في تصعيد واضح لمسلسل عسكرة مؤسسات الدولة، وتوظيف القضاء لخدمة أجندة نظام المنقلب عبد الفتاح السيسي، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً بوقف تنفيذ قرار مجلس نقابة المحامين بعقد جمعية عمومية طارئة كان من المقرر انعقادها السبت 22 يونيو/حزيران، وذلك في خطوة اعتبرها كثيرون محاولة لاستمرار فرض الهيمنة العسكرية على القضاء والضغط على نقابة المحامين المستقلة. القضاء الإداري يتدخل خارج نطاق اختصاصه رغم أن محكمة القضاء الإداري ليست الجهة المختصة بالنظر في قرارات نقابة المحامين، إلا أنها أصدرت حكماً قضى بوقف الجمعية، بزعم أن الدعوة "افتقرت للسبب القانوني" واتهام المجلس ب"التهرب من اختصاصاته"، في إشارة صريحة إلى استهداف نقابة المحامين من قبل القضاء، الذي أصبح جزءاً من أداة ضغط بيد السلطة الحاكمة.
وفي بيان وصفه محامون على نطاق واسع ب"الخطير"، اعتبرت المحكمة أن خطوات الاحتجاج كالإضراب والاعتصام تشكل تهديداً ل"مرفق العدالة" و"حق التقاضي"، متجاهلة حق المحامين النقابي في تنظيم احتجاجات سلمية ضد إجراءات تمس مصالحهم ومصالح المواطنين.
نقابة المحامين في مواجهة المجهول أشار عضو مجلس النقابة، أشرف عبد الغني، إلى أن الرسوم القضائية الجديدة تمثل عائقاً يهدد حق التقاضي ويحول العدالة إلى امتياز لمن يستطيع تحمل تكاليفها، مؤكداً أن نقابة المحامين لم تتوقف عن اتخاذ خطوات تصعيدية منظمة، بدءاً من الوقفات الاحتجاجية، ومقاطعة التعامل المالي مع بعض المحاكم، وصولاً إلى التهديد بالإضراب الشامل.
وعلق عبد الغني قائلاً: "نحن لا نطلب أكثر من الحفاظ على استقلالية نقابتنا وحقنا في الدفاع عن حقوق المحامين والمتقاضين. القضاء أصبح أداة بيد السلطة، وهذا الحكم يؤكد أن النظام يريد عسكرة القضاء بالكامل وإخضاعه للهيمنة العسكرية."
من جانبه، أعلن عضو المجلس ربيع الملواني، عبر بث مباشر على فيسبوك، أن الجمعية العمومية ستنعقد "تحت أي مسمى" لأن "الاعتصام والإضراب هما حقان قانونيان نرفض من خلالهما الرسوم التعسفية." وأضاف: "كان الأولى بالمحكمة أن تحقق في من فرض هذه الرسوم بدلاً من اتهامنا بتعطيل القضاء. محامونا لن يصمتوا أمام هذه السياسات التي تستهدف نقابتهم وتضر بحقوق المواطنين."
آثار الأزمة تتجاوز المحامين تفاقمت الأزمة مع تطبيق رسوم جديدة صادرة عن رئيس محكمة استئناف القاهرة، المستشار محمد نصر سيد، والتي فرضت أعباء مالية إضافية على الخدمات القضائية، من مراجعة الحوافظ إلى رسوم الحصول على الصيغة التنفيذية، الأمر الذي اعتبره المحامون استهدافاً مباشراً للمواطنين، ويهدد مبدأ العدالة الناجزة والمتاحة للجميع.
وأدت الخطوات التصعيدية من قبل نقابة المحامين، وتردّد بعض المحاكم في التعامل مع الإجراءات المالية الجديدة، إلى شلل جزئي في عدد من المحاكم، ما انعكس سلباً على المتقاضين الذين يجدون صعوبة متزايدة في استكمال قضاياهم وإجراءاتهم.
إرث العسكر وتدمير مؤسسات الدولة المدنية تأتي هذه الأزمة في سياق متصل مع سابقة حل مجلس الشعب المنتخب عام 2012، في خطوة أفضت إلى فراغ دستوري، قبل أن يتولى أول رئيس مدني منتخب، وهو ما يؤكد تورط المؤسسة العسكرية ونظام السيسي في تعطيل كل مسارات الحكم المدني والديمقراطي.
ويؤكد مراقبون أن عسكرة القضاء التي يقودها النظام تعكس رغبة في تحويل القضاء من مؤسسة مستقلة إلى أداة بيد العسكر لإخضاع أي معارضة أو احتجاج، وتحويل الدولة المدنية إلى نظام عسكري شبه كامل، عبر تفكيك مؤسسات العدالة.
تعليقات المحامين عبر مواقع التواصل المحامية هالة منصور: "قرار المحكمة يعكس انحياز القضاء للسلطة العسكرية وليس حرصه على العدالة. نقابة المحامين هي الملاذ الأخير للدفاع عن الحقوق، وإلغاء الجمعية يعني التضييق على صوت المحامين."
المحامي محمد إسماعيل: "هذا تصعيد خطير يعكس فشل النظام في مواجهة مطالب المحامين السلمية، ويؤكد أن القضاء أصبح في خدمة العسكر وليس الشعب."
المحامية ريم عبد الرحمن: "الرسوم القضائية الجديدة ليست فقط عبئاً مالياً، بل محاولة واضحة لتحويل العدالة إلى سلعة، وهذا ما لن نقبله كمحامين يدافعون عن الفقراء والمهمشين."