لا يزال لغز بناء الأهرامات يُحيِّر علماء العالم، فرغم التقدم العلمي والبحثي بشتى العلوم، إلا أنه لم ولن يستطيع أي كائن أو باحث الوصول لسر من أسرار هذه الحضارة المصرية القديمة، خصوصًا الطريقة التي بُنيت بها الأهرامات، فعظمة الحضارة المصرية التي مر عليها آلاف السنوات لا تزال لغزًا بلا حل. العالم الآن مشغول بالاكتشاف الجديد تحت الأهرامات، الصحف العالمية والمواقع الإخبارية والوكالات يتناقلون خبر كشف أثرى جديد تحت الأهرامات، ورغم أن الذى يحدث فى صالح الترويج للسياحة المصرية، إلا أن عُلماء الآثار بمصر فزعوا من خبر الاكتشاف، فبعضهم يعتقد أن الأهرامات قد تكون أبنية هندسية مُتطورة، صُمِّمت لغرض تقنى أكبر من كونها مُجرد مدافن! يوم 16 مارس 2025، أُقيم مؤتمر صحفى للإعلان عن وجود ما لم يسمع به أحد من قبل أسفل هرم خفرع، شبكة ضخمة من الهياكل والفراغات تحت الأرض فى قلب هضبة الجيزة الصخرية، تمتد لمسافة 2 كيلو متر، تتضمن آبارًا حلزونية بعمق يصل ل648 مترًا، وتكوينات أخرى صناعية، لا يُمكن أن تخرج بفعل الطبيعة، لكن هذا الإعلان لم يمر بهدوء، فقد أثار هذا الكشف جنون علماء الآثار المصريين بين رافض لفكرة الكشف ومؤيد له باعتباره يخدم السياحة المصرية عمومًا. ◄ بداية القصة نعود إلى عام 2022، حينما قرر اثنان من مهندسي الرادارات الإيطاليين فيليبو وكورادو، إجراء مسح للهرم الأكبر بتقنية SAR، وهى تقنية استشعار عن بُعد تعتمد على الأقمار الصناعية، وهذه التقنية، معروفة منذ عقود، وتستخدم الرادار لإنشاء صور عالية الدقة لسطح الأرض عبر إرسال إشارات ميكروويف وتحليل انعكاسها، وهى قادرة على اختراق المبانى وطبقات الأرض القريبة من السطح، مما يجعلها الاختيار الأفضل لمسح المناطق الأثرية حتى فى الظلام أو الطقس السيئ، لكنها محدودة فى اختراق الأعماق. أحدثت الدراسة الرادارية الجديدة صدمة فى الأوساط العلمية، بعدما كشفت عن مُجمع ضخم تحت أهرامات الجيزة، ما يُشكك فى الاعتقاد السائد بأن هذه الأهرامات بُنيت فقط كمقابر ملكية، وباستخدام تقنية التصوير الراداري المقطعي "SAR"، قام العالمان كورادو مالانجا من جامعة بيزا وفيليبو بيوندى من جامعة ستراثكلايد بمسح هرم خفرع، ليكتشفا شبكة تحت الأرض تمتد لمسافة كيلومترين تحت الأهرامات الثلاثة الرئيسية. ◄ اقرأ أيضًا | زاهي حواس يكشف أكاذيب حول الأهرامات: لا وجود لأعمدة تحت هرم الملك خفرع ◄ ممر غامض ووفقا للورقة البحثية التى نُشرت فى 15 مارس، فإن الاكتشاف يتضمن خمسة هياكل متطابقة متعددة الطوابق، متصلة بممرات هندسية بالقرب من قاعدة هرم خفرع، لكن الأكثر إثارة للدهشة هو العثور على ثمانى آبار أسطوانية عمودية، تحيط بها ممرات حلزونية تنحدر لمسافة 648 مترًا تحت سطح الأرض، لتصل فى النهاية إلى غرفتين ضخمتين على شكل مكعب، يبلغ طول كل ضلع فيهما 80 مترًا، وممرات صاعدة ضخمة داخل جسم الهرم، ممرين