا ومتنوعًا فى العديد من النزاعات، مما حفز الدول على تصنيعها أو الحصول عليها، وفى العام الماضى، أعلنت شركة «ساكر» الأوكرانية، المتخصصة فى صناعة الطائرات المسيرة، عن تطوير سلاح ذاتى التحكم بالكامل يُسمى «ساكر سكاوت»، والذى يعتمد على الذكاء الاصطناعى فى اتخاذ قراراته بشأن الأهداف التى يجب القضاء عليها فى ميدان المعركة، وأكد مسؤولو «ساكر» أن هذه المسيرة قد نفذت هجمات مستقلة بشكل محدود، وتم تطوير هذه التكنولوجيا مؤخرًا لتشمل الرصد والتجسس ومهاجمة الأهداف، مما جعلها تُستخدم فى مهام انتحارية. ويشير هذا التطور فى مجال الحرب، والذى يعتمد على مسيرات مصنوعة من مواد رخيصة ومتاحة بسهولة، إلى انقلاب فى عقود من التخطيط العسكرى الأمريكى والإنفاق والهيمنة، وفقًا لتقرير نشره موقع أكسيوس، وقد صرح وكيل وزارة الجيش الأمريكى، غابى كاماريلو، بأن «التهديد معقد، ويتواجد فى كل مكان، ويغير بالفعل شكل ساحات المعارك»، وقد أثبتت الطائرات المسيرة أنها متعددة الاستخدامات وفعالة بشكل استثنائى، خاصة فى استهداف الأهداف الحيوية مثل مراكز القيادة ومواقع المدفعية، ورغم ذلك، فإن الاستمرار فى تطوير تكتيكات وتقنيات لمكافحة الطائرات المسيرة قد يحد من فاعليتها بشكل عام، إلا أنها ستظل تحتفظ بدور مهم ومستدام فى ساحة المعركة الحديثة. ◄ القرارات العسكرية من جانبه أوضح اللواء دكتور محمد الهمشري، مدير مركز أبحاث ودراسات إدارة الأزمات، أن الحروب فى العالم الآن لا تعتمد فقط على الأسلحة والجيوش التقليدية، بل أصبحت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا فى الصراعات العسكرية،فالدول التى تستثمر فى هذه التقنيات المتقدمة تحقق التفوق والهيمنة على ساحة المعركة،والتقدم التكنولوجى أصبح يعيد تشكيل الديناميكيات العسكرية ويحدد قواعد اللعبة. وأضاف أن إسرائيل استخدمت تقنيات الطائرات بدون طيار «» والذكاء الاصطناعى لتصفية قادة الفصائل المسلحة مثل حماس وحزب الله، بفضل هذه التقنيات، التى تقوم بتحليل البيانات وتحديد الأهداف بدقة عالية، مما يمكنها من تنفيذ ضربات دقيقة دون الحاجة لوجود بشرى على الأرض، هذه الأدوات تعطيها القدرة على شن ضربات استباقية وتقليل المخاطر على جنودها، مستفيدة من تحليل الصور الفضائية والتعرف على الوجوه وجمع البيانات الضخمة، علاوة على ذلك، فإن هذه التقنيات تتيح للدول التى تستخدمها تكوين صورة شاملة عن ساحة المعركة، حيث يمكنها تحليل تحركات العدو وتوقع استراتيجياته، فى الوقت نفسه، تسهم الروبوتات والأنظمة ذاتية القيادة فى تقليل الحاجة إلى الجنود بالميدان، مما يقلل من الخسائر البشرية. وأشار «الهمشري» إلى أنه مع استمرار هذا التطور، نتوقع أن تصبح الحروب مستقبلاً أكثر اعتماداً على الذكاء الاصطناعى، ليس فقط فى جمع وتحليل المعلومات، بل أيضاً فى اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات العسكرية، وستلعب الروبوتات المسلحة دورًا أكبر فى ساحات القتال، إلى جانب الهجمات الإلكترونية التى تستهدف البنية التحتية للخصوم، مما يجعل الصراع أكثر تعقيدًا، منوهًا أنه مع التقدم التكنولوجى، ظهرت أنظمة دعم القرار العسكرى التى تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحليل البيانات المعقدة وتقديم توصيات استراتيجية، هذه الأنظمة قادرة على جمع المعلومات من مصادر متعددة، بما فى ذلك الصور الجوية، المعلومات الاستخباراتية، والتحليلات البيانية، لتساعد القادة العسكريين فى اتخاذ أفضل القرارات، من خلال نمذجة السيناريوهات المختلفة وتوقع النتائج المحتملة، تُسهم هذه الأنظمة فى تحسين الكفاءة العسكرية وتقليل المخاطر. واختتم اللواء دكتور محمد الهمشري، بأنه فى المستقبل ستصبح الحروب ساحة لاختبار القدرات التكنولوجية المتقدمة،فالدول التى تستثمر فى الابتكار ستعيد تشكيل مفاهيم القوة والتفوق العسكرى، مما يجعل الحروب القادمة تحديًا كبيرًا يتطلب استراتيجيات جديدة وفهمًا أعمق للتكنولوجيا، هذا التطور سيزيد من أهمية التعاون بين الخبراء فى المجالات العسكرية والتقنية، مما يضمن أن يكون القرار العسكرى مبنيًا على بيانات دقيقة وموثوقة، ويحقق النتائج المرغوبة فى سياق معقد ومتغير.