فى الجزء الثانى من حواره ل «الأخبار» يتحدث الدكتور نادر عقاد إمام مسجد روما الكبير عن تجربة المسجد فى مواجهة الإسلاموفوبيا، ويتحدث عن استفادته من دراسة الهندسة المدنية - إلى جانب التخصص الشرعي- فى قسم الزلازل فى كيفية مواجهة الزلازل الفكرية «المبانى التى تقاوم الزلازل ليست فقط أبنية مصنوعة من الحجارة وإنما مجتمعات مصنوعة من الإنسان.. الإنسان يقاوم الزلازل الاجتماعية والاقتصادية ويقاوم أيضا الزلازل الفكرية المنحرفة، فالجمع بين العلمين يساعد فى فهم أكبر للمجتمع .. دراستى للهندسة جعلتنى كالطائر الواحد الذى يستطيع أن يحلق بجناحى العلم والدين لنشر مبادئ وقيم التسامح والمحبة بين الناس». اقرأ أيضًا | معارك فى ذاكرة التاريخ| معركة «اليرموك» فى البداية كان الحديث عن القضية الفلسطينية، حيث أكد «عقاد» أن قضية فلسطين هى قضية إنسانية لها بعد إنسانى وبعد دينى يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية ويتعلق بمصير الملايين من الفلسطينيين وهذه القضية تشغل بال مليارى مسلم حول العالم والأحداث الأخيرة فى غزة وظهور مخططات التهجير أبرزت ضرورة اتخاذ موقف عربى إسلامى وموحد ومتضامن فى مواجهة هذه الممارسات وهذه المخططات، وقد كان هناك موقف قوى للأزهر فهو يمثل مرجعية دينية كبرى وبالتالى فإن مواقفه تؤثر بشكل كبير على المجتمعات المسلمة فى كل أقطار العالم وأيضا فى الغرب فوجود بيان قوى من الأزهر يشكل صوتا موحدا يعبر أيضا عن اتفاق العالم الإسلامى تجاه ما يحدث فى فلسطين وزيادة الوعى بالقضية، وقد كانت هناك قمة عربية مؤخرا لدعم القضية الفلسطينية ورفض التهجير ودور مصر مهم جدا ومحورى أساسى لدعم حقوق الشعب الفلسطينى وضرورة إيجاد حل عادل وشامل للصراع، وموقف البلاد العربية والإسلامية أيضا مهم ومطالبتهم المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته تجاه الشعب الفلسطيني، وكانت هناك أيضا مظاهرات حاشدة دعماً لفلسطين ورفضا للتهجير مما يعكس روح الإرادة القوية لدى الشعوب العربية الرفضة لمخططات التهجير للشعب الفلسطينى ونأمل أن يكون لهذا صدى على الصعيد الدولي؛ ليتفهم العالم حق الفلسطينى فى أن يعيش بسلام وأمان على أرضه واحترام حقه فى العيش بحرية على أرضه وللضغط على الاحتلال كى توقف سياساتها للتوسع وتهجير الشعب الفلسطينى من أرضه. كيف تقيم دور أمانة الفتوى العالمية فى تحقيق التشاور والتنسيق بين دور الفتوى؟ أمانة الفتوى العالمية لها دور محورى كبير فى التعزيز والتنسيق بين مختلف دور الفتوى، هذا الموضوع له أهمية فى ظل تحديات العولمة ومع انتشار الأفكار المضللة والأفكار المتطرفة لذلك هذه التجربة لها أهمية كبيرة خاصة أنها تعمل على توحيد الجهود بين مؤسسات الفتوى المختلفة مما يسهل التنسيق فى معالجة القضايا الفقهية المعاصرة وتعزز من وحدة وقوة الصوت الإسلامى الصادر من مختلف هذه المؤسسات والأهم هو مواجهة التطرف من خلال إصدار فتاوى واضحة تظهر قيم الإسلام فى التسامح وتدحض الأفكار المتطرفة وتوجه الناس نحو فهم صحيح للدين وتعمل على تعزيز السلم الداخلى والسلم الأهلى وخاصة الفتاوى التى تظهر قيم التسامح ما يحدد من العنف ومن الإرهاب وهى تعقد مؤتمرات يتم فيها تبادل المعلومات والخبرات بين المفتين ويزداد إدراكنا فى مواجهة التحديات المشتركة وأهمها التنوع المذهبى لأن دور الفتوى تتبع مدارس فقهية وتسهم للوصول لقواسم مشتركة بينها وهى تعمل على مؤسسية الفتوى وترفض الفتاوى الصادرة من أفراد وجماعات لها أجندات خاصة وهى ناجحة فى تحقيق السلام العالمي. تجديد وسائل الخطاب الإفتائى ضرورة لمواجهة التحديات المعاصرة ما رأيكم؟ طبعًا نحن نسعى دائمًا لأن يكون هناك تجديد فى وسائل الخطاب فهناك تحديات كبيرة تحتاج لتجديد الخطاب ليكون قادرا على مواجهة هذه التحديات وخاصة فى الأفكار المتشددة والأفكار، وهذا يستدعى أيضا أن يكون هناك دراسة للأفكار الحديثة بشكل علمى ومنهجي؛ حتى نستطيع تقديم خطاب جديد قائم بشكل علمى وبشكل منهجى يواجه الأفكار الهدامة والأفكار المنحرفة، يجب أيضا أن تنويع الوسائل واستخدام الوسائل الإعلامية الحديثة كمواقع التواصل الاجتماعي؛ لإعطاء المعلومات ولنشر الفتاوى المستقاة من الفهم الصحيح المعتدل للقيم الإسلامية، ومواجهة الأفكار المتطرفة وفى دار الإفتاء المصرية هناك مراصد مهمة ومركز سلام، وفى الأزهر يوجد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وجميعها تساهم فى تقديم إجابات معاصرة وعلمية وتتواصل مع الشباب حول الأشياء التى تهمهم وتقديم خطاب وفتاوى معاصرة؛ فالفتوى عبارة عن إعطاء فهم صحيح للإسلام ضمن الفهم الحقيقى لواقع المجتمعات التى يعيشون فيها، ويجب على الفتوى تقديم حلول لمشكلات الشباب ولتساهم فى تعزيز ارتباطهم بدينهم وبعقيدتهم، ونحن نركز على الوسطية فهى أهم ما يميز الخطاب الإسلامى والفتاوى يجب أن تظهر قيمة الوسطية وكيف أن الإنسان عليه أن يجمع بين القيم الإنسانية والقيم الدينية ومن المهم جدا ربط الشباب بدينهم وإبعادهم عن مخاطر التطرف ومخاطر الوقوع فى حبائل من لهم أجندات خاصة يسعون من خلالها لاستقطاب الشباب. كيف يمكن الاستفادة من تراثنا الإسلامى فى الوقت المعاصر؟ تراثنا الإسلامى غنى جدا بقيم التسامح والتعايش ويمكن الاستفادة منه فى مواجهة التحديات المعاصرة من خلال نشر المعرفة وتعزيز التعليم والتثقيف والتوعية حول التاريخ الإسلامى من خلال المناهج التعليمية فى مدارسنا وفى جامعاتنا وإدراج مواد تركز على نماذج من تاريخ المسلمين الذى قدم مثالا رائعا حول التعايش مع الآخر نتذكر أيضا الأندلس كيف كانت نقطة وصل بين العالم العربى والإسلامى وبين أوروبا والاحتفاء بالتنوع الثقافى الموجود داخل المجتمعات المسلمة والتبادل الثقافى الموجود بينهم والذى يسهم فى أن يكون لدى العرب والمسلمين تراث مشتراك مبنى على قيم مشتركة وأيضاً بالتعاون بين مختلف المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، والتركيز على القيم الإنسانية المشتركة، ولدينا وثيقة الأخوة الإنسانية التى تعتبر أفضل تمثيل لتراثنا فى الواقع المعاصر وهى إسقاط للقيم الإسلامية الموجودة فى التراث من خلال مؤسسة الأزهر الشريف على واقعنا المعاصر. كيف يمكن الاستفادة من القيم والمفاهيم المشتركة فى مواجهة الإسلاموفوبيا؟ الإسلاموفوبيا والخوف من الإسلام مسألة تحدى كبيرة اليوم خاصة أن هذه المجتمعات المسلمة والذين لهم وجهات نظر مسبقا حول الإسلام فنستطيع أن نواجه ذلك بشكل أساسى خاصة فى المجتمعات المسلمة فى الغرب بأن نعزز قيم المجتمع ونعزز الحوار بين المجتمعات المسلمة فى الغرب وبين أبناء البلد أنفسهم بالإنفتاح على المجتمع وبالإندماج الصحيح فى المجتمع هذا يساعد على معالجة سوء الفهم الذى يحيط بصورة الإسلام ونستطيع أن نقدم صورة مختلفة إيجابية عن الإسلام والمسلمين تخفف من هذا التوتر الذى ينشأ من عدم الفهم الصحيح للإسلام والمسلمين، أيضاً يجب التركيز على القيم الإنسانية المشتركة مثل قيم العدالة والمساواة التى يبرزها الإسلام بشكل كبير وأن تكون نقاط التقاء بين الأديان وبين المجتمعات، والإسلاموفوبيا ليست قضية فقط للمسلمين وإنما هى قضية اجتماعية تمثل تحديا لمؤسسات الدولة ونظرتها إلى جزء من مواطنيها فيجب أيضاً التركيز على أن الإسلام يحمل فى طياته قيما سامية كالتعاون والتسامح والاحترام المتبادل.. ونحن فى مسجد روما الكبير نسعى للتعريف بقيم الإسلام ونفتح المسجد ليتعرفوا على المسلمين أنفسهم من خلال قنواتهم الرسمية، فعندما يتعرف الإنسان على المسلمين من خلال قنواتهم الرسمية ويقترب منهم ويتحدث مع قياداتهم وأئمتهم يسهم هذا فى فهم أكبر للإسلام وأن الأديان كلها هى أديان إنسانية جاءت لخدمة الإنسان ولزرع السلام والمحبة بين الشعوب. الذكاء الاصطناعى مهم فى الفتوى..ما ضوابط استخدامه؟ طبعا الذكاء الاصطناعى ساهم كثيرا فى الوصول للمعلومات ؛لأن الذكاء الصناعى يعطيك إجابات سريعة، وبذلك يمكن تيسير الفتوى من خلال استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى لكن هناك طبعا محاذير وضوابط لأن الفتوى الآلية لا تتواصل مع الإنسان نفسه فنحتاج هنا لروح الفتوى فلا يمكن تعليب الفتوى التى تصبح من خلال التكنولوجيا لها بعد معلوماتى وليس إنسانيا ونفسيا فالفتاوى الآلية تفقد هذا البعد أيضا علينا التأكد من صحة المعلومات لأن الذكاء الاصطناعى يستخدم مجموعة من البيانات ولابد من التأكد من صحة المعلومات المقدمة فى قاعدات البيانات والتى يستخدمها الذكاء الاصطناعى لذلك لابد أن تكون هناك مراجعة للتأكد من بيانات انظمة الذكاء الاصطناعى وأن يكون هناك إشراف بشرى عليها فالتكنولوجيا مساعدة وليست بديلا عن العلماء.