عملاقين يصعدان بزاوية 42 درجة داخل هيكل الهرم، واحد فى الجهة الشرقية، وآخر فى الجهة الغربية، ويبدأ الممران من عند القاعدة فى الناحية الشمالية، وتصل لمنتصف ارتفاع الهرم فى الناحية الجنوبية. كما عثر الباحثان على ممر أفقى غامض فى قلب الهرم، طوله حوالى 90 مترًا موجود عند الجهة الجنوبية للهرم، ويربط بين الممرات الصاعدة التى اكتشفاها، وهذا معناه أن هنا هندسة داخلية مُعقدة داخل الهرم لم يكتشفها أحد حتى الآن، وتؤكد الأنفاق وجود شبكة ضخمة من الأنفاق تحت الهرم، كما اكتشفا أن غرفة الملك ليست معزولة كما كنا نعتقد، لكن هناك ممرات صغيرة تحتها تصل بين الغرفة وحجرات أخرى داخل الهرم، بعضها يمتد للغرفة الكبيرة والممرات المكتشفة حديثًا. ◄ الفراغ الكبير الموجات الرادارية، أظهرت وجود ممر أفقى صغير خلف المدخل الرئيسى، وهذا الممر غير مُتصل بأى ممرات معروفة، الأمر الذى دفع العلماء ليتساءلوا: "هل كان هذا الممر تمويهيًا؟ أم كانت له وظيفة أخرى غير معروفة؟"، كما أكد الكشف وجود منطقة غامضة اسمها "الفراغ الكبير أو ال"Big Void" داخل الهرم، وهذا الفراغ تم اكتشافه قبل ذلك باستخدام أشعة الميون "Muon""، وقد نشر "ريز ريبورت" مقطع فيديو، يؤكد أن هذا الاكتشاف "يتحدى الفكرة السائدة بأن الأهرامات كانت مُجرد مقابر ملكية"، مما أعاد إحياء النظريات التى تطرح منذ عقود، التى تشير إلى أن هذه الهياكل ربما كانت ذات وظيفة ميكانيكية أو حتى مصدرًا للطاقة فى العصور القديمة. شملت النتائج قائمة مفصلة بالممرات الداخلية المعروفة وغير المعروفة للهرم الأكبر، مثل غرفة الملك، غرفة الملكة، البهو العظيم، والغرفة السفلية، بالإضافة إلى ممرات وفتحات التهوية، اُعتبر ذلك نجاحًا جيدًا كبداية فى استخدام هذا الأسلوب. ◄ سر الضجة يوضح محمد شكرى الخولى، أحد المُهتمين بعلم الآثار، عن سر الضجة التى حدثت حول إعلان مارس 2025، إن المؤتمر حضره عدد كبير من الصحفيين والمهتمين، وقد أخذ الصحفيون الموضوع بمحمل دعائى، وبما أن الورقة البحثية لم تنشر بالتوافق مع المؤتمر، فكان ذلك سببًا فى مزيد من التخيل والتخبط لعدم وجود مصدر موحد للمعلومات، مما تسبب فى خلط البعض بين الحدثين والهرمين، فظهرت فيديوهات تتحدث عن كشف تحت هرم خفرع، لكنها تستخدم ورقة هرم خوفو كمصدر، مما أربك القارئ العادى الذى لم يعد يعرف أين يوجد الكشف بالضبط، فى خوفو أم خفرع؟!.. الآن، لتوضيح الأمور وتجنب الخلط فإن دراسة 2022 كانت منشورة وتتعلق بالهرم الأكبر، بينما إعلان مارس 2025 فى المؤتمر الصحفى يخص هرم خفرع، ولم ينشر عنه ورقة بحثية حتى الآن. أضاف، أن تقديم المُجسمات ثلاثية الأبعاد من هياكل وأعمدة حلزونية غريبة الشكل بطريقة لم يعهدها القارئ من قبل، بدا أشبه بأجزاء ميكانيكية، وليست صخرية، فبدا الهرم الثانى وكأنه آلة حجرية عملاقة بشكل حرفى، مما تسبب بصدمة البعض وهجومهم على الكشف، رغم أن ما تم تقديمه هو فقط تجسيم للفراغات بواسطة ال«سوفت وير» من وجهة نظر فريق العمل، وإن كانت بشكل غير مألوف. ◄ غضب زاهي الكشف لم يلق إعجابًا لدى الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، الذى أكد أن ما يُشاع عن أن هناك أعمدة تحت هرم الملك خفرع هى أكاذيب صدرت من بعض غير المُتخصصين فى الحضارة المصرية القديمة وتاريخ الأهرامات، إضافة إلى أن المجلس الأعلى للآثار لم يقم بإعطاء هؤلاء الأشخاص أى تصريحات لأى أعمال داخل هرم الملك خفرع، مؤكدًا أنه لم يتم استخدام أى أجهزة رادار داخل الهرم، وكل ما قيل عن وجود أعمدة أسفل الهرم ليس له أى أساس من الصحة، ولا يوجد أى دليل علمى يؤيد هذا الكلام، ولا توجد أى بعثات تعمل فى هرم الملك خفرع الآن. أضاف حواس، أن قاعدة هرم الملك خفرع تم نحتها من الصخر بارتفاع نحو 8 أمتار، ولا يوجد أسفل هذه القاعدة أى أعمدة، وذلك طبقًا للدراسات والأبحاث العلمية التى تمت حول الهرم فى السنوات الأخير، مُشددًا على أن ما قيل هو محاولة للنيل من الحضارة المصرية القديمة. ◄ كشف "فشنك" الدكتور عبد الفتاح الصباحى، مُدير آثار منطقة الهرم فى 1987، قال إن أهرامات مصر لم تبح بأسرارها حتى الآن، وأسرار الهرم لم تكتشف بعد رغم كل المحاولات الغربية، وحتى الآن لم نصل لحقيقة واحدة، مُضيفًا أن هرم خوفو مازال سرًا من الأسرار التى حيرت العالم، وهناك كتب وكتابات كثيرة عن الأهرامات، لكن الكشف الأخير الذى يتحدث عنه العالم الآن "فشنك". عبر صفحات التواصل الاجتماعى، اشتعل النقاش بين المُهتمين بالآثار المصرية، فيقول أحمد عادلى، إن الدكتور زاهى حواس لديه إصرار غريب على فكرة أن الأهرامات مُجرد مقابر، رغم أنه ليس هناك أى دليل أثرى أو جيولوجى على أن الأهرامات مُقابر، فلم نجد بها مدفن جنائزى ولا مومياء، ولا تابوت ولا حتى نقوش وأوانٍ كانوبية، بينما قالت رنا عيسى: "العالم كله مقلوب عن هذا الاكتشاف، وأنا مفترض أن أُصدق الدكتور زاهى حواس فقط". أحمد الدالي تحدث عن نفى الدكتور زاهى حواس، دخول أى رادار لمنطقة الأهرامات، فقال: "معلومة يعرفها القريب والبعيد، رادار SAR، لا يحتاج لتصاريح، ولا لفريق عمل على هضبة الجيزة ولا لدخول هرم خفرع أساسًا، لأن المسح يجرى بالقمر الصناعى"، أما مينا رشدى، فقال: "كل هذا الأمر مُجرد وهم، ومُلخص القصة، لا يوجد دليل أثرى واحد، أو دليل علمى واحد، كل الكلام لا يختلف عن نظريات الفضائيين، للأسف الناس تترك العلم وتُمسك فى النظريات السهلة القابلة للتفسير كالذى يترك الطب ويذهب للدجالين». في النهاية، الكشف مثير بلا شك لكن الأرقام المذكورة تحتاج إلى مراجعة دقيقة لا يمكن إنكار دور تقنيات الاستشعار عن بعد فى كشف أسرار الأهرامات لكن التفسيرات المتسرعة قد تؤدى إلى استنتاجات غير دقيقة، أنتظر نشر الورقة البحثية للتحليل العلمى المتعمق، فالموضوع يحتاج إلى دراسة متأنية لمعرفة الحقيقة.