في مارس الجاري، انتشرت أخبار تزعم اكتشاف فريق بحثي إيطالي-أسكتلندي، بقيادة العلماء كورادو مالانجا وفيليبو بيوندي، لوجود هياكل ضخمة تحت هرم خفرع باستخدام تقنية رادارية متطورة. أثارت حيرة العلماء اكتشاف هياكل ضخمة بقاع المحيط الهادئ | صور وأشارت هذه الادعاءات إلى وجود أعمدة تمتد حتى عمق 648 مترًا تحت الهرم وهياكل مكعبة متساوية الأبعاد، مما أثار جدلًا واسعًا حول صحة هذه المزاعم وإمكانية ارتباط الأهرامات بتقنيات متقدمة لتوليد الطاقة، كما ادعى أصحاب هذه النظريات. وقد لاقت هذه المزاعم ردود فعل قوية من قبل علماء المصريات، وعلى رأسهم الدكتور زاهي حواس، الذي نفى صحتها بشكل قاطع، مؤكدًا أن الأهرامات كانت مقابر ملكية لا علاقة لها بمثل هذه الفرضيات الخيالية. 1- تفاصيل المزاعم حول الاكتشاف الجديد زعمت الأخبار المتداولة أن فريقًا بحثيًا إيطاليًا-أسكتلنديًا استخدم تقنيات متطورة لاختراق الأرض وكشف عن هياكل ضخمة أسفل هرم خفرع، تضمنت أعمدة عمودية ضخمة وهياكل مكعبة متماثلة، مما أدى إلى إعادة إحياء نظريات قديمة حول دور الأهرامات كمحطات لتوليد الطاقة. وقد استندت هذه المزاعم إلى نظريات طرحها سابقًا كلٌ من نيكولا تسلا وكريستوفر دان، اللذين افترضا أن الأهرامات لم تكن مجرد مقابر، بل آلات لتوليد الطاقة. إلا أن هذه الفرضيات لا تستند إلى أي أدلة علمية أو أثرية موثوقة، بل تعتمد على تأويلات غير دقيقة لنصوص ومفاهيم الحضارة المصرية القديمة. 2- ردود الفعل العلمية على الادعاءات جاء الرد الأول على هذه المزاعم من عالم المصريات الشهير الدكتور زاهي حواس، الذي نفى تمامًا صحة هذه الأخبار، مؤكدًا أنه لا توجد أي بعثات أثرية تعمل حاليًا داخل هرم خفرع، وأن المجلس الأعلى للآثار لم يمنح أي تصاريح لفريق بحثي لاستخدام أجهزة الرادار داخل الهرم. كما شدد على أن الأهرامات كانت مقابر ملكية، ولم يُعثر على أي دليل أثري يدعم فكرة استخدامها لتوليد الطاقة. من جهتها، قامت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، بقيادة الدكتور عبد الرحيم ريحان، بدراسة هذه الادعاءات علميًا، حيث أوضحت الدكتورة رنا التونسي، منسقة الحملة للبحوث والدراسات الأثرية، أن هذه النظريات تعتمد على حجج ضعيفة وأخطاء علمية جسيمة، منها: النقل الحرفي الخاطئ للنصوص المصرية القديمة، مثل ترجمة نقش الملكة حتشبسوت "وأضاءت بنورها واست" على أنه دليل على استخدام الكهرباء، بينما المعنى الصحيح هو الإشراق الرمزي المرتبط بالشمس. التشابه السطحي بين تصميم الهرم الأكبر وتصميم بعض المضخات الهيدروليكية الحديثة، مثل "مضخة رام"، دون مراعاة الفرق الزمني والوظيفي بينهما. 3- دحض الادعاءات بالأدلة الأثرية والعلمية أوضحت الدراسات العلمية القائمة على مسوحات جيولوجية وتقنيات متطورة مثل: رادار الاختراق الأرضي (GPR) التصوير المقطعي بالموجات الزلزالية التصوير بالميونات (Muon Imaging) منذ 2015 أن هذه التقنيات لم تكشف عن أي أدلة على وجود أعمدة ضخمة أو غرف مخفية تحت هرم خفرع، مما يثبت عدم صحة الادعاءات. كما أشار الخبير الأثري فاروق شرف إلى أن المهندسين المصريين القدماء اعتمدوا على الصخر الطبيعي كأساس قوي لبناء الهرم، مما ينفي الحاجة إلى أعمدة دعم تحت الأرض. 4- تناقضات في نظريات "محطات الطاقة" انتقد الدكتور عبد الرحيم ريحان بشدة أصحاب هذه الفرضيات، مشيرًا إلى التناقض الواضح في طرحهم، إذ يركزون فقط على الهرم الأكبر وخفرع، بينما يتجاهلون بقية الأهرامات المصرية التي بنيت بنفس الأسلوب وتؤكد وظيفتها الجنائزية. كما أن متون الأهرام، وهي أقدم النصوص الدينية المعروفة، تؤكد أن الغرض من الأهرامات هو تسهيل رحلة الملك إلى العالم الآخر، وليس توليد الطاقة. يتضح مما سبق أن الادعاءات حول وجود هياكل ضخمة تحت هرم خفرع ما هي إلا مزاعم غير موثقة تفتقر إلى الأساس العلمي والأثري. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الأهرامات كانت مقابر ملكية متطورة، تعكس براعة المصريين القدماء في الهندسة والبناء، بعيدًا عن أي خرافات تتعلق بتوليد الطاقة. لذا، فإن نشر مثل هذه الأخبار غير الموثوقة يمثل تهديدًا للتراث المصري، ويجب التصدي له بالعلم والمعرفة الدقيقة.