مسلمو أستراليا مندمجون فى مجتمعهم ودورهم فعال يرى الشيخ أمين علوان الحسينى مفتى أستراليا، أن تعرية مصادر الفكر المتطرف، وكشف زيفه من أهم الوسائل لتعزيز وحدة الأمة؛ حيث يسعى هذا الفكر لنشر الفرقة بين المسلمين.. ويشير فى حواره ل «الأخبار» إلى أهم التحديات التى تواجه المسلمين فى البلد الذى بحجم قارة «أستراليا»، كما يشيد بدور الأزهر الشريف فى نصرة قضايا الأمة، ويقدم رؤيته فى معالجة إشكاليات، منها الإلحاد والتشدد، واستخدام الذكاء الاصطناعى فى الفتوى.. ■ بعد أحداث غزة تبرز مخططات التهجير.. تقييمكم للرفض العربى والإسلامى لهذه المخططات، خاصة بعد بيان شيخ الأزهر القوى؟ - نعم هى قضية الأمة جمعاء، كونها عضواً من جسد هذه الأمة، الذى إذا ما اشتكى تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهذا الأزهر الشريف يطالعنا كما اعتاد عليه المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها، بمواقفه المشرفة بالنصرة وإغاثة الملهوف ورد المظالم، ولم يقتصر دوره على ذلك، وإنما يعتبر المنارة التى يقتفى أثر نورها فى نشر قيم الوسطية والاعتدال، التى جاء بها ديننا الحنيف، واليوم ونحن نشهد تلك الحملة الموجهة إلى شعبنا الأبى الصامد فى فلسطين الحبيبة، إذ جاء الرد الحاسم من شيخ الأزهر الشريف برفض كل أشكال التهجير والاضطهاد والتمييز العنصري. ■ اتحاد المسلمين واجب، وهو أمر إلهي.. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ - تحقيق اتحاد المسلمين هو هدف عظيم يتطلب جهودًا شاملة ومستمرة لمعالجة الخلافات، وتعزيز الوحدة والتعاون بين الأفراد والمجتمعات الإسلامية. وهذا يتطلب بالضرورة إشراك المؤسسات الدينية والتعليمية لتعزيز قيم الوحدة من خلال البرامج التعليمية، والدروس الدينية التى تركز على أهمية الوحدة فى ديننا الحنيف. كما لا بد من العمل على مكافحة أسباب الفرقة من خلال تعرية مصادر الفكر المتطرف الذى يسعى إلى نشر الفرقة بين المسلمين، سواء من خلال البرامج التوعوية، أو من خلال دعم المؤسسات التى تعمل على نشر قيم الاعتدال. كما أن دعم المرجعيات الدينية المستنيرة، مثل الأزهر الشريف، يمكن أن يلعب دوراً مهماً فى تصحيح المفاهيم المغلوطة وتحقيق الوحدة. الخلافات المذهبية ■ كيف يمكن الحد من الخلافات المذهبية وتقليل مخاطر التفرق بين المسلمين؟ - للبيان، نذكر بأن الخلافات بين المذاهب الإسلامية الفقهية المعتبرة تعتبر من أحد أهم الحالات الصحية، إذ إن الاختلاف المذهبى وجد للتسهيل على الناس فى أداء عباداتهم المختلفة، ولا ينبغى أن يكون سبباً فى تفرقة أو عصبية مذمومة أو مشاكل أمنية ونحو ذلك، وإلا صار أزمة تسبب تشرذم جسد الأمة وتأخيرها وتكالب الأعداء عليها، كما هو حاصل وللأسف. وكذلك الخلاف الفكرى المناهض لإجماع السواد الأعظم من هذه الأمة مشكلة كبيرة فى حد ذاته، وتطرف منبوذ. يؤدى إلى الزيادة فى التشرذم والضعف. وعليه حرى بنا وبجميع المؤسسات الدينية التصدى لمثل هذه التيارات المتطرفة، والتى لا يخفى على أحد خطورة مسراها، وما ينضح عنها من تلوث لعقول الناس وصدهم عن جادة الصواب. ■ للأزهر الشريف دور كبير ومشهود فى نشر الحكمة والتسامح، حدثنا عنه؟ - لم يدخر الأزهر الشريف جهداً فى إظهار سماحة الدين وعدله وإنصافه، يعرف ذلك عبر العقود الطويلة المنطوية، إلا أن آثار ذلك ما زال ينضح بين فئات المجتمع، وذلك من خلال إشاعة قيم الوسطية والاعتدال والدعوة إلى تبنى الحكمة والموعظة الحسنة فى الذود عن هذا الدين، وإظهار الخلق الحسن والتحلى به والكشف عن النصوص الواردة فى حب الخير لجميع الناس، وما ذلك إلا لنشر ثقافة التعاون وتعزير السلم والعيش المشترك. ■ تلعب أمانة دور الفتوى العالمية دوراً مهماً فى تحقيق التشاور.. كيف تقيم هذه التجربة؟ - نعم، لقد قادت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم الكثير من الفعاليات والأعمال والمؤتمرات الدولية، فى الغالب كانت برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان لنا نصيب فى المشاركة فى أغلب تلك المؤتمرات التى عبرت عن حرص القائمين على معالجة قضايا الأمة ودعم السلم الوطنى والعالمي، والوقوف على التحديات بما فى ذلك التصدى للتيارات والفرق المتطرفة. مسلمو أستراليا ■ حدثنا عن أحوال المسلمين فى أستراليا؟ - كما هو معلوم، فإن المسلمين يمثلون نسبة قليلة فى المجتمع الأسترالى المتعدد الثقافات، إلا أنهم تمكنوا من إثبات وجودهم من خلال الاندماج فى المجتمع ولعب دور فعال رائد، وعلى الرغم من التحديات التى تواجه الجالية المسلمة مثل تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا والتعصب الممقوت، إلا أن الحكومات المتعددة فى أستراليا تحرص على مشاركة المسلمين أعيادهم ومناسباتهم الدينية المختلفة، ونذكر من ذلك بعض المآدب الرمضانية التى ترعاها دار الفتوى، والتى يحضرها ممثلون عن الحكومة والوزراء والنواب، وهذا الحال ينطبق عند الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وما ذلك إلا لمد جسور التفاهم والتعاون وبيان سماحة الدين وتعاليمه الغراء. ■ لمجلس حكماء المسلمين جهود عالمية كبيرة لبناء مجتمع عالمى.. تقييمكم لدوره ورؤيتكم لتطوير عمله؟ - عندما أنشيء هذا المجلس أعلنت أهدافه فى بيان يشدد على تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم بين المسلمين وغير المسلمين، وكان التركيز موجها إلى نشر قيم الوسطية والاعتدال ومواجهة الفكر المتطرف، بالإضافة إلى تقليص الانقسامات الطائفية فى المجتمع الواحد، وقد بين القائمون عليه أهمية أهدافهم المعلنة، والتى تسعى إلى التآلف والتعايش ونبذ الخلافات الهدامة. ولا شك أن ديننا الحنيف قد حض على الوحدة ونبذ التعصب الممقوت والابتعاد عن التفرقة، والدعوة إنما تكون بالكلمة الطيبة التى يتأتى منها خير كبير لا يحققه العنف والبغضاء. وعليه نتوقع من المؤسسات الدينية العريقة زيادة حرص واهتمام لنشر قيم التعايش الحسن وتعزيز السلم المجتمعي. ■ تراثنا الإسلامى.. كيف يمكن الإفادة منه فى واقعنا المعاصر؟ - فى الحقيقة، الأمر يعتمد فى الدرجة الأولى على دور المؤسسات الدينية فى التذكير والإشارة إلى ما يحفل به تراثنا الإسلامى العريق، من مفاهيم تنصب فى هذه القيم عبر الخطابات الدينية والفتاوى التى تشدد على أهمية التعاون والتفاهم وبناء جسور من التواصل بين الناس، وتعزيز لغة الحوار البناء لنبذ التطرف والفكر العنصرى البغيض، وفضح مصادره الهدامة. كما ينبغى تبنى برامج توعوية موجهة إلى الشباب للحد من تنامى الظواهر الدخيلة إلى المجتمع. ■ مواجهة الإلحاد والتشدد تحتاج من علماء الدين والمؤسسات الدينية تجديد وسائل الخطاب الإفتائى وتطويرها لنقد الخطابات الإلحادية، ما رأيكم؟ - نعم، لا بد من التصدى لمثل هذه الظواهر الدخيلة، وذلك يتأتى فى عصرنا الحالي، كما هو مبين بالموعظة والخلق الحسن وبيان حقيقة الدين، وذلك من خلال التوعية التى ينبغى على المؤسسات الدينية تبنيها والعمل بمقتضاها، ولطالما كان الانشغال بتعلم علم الدين من مصادره الموثوقة يعتبر أحد أوضح وأشد الطرق للتصدى لتلك الظواهر، ولعل المؤسسات الدينية المعتدلة هى الأقدر فى مجابهة هذا، كما لا بد من العمل على دعم البرامج والمناهج التعليمية وتزويدها بالأدلة العلمية التى من شأنها أن تنقض الادعاءات الشاذة. الذكاء الاصطناعي ■ الذكاء الاصطناعى بدأ يدخل فى كل المجالات ومنها الفتوى.. ما رؤيتكم لاستخدامه؟ - لا يخفى على أحد فى عصرنا الحالى ما توفره شبكة المعلومات، وما يسمى بالفضاء الإلكترونى من خدمات كبيرة فى تسهيل الوصول إلى المعلومات والأبحاث ومصادرها من مكتبات والعلوم المختلفة، فضلاً عن ربط الناس بوسائل متعددة بمنصات التواصل الاجتماعى وغيرها من الخدمات، وحديثاً نجد الانتقال والتوجه لاستعمال إحدى الوسائل الجديدة التى سميت بالذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من الانتشار السريع وتنوع مصادره، إلا أنه لا ينبغى أن يكون مصدراً للتشريع وبيان أحكام الدين المختلفة، وذلك لأن علم الدين إنما يُحصل بالتلقى مشافهة، وليس عن طريق المجيب الآلي. ■ هناك قيم ومفاهيم مشتركة تؤسس للسلم الدولي.. كيف يستفاد منها فى مواجهة الإسلاموفوبيا؟ - تُعتبر القيم والمفاهيم المشتركة التى تؤسس للسلم الدولى والتعايش السلمي، أدوات فعّالة فى مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، من خلال تعزيز هذه القيم، وذلك من خلال تغليب لغة الحوار وتنظيم ورش عمل وبرامج توعية تهدف إلى توضيح صورة الإسلام الحقيقية، وتبين قيمه السمحاء، وبناء جسور التفاهم وتقليل الفجوات الثقافية، مما يساهم فى الحد من تلك الظاهرة الخطيرة التى تهدد الاستقرار والسلم المجتمعي.