أكد د. إبراهيم نجم الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم أن دار الإفتاء وضعت مجموعة من الخطط الاستراتيجية والأهداف المستقبلية بهدف إحداث نقلة كبيرة فى مجابهة الفكر المتطرف والتكفيرى، وتحصين المجتمعات من الأفكار الهدامة، وأن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى ضرورة تجديد الخطاب الدينى كانت بمثابة الشرارة المحفزة لكل المؤسسات الدينية الوسطية للانطلاق ورفع القيود التى كبلت بها التيارات المنحرفة عقول الشباب. كما أوضح «نجم» ل «اللواء الإسلامى» إلى جهود الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم على كافة المستويات، مؤكدًا أن دار الإفتاء والأمانة العامة قطعتا فى السنوات القليلة الماضية شوطًا كبيرًا فى استخدام التكنولوجيا الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعى، وأن خلق جسور تواصل بين الذكاء الاصطناعى والعلوم الإسلامية بات من أولويات المرحلة الحالية. وفيما يلى نص الحوار: اقرأ أيضًا | دعوة غير مسؤولة».. «الإفتاء» ترد على دعوات الجهاد المسلح ضد إسرائيل كيف أسهمت دار الإفتاء بتاريخها العريق فى تجديد الخطاب الدينى حتى الآن؟ منذ أن دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى ضرورة تجديد الخطاب الدينى، حملت دار الإفتاء المصرية أمانة ضبط بوصلة الخطاب الإفتائى وتجديده وكانت رؤية الرئيس بمثابة الشرارة المحفزة لكل المؤسسات الدينية الوسطية للانطلاق ورفع القيود التى كبلت بها التيارات المنحرفة عقول الشباب، وأبرز ما ميز تلك المؤسسات هو انضواؤها تحت لواء الأزهر الشريف بمرجعيته الوسطية المعتدلة، فمصر لديها الكثير لتعطيه فى مجال ضبط البوصلة الفكرية والدينية وتستطيع أن تقود قاطرة التدين العالمى إلى بر الأمان. وبرزت جهود دار الإفتاء فى تنفيذ عدد من المشروعات والمبادرات المهمة، ومعالجة قضايانا المعاصرة، فى ضوء فهم سديد للنصوص الشرعية وقد أثمرت الجهود المتواصلة لتدريب وتأهيل المفتين داخل مصر وخارجها عن تخريج جيل جديد من المفتين الذين يفهمون الواقع ولديهم فهم رشيد للنصوص الشرعية لاتخاذ القرار الشرعى الصحيح، خاصة فى حالة المستجدات والنوازل. دعم التعايش بمناسبة بدء العشرية الأولى للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم.. ما أبرز إنجازاتها خلال الفترة الماضية؟ حققت الأمانة العديد من الإنجازات على مختلف الأصعدة والمستويات، فخلال العام الماضى أصدرت أكبر موسوعة علمية للفتوى، ودشنت موقعاً عالمياً للتحقق من الفتاوى باستخدام الذكاء الاصطناعى، وكان لها إنجازات غير مسبوقة فى إصدار موسوعات علمية ووثائق دولية وأدلة إرشادية لتعزيز الحوار والسلام، فبلغ عدد مجلدات المَعلمة المصرية للعلوم الإفتائية 102 مجلد، وأصدرت عدة أدلة إرشادية باللغات المختلفة، منها: الدليل الإرشادى لمكافحة الإسلاموفوبيا، الدليل الإرشادى للحوار الدينى، الدليل الإرشادى للدبلوماسية الرقمية، والدليل الإرشادى لمكافحة السيولة الفكرية. ما أهم جهود الأمانة فى دعم التعايش ونبذ خطاب الكراهية؟ للأمانة باع طويل فى مواجهة الأفكار المتطرفة ودعم التعايش ونبذ الكراهية، وكان من أهمها خلال العام الإعلان عن إطلاق مركز الإمام الليث بن سعد لفتاوى التعايش، والذى يهدف إلى إحياء تراث الإمام الليث بن سعد عبر نشر أعماله وتنظيم ندوات تسلط الضوء على منهجه وأفكاره، إلى جانب تعزيز الفقه الوسطى المصرى وترسيخ مبادئ التعايش والسلام. كما أطلقت وثيقة «دور الفتوى فى تحقيق الأمن الفكري»، والتى تهدف إلى تقديم خطاب شرعى مستنير يتسم بالعقلانية والوسطية، مع تعزيز الوحدة الوطنية والقيم المشتركة، وأصدرت أيضًا «الموسوعة العلمية للتدين الصحيح والتدين المغشوش»، وهى موسوعة متعددة اللغات تبرز مبادئ الدين الصحيح القائم على الوسطية وتحقيق مقاصد الشريعة، إلى جانب تفكيك الفكر المتطرف ودراسة آثاره السلبية وطرق مواجهته. استخدام التكنولجيا كيف تستفيد دار الإفتاء من استخدامات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي؟ لا شك أن ربط جسور التواصل بين الذكاء الاصطناعى والعلوم الإسلامية يتيح فرصا هائلةً لخدمة العلوم الشرعية وتفصيلاتها، بما فى ذلك علوم الفتوى، وقد قطعت دار الإفتاء المصرية فى السنوات القليلة الماضية شوطًا كبيرًا فى استخدام التكنولوجيا الحديثة، وتناولت كل ما هو جديد فى عالم السوشيال ميديا، وإطلاق عدة حملات إلكترونية،، كما انتهينا من المرحلة الثانية من محرك البحث الإلكترونى للمؤشر العالمى للفتوى، وبعد جمع أكثر من مليونى فتوى على قاعدة البيانات، نسعى إلى تفعيل آليات الذكاء الاصطناعى فى التحليل والتصنيف والاستبعاد، هذا بالإضافة إلى إطلاق بوابة ومنصة «IFatwa.org» كأول منصة وبوابة إلكترونية رقمية تشمل مواد متنوعة، إعلامية وتحليلية وبحثية وخدمية لتلبية الحاجة الشرعية والإفتائية والمجتمعية، من خلال منصة موثوق بها، تواجه الفكر المتطرف، وترد على الشبهات، وتواكب مستجدات العصر. كيف استفادت الدار من وثائق الأزهر السابقة عن المواطنة كنقطة ارتكاز فى بنود الحوار المجتمعي؟ تدعم دار الإفتاء دومًا وثائق الأزهر التى دعت إلى المواطنة ونشر مبادئ التعايش المشترك، وسعت الدار جاهدة إلى العمل تحت مظلتها وترجمتها على أرض الواقع بإطلاق الفتاوى والمبادرات والحملات التى تتسق مع مبادئ تلك الوثائق والتى كانت أبرزها وثيقة الإخوة الإنسانية التى وقَّعها الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس برعاية من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والتى أكدت الدار أنها رسالة سلام للعالم كله ومظلة أمان تقى البشرية من نيران الفتن والإرهاب. لديكم وسائل للرد على المستفتين الأجانب بلغاتهم.. كيف يتم ذلك؟ وما الدول الغربية الأكثر طلبا للفتوى؟ تعتبر فتاوى دار الإفتاء المصرية من أكثر الفتاوى المتداولة عالميًّا، والتى يحرص المسلمون فى مختلف بقاع العالم على طلبها وتلقى العلم عنها، سواء عبر بوابة دار الإفتاء الرسمية باللغات الأجنبية، أو من خلال تطبيق فتوى برو (Fatwa Pro) وهو تطبيقٌ إلكترونيُّ متعدد اللغات أُنشئ للتواصل مع الجاليات المسلمة خاصة فى الغرب الناطقة باللغات الإنجليزية والفرنسية كمرحلة أولى ليكون بمثابة المفتى المعتدل والمعين لهم على الحصول على الفتوى الرشيدة المرتبطة بالأصل والمتصلة بالعصر دون إفراط أو تفريط. والمؤشر العالمى للفتوى أعد دراسة تحليلية جاء بعنوان «تفاعل دار الإفتاء المصرية مع فتاوى المسلمين فى الخارج» خلال عام 2023، أشار إلى أن أكثر طلبات الفتوى خرجت من خلال الموقع والتطبيق عن الولاياتالمتحدةالأمريكية بنسبة (40%)، ثم دول شرق آسيا (الهند، باكستان، ماليزيا، إندونيسيا) بنسبة (30%)، وبريطانيا بنسبة (20%)، إلى جانب دول أخرى بنسبة (10%). حصر الفتاوى هل يوجد حصر بعدد الفتاوى التى تجيبون عنها سنويًا.. وما دلالة ذلك؟ بالطبع لدينا حصر بعدد الفتاوى التى تصدرها الدار ونكشف عنها فى الحصاد السنوى من كل عام، وكشفت أحدث إحصاءات الدار لعام 2024 نموا ملحوظاً فى عدد الفتاوى التى أصدرتها الدار والتى بلغت ما يزيد على 1.422.921 فتوى، شملت الفتاوى الشفوية والهاتفية والمكتوبة والإلكترونية التى وردت إلى المقر الرئيسى للدار أو فروعها فى جميع أنحاء الجمهورية، وعبر تطبيق دار الإفتاء، والبث المباشر، وصفحات التواصل الاجتماعي. وتعالج الفتاوى الصادرة عن الدار كافة مناحى الحياة وتجيب عن تساؤلات المسلمين فى كل مكان، وتدل الأعداد المرتفعة للفتاوى على جهود المؤسسة فى تصحيح الوعى المجتمعى ونشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، وبيان صحيح الدين والتصدى للمشكلات الدينية التى تواجه المجتمع، والعمل على بناء إطار دينى داعم ومساند للأمة المصرية ومؤسساتها الرافعة، والدافعة نحو التقدم والتطور والنمو. كيف ستكون مشاركة الإفتاء لضبط الإيقاع بين حقوق النساء وحقوق الرجال؟ دعنا نقول إن دار الإفتاء بذلت العديد من الجهود لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن المرأة وتوضيح الدور المكلف به الرجال والنساء على حد سواء وشددت على ضرورة احترام بعضهما البعض والتعاون معا من أجل الازدهار بالمجتمع، وذلك من خلال العديد من الإصدارات سواء فتاوى أو بيانات أو مجلات علمية أو حملات توعوية، فالإسلام أعطى المرأة مكانتَها بما لم يسبق لها فى تاريخ الإنسانية. هل يوجد تعاون بين دار الإفتاء وباقى الوزارات والهيئات لحل المشكلات القبلية والخلافات الأسرية.. وما أبرز المعوقات التى تواجهونها؟ نحن نتفق فى أن تكامل دور المؤسسات الدينية والاجتماعية فى تشكيل الوعى المجتمعى أمر فى غاية الأهمية، وبالفعل تعمل الدار على قدم وساق مع مختلف الهيئات والوزارات وتسعى إلى التعاون مع الكثير منها لتحقيق التكامل الدينى والاجتماعى والثقافى فى معالجة المشكلات، وقد كان للدار باع طويل فى التعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى، وأصدرت خلال السنوات الماضية كتيب المختارات من فتاوى دار الإفتاء المصرية، بالتعاون مع الرائدات الاجتماعيات، كما تم تدريب الرائدات الاجتماعيات على دليل الأسرة الذى أطلقته دار الإفتاء وتم توزيع 30 ألف نسخة على الرائدات الاجتماعيات، بالإضافة إلى إصدار كتاب تنمية الأسرة المصرية من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية. وتعد خدمة الإرشاد الزواجى، التى تقدمها الدار واحدة من أهم إنجازاتها، والتى تسعى خلالها إلى حل المشكلات بين أفراد الأسرة الواحدة خاصة مشكلة الطلاق، فضلا عن أنها تعمل على الحد من المشاكل الزوجية والاستقرار الأسرى وتوعية الشباب غير المتزوج ومساعدتهم على الاختيارات المناسبة وكيفية الارتباط للزواج وإقامة أسرة ناجحة؛ وذلك باستخدام الطرق التوعوية الحديثة للإرشاد النفسى والشرعى، من خلال مجموعة المتخصصين. ضبط الفتوى ألا تعتقد أننا نحتاج إلى قوانين رادعة لضبط فتاوى الفضائيات والمواقع «المنفلتة»؟ نحن فى دار الإفتاء ننادى دائمًا بفرض ضوابط لتقنين عملية الإفتاء وجعلها مقصورة على المتخصصين فقط، فلجوء بعض الوسائل الإعلامية إلى غير المؤهلين للفتوى ذوى الآراء الفقهية الشاذة من أجل الشهرة ورفع نسب المشاهدات والوصول إلى «التريندات»، يثير الشك والحيرة فى نفوس المستفتين ويصل فى النهاية إلى حدوث ما يسمى «فوضى الفتوى» وزعزعة الثقة فى المؤسسة الدينية الرسمية. فلابد لمن يتصدى الإفتاء بوسائل الإعلام مراعاة الضوابط الشرعية للفتوى، حتى لا تصبح الفتوى مثار فتنة بين الناس، فالإفتاء من خلال القنوات الفضائية منظومة لها الكثير من المزايا ومن أهمها نشر الثقافة الفقهية والشرعية بين أفراد المجتمع؛ لذلك لا بد من التعاون بين دار الإفتاء والأزهر الشريف ووزارة الأوقاف لتفعيل قانون ينظم عملية الفتوى فى مصر، ويجرم الفتوى على غير المتخصصين ويضع المعايير والضوابط التى من شأنها التصدى للفتاوى الزائفة، لإنهاء حالة البلبلة حول كثير من القضايا الدينية الشائكة. هل أنت راض عن مشاركة دار الإفتاء فى مواجهة الأفكار المتطرفة خلال الفترة الماضية؟ دار الإفتاء وضعت مجموعة من الخطط الاستراتيجية والأهداف المستقبلية؛ بهدف إحداث نقلة كبيرة فى مجابهة الفكر المتطرف والتكفيرى، وتحصين المجتمعات من الأفكار الهدامة، فتمضى المؤسسة فى حربها ضد كافة أشكال التطرف الفكرى والسلوكى واللا دينى من خلال عدة إدارات ومنها مركز سلام لدراسات التطرف وإصداراته ودراساته المهمة وبرامجه التى وضعها لمواجهة الفكر المتطرف بكافة أشكاله، ووحدة «حوار» التى تعمل على مواجهة الانحرافات السلوكية المتمثلة فى انتشار موجات الإلحاد وخطابات الكراهية والتنمر وغيرها من السلوكيات الخاطئة، وكذلك المؤشر العالمى للفتوى الذى يحرص على نقل نبض واقع الحقل الإفتائى وتفكيك الفتوى التى تكون ذريعة للفكر المتطرف ومنطلقًا لأفعاله غير المنضبطة ضد المجتمع والأفراد. هل لديكم خطة للتوسع فى الردود الفكرية والفقهية على تلك الآراء المتشددة التى قد تُحدث بلبلة فى المجتمع؟ نعم فدار الإفتاء تعمل باستمرار على وضع الخطط المستقبلية الرصينة لتحصين المجتمع المصرى من الفتاوى المتشددة التى تشكل تهديدا خطيرا لأمن واستقرار المجتمعات لما لها من تأثير كبير فى حياة الناس، لذا فإن المهمة الأساسية لدار الإفتاء خلال هذه الفترة هى بيان الأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من الفتاوى التى تحدث بلبلة فى المجتمع وتقضى على ما يسمى فوضى الفتاوى. وتسعى الدار إلى التنسيق والتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف لوضع خطة استراتيجية لنشر المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامى فى المجتمع، والقضاء على ظاهرة التشدد والتطرف وتجفيف منابعها